منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، لطالما كانت زيارة إيران تنطوي على بعض المخاطر بالنسبة للإيرانيين الذين يعيشون في الخارج، بيد أنه في السنوات الأخيرة كانت هناك موجة من الاعتقالات والإضطهاد التي طالت الإيرانيين مزدوجي الجنسية. وعلى الرغم من الإعلان عن العديد من الحالات، إلا أن هناك حالات اعتقال أخرى بقيت طي الكتمان، إذ تخشى العديد من الأسر المزيد من العواقب في حال تحدثهم مع الصحافة.
وفي السابق، كان الإيرانيون الأمريكيون المستهدفون الرئيسيون من قِبل قوات الأمن الإيرانية حيث كانوا يستخدمون إما كأوراق مساومة أو لمقايضة الأسرى. ومن بين أشهر القضايا في السنوات الأخيرة كانت قضية جايسون رضائيان، وهو صحفي إيراني أمريكي احتجز كرهينة، وفقاً لمحاميه، لانتزاع تنازلاتٍ خلال المحادثات مع الولايات الأمريكية المتحدة فيما يخص البرنامج النووي الإيراني.
ومع ذلك، وفي عامي 2017 و2018، يبدو أن اهتمام السلطات قد انتقل إلى الإيرانيين الأوروبيين. ففي سبتمبر 2017، وصفت إحدى هيئات الأمم المتحدة “نمطاً ناشئاً ينطوي على الحرمان التعسفي من الحرية التي يتمتع بها المواطنون من مزدوجي الجنسية في إيران.” وتحدث هذه الاعتقالات في الوقت الذي وعد فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني بمد يد العون للمغتربين الإيرانيين.
فقد دفعت الثورة التي مهدت الطريق لإقامة الجمهورية الإسلامية، وثماني سنواتٍ من الحرب مع النظام البعثي في العراق واستمرار عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في فترة ما بعد الحرب، بهجرة الملايين من الإيرانيين إلى الغرب. واليوم، يوجد الشتات الإيراني الأكبر نسبياً في كلٍ من أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. وعليه، اندمجت شريحة كبيرة من هذا المجتمع وحصلوا على جنسيات ثانية إما أوروبية أو كندية أو أمريكية. وكحال غيرهم في الشتات، حافظ أولئك الإيرانيون على معظم علاقاتهم بالأشخاص في الديار. غير أن زيارة إيران لم تكن دوماً مسألةً واضحة بالنسبة للعديد من الإيرانيين. فالبنسبة للموجة الأولى الذين فروا من البلاد في أوائل الثمانينيات، لطالما كانت العودة إلى الديار حلماً بعيد المنال، إما بسبب صلاتهم بالنظام السابق أو بسبب أنشطتهم “المناهضة للثورة.”
وفي أعقاب فوز الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي بانتخابات عام 1997، تم تهيئة الظروف المناسبة لكثير من المواطنين مزدوجي الجنسية لزيارة البلاد. فقد دعا الرئيس الإيراني علناً إلى زيارة البلاد والاستثمار في اقتصادها النامي. وعلى الرغم من أن الحكومة حاولت تطبيع العلاقات مع الإيرانيين الذين “لا يُثيرون أي إشكالٍ” سياسي من المقيمين في الغرب، لجأ المتشددون إلى اتخاذ خطواتٍ أخرى لجعل الوضع صعباً بالنسبة للحكومة وبعض العائدين. ومع ذلك، كانت حقبة خاتمي، بالنسبة للعديد من الإيرانيين المقيمين في الخارج، أسهل وقتٍ لزيارة البلاد دون الخوف من الاضطهاد. وأعقبت فترة الإصلاح المأمول ثماني سنواتٍ من رئاسة محمود أحمدي نجاد، الذي غير الوضع بشكلٍ جذري. فبعد انتخابات عام 2009، والتي أسفرت عن احتجاجاتٍ واسعة النطاق بسبب التزوير المزعوم، بدأت حملة ضد المواطنين الإيرانيين حاملي الجنسيات المزدوجة.
فقد كان اعتقال وإعدام الإيرانية- الهولندية، سارة بهرامي عام 2011، من بين أكثر القضايا شهرةً والتي أثارت كلاً من الشتات الإيراني والمجتمع الدولي على حد سواء. وخلال السنوات القليلة التالية، أبلغ عن العديد من حالات الاعتقال والاضطهاد، إذ كان العديد منهم إما طلاباً أو مقيمين في الغرب والذين تعرضوا للاعتقال بمجرد عودتهم إلى البلاد ووجهت لهم تهمٌ تتعلق إما بالسياسة أو الأمن.
وفي عام 2013، انتخب روحاني المحسوب على التيار المعتدل في البلاد. وفي بداية ولايته الأولى، تواصل مع الشتات الإيراني. وفي أول زيارةٍ له إلى نيويورك لمخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال لحشدٍ من الأميركيين الإيرانيين المتفائلين إنه سيسهل عليهم زيارة إيران، إذ قال وسط الهتافات والتصفيق “هذا حقٌ لكل إيراني، بأن يزور وطنه.” وأضاف “إذا ما كنت سأنقل رسالتكم إلى إيران، فهي: زيارة إيران حقنا الذي لا يقبل الجدل.”
ولطمأنة أولئك الذين كانوا لا يزالون يخشون العودة، طلبت حكومته من الأشخاص التواصل مع السلطات عبر بريدٍ إلكتروني محدد، ليتم تقييم حالتهم من قِبل لجنة خاصة مؤلفة من ممثلين عن السلطة القضائية وقوات الأمن قبل وصولهم. وعلى الرغم من أن هذا بث روح التفاؤل، إلا أن الواقع كان أكثر تعقيداً، إذ أظهرت التقارير تعرض أشخاصٍ للاعتقال أو مصادرة جوازات سفرهم بمجرد وصولهم. أثنى هذا العديد من الإيرانيين، لا سيما أولئك من ذوي الملفات السياسية، عن القيام بهذه الرحلة.
فقد ركزت ولاية روحاني الأولى، في المقام الأول، على التوصل إلى اتفاقٍ نووي. وفي أعقاب خطة العمل الشاملة المشتركة التي تم الاتفاق عليها رسمياً في يوليو 2015، عاد التفاؤل من جديد حول التقارب مع الولايات المتحدة ومواصلة تطبيع العلاقات مع الغرب. فتخفيف حدة التوترات مع البلدان “المعادية” يمكن أن يجعل حياة الإيرانيين الذين يعيشون في هذه البلدان أسهل بكثير. ومع ذلك، كانت النتيجة العكس تماماً.
فمنذ توقيع الاتفاق، اعتقلت قوات الحرس الثوري الإيراني ما لا يقل عن 30 مواطناً من مزدوجي الجنسية، وجهت لمعظمهم تهمة التجسس. بيد أنه في السنوات التي سبقت الإتفاق، كان عدد المواطنين مزدوجي الجنسية المسجونين، في أي وقتٍ من الأوقات، رقماً أحادياً. ومع ذلك، تغير نمط هذه الاعتقالات، ففي السابق، كان معظم المعتقلين من الإيرانيين الأمريكيين، ولكن اليوم بات غالبية المعتقلين من الإيرانيين حاملي جوازات السفر الأوروبية. ففي فبراير 2018، كان 19 شخصاً على الأقل من أصل 30 شخصاً من المعتقلين من المواطنيين الأوروبيين.
ومن بين هؤلاء نازنين زاغري راتكليف وأحمد رضا جلالي، حيث تحمل زاغري راتكليف الجنسية البريطانية إلى جانب الإيرانية وتقبع في السجن منذ أبريل 2016، وحكم عليها في 10 سبتمبر 2016 بالسجن 5 سنوات بتهمة “التآمر للإطاحة بالنظام الإيراني.” أما أحمد رضا جلالي، وهو عالم إيراني مقيم في السويد، فقد اعتقل في عام 2016 في العاصمة طهران التي كان يزورها لحضورٍ مؤتمر، والذي حكم عليه بالإعدام بتهمة “التجسس.” وفي عام 2017، دعا نحو 75 من الحاصلين على جائزة نوبل الحكومة الإيرانية إلى إطلاق سراحه، إلا أنه لا يزال تحت التهديد الوشيك بالإعدام شنقاً.
ويمكن للسياسة الطائفية الإيرانية أن تفسر إلى حدٍ كبير سر الحملة الجديدة على مزدوجي الجنسية. فعلى سبيل المثال، الحرس الثوري الإيراني، المسؤول عن غالبية هذه الاعتقالات، لا يخضع لمساءلة الحكومة. وبالتالي، فإن اعتقالهم للإيرانيين مزدوجي الجنسية يمكنهم من ممارسة السلطة، والتمتع بالمزيد من النفوذ، وفي الوقت نفسه، يمنع مزيداً من تطبيع العلاقات مع الغرب.
بل تمتد مقاومة تطبيع العلاقات هذه إلى الاقتصاد الإيراني، الذي تبذل الحكومة الإيرانية قصارى جهدها لجذب الاستثمارات الأجنبية له. فلدى الحرس الثوري الإيراني مصالح واسعة النطاق في مختلف قطاعات الاقتصاد، وبالتالي، لا يرغب برؤية أي تغييراتٍ رئيسية تطرأ عليه. ويمكن لهذا أن يفسر سبب التركيز على المواطنيين الإيرانيين من حاملي جوازات السفر الأوروبية. فالعديد من الشركات الأوروبية تستثمر في قطاع الطاقة في الوقت الراهن، ولربما ترسل هذه الاعتقالات الإشارات “المناسبة” للقادة الأوروبيين، مما يدفعم للتفكير ملياً قبل إتخاذ أي خطواتٍ لتعزيز العلاقات مع الحكومة الحالية. كما تقترن هذه الأسباب بغيرها من الدوافع التقليدية مثل استخدام المعتقلين كأوراق مساومة إما لتبادل الأسرى أو مقابل فدية.