نشر موقع “ميدل إيست آي” مقالة سلطت الضوء على ما تمخّض عنه مؤتمر البحرين الذي عُقد برعاية الولايات المتحدة ومستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر. وتقوم كلوي بينوا، وهي صحفيةٌ فرنسية مختصة في تغطية أحداث ووقائع منطقة الشرق الأوسط منذ 2011، بالتركيز في مقالها على الوثيقة التي صدرت عن ورشة “السلام من أجل الازدهار”، ناهيك عن استعراض أبرز ما جاء فيها وأهم ما تغافلت عن ذكره. ومن أبرز ما جاء في الوثيقة من نقاط تغافلها عن ذكر الاحتلال الإسرائيلي وتركيزها الدائم على لوم الفلسطينيين أو تحميلهم المسؤولية عن المأزق الذي يعيشون فيه دون التطرق على الإطلاق لدور إسرائيل في هذا الجانب. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الوثيقة تواصل النظر لفلسطين والترويج لها كـ “شركة” جيدة تتعامل مع زبائن، لا كدولة تتعامل مع مواطنين.
وكشف البيت الأبيض قبل عقد مؤتمر البحرين عن خطة “السلام من أجل الازدهار” لأجل فلسطين، وهي جزءٌ من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعروفة باسم “صفقة القرن”.
وتعد هذه الخطة التي يقودها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي وأحد كبار مستشاريه، بمثابة خارطة طريقٍ اقتصادية معقدة تتمحور حول توزيع ما يزيد عن 50 مليار دولار.
وترى بينوا أن نوايا الخطة واضحة للعيان، فهي تشجّع على تحويل فلسطين – التي لا يشار لها إلا بغزة والضفة الغربية حتى لا ينتظر أحد وجود اقتراحٍ بإقامة دولة فلسطينية ضمن الخطة – إلى نسخةٍ جديدة من دبي أو سنغافورة.
واطّلع موقع “ميدل إيست آي” على هذه الخطة – التي سبق للقيادة الفلسطينية رفضها بالإجماع – بهدف الكشف عن كنه الجانب الاقتصادي المعقد فيها. وبصورةٍ مماثلة لما عليه الحال في جميع الرؤى المستقبلية، فإن أهمية هذه الخطة تكمن فيما تضمنته وما تركته على حد سواء.
1- لا ذكر للاحتلال…
تقع الخطة وكتيب “البرامج والمشاريع” المرافق لها في 136 صفحة تتضمن تفاصيل مطوّلة لبيان حاجة الاقتصاد الفلسطيني إلى الدعم. إلا ان البيت الأبيض تغافل عن ذكر قضيةٍ واحدة سيتضاعف في حال حلّها حجم الاقتصاد الفلسطيني بحسب الأمم المتحدة. وهذه القضية هي الاحتلال الإسرائيلي.
وبصورةٍ مماثلة لما أشار إليه العديد من المراقبين، فإن الوثيقة لم تأت على ذكر احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية الممتد منذ عقود طويلة ولو لمرة واحدة. بل إن أقرب شيءٍ لهذا المعنى نجده في استخدام المفردة الإنجليزية “occupations” بمعنى “وظائف”، وقد تعني في سياقات أخرى “الاحتلال”، وهو ما يحمل معنىً أبعد ما يكون عمّا يفهمه معظم الناس من هذا المصطلح في السياق الفلسطيني.
وبصورةٍ مماثلة، لم تأت الوثيقة على ذكر كلماتٍ مثل “الحصار” أو المستوطنات“، ناهيك عن عدم التطرّق إلى أي حديث عن تأثير هذه الخطة على المناطق (أ) و(ب) و(ج) في الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة إسرائيل أو السلطة الفلسطينية منذ عام 1995.
وهنا، لا بدّ لنا من قراءة ما بين السطور للعثور بالكاد على أي إشارة إلى السياسات الإسرائيلية ذات الأثر السلبي على الفلسطينيين، ومنها عبارات “الأزمة الطويلة”، و”التحديات اللوجستية”، و”معوقات النمو”، و”القيود على الموارد” و”الحواجز الناظمة لحركة الفلسطينيين وبضائعهم”.
٢. ولا حتى اللاجئين..
إحدى الكلمات الأخرى التي لم تأت الوثيقة على ذكرها هي “اللاجئون“. وعلى الرغم من وجود ما يزيد عن مليوني لاجئ في غزة والضفة الغربية، فإن خطة كوشنر أغفلت الحديث عن مدى تأثرهم بالتقليص الحاد لما تقدّمه الولايات المتحدة من مساعدات لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
صحيحٌ أن الخطة خصّصت حوالي 13.7 مليار دولار لتمويلٍ واعد في لبنان والأردن وفيهما حوالي مليوني ونصف مليون لاجئ فلسطيني، إلا أنه لم يتم ذكر ما إذا كانت هذه الأموال مخصصة للفلسطينيين بالفعل أم لا.
3- القدس خارج طاولة المفاوضات
وعد ترامب في يناير 2018 بوضع القدس “خارج المفاوضات”. وهذا بالضبط ما فعلته خطة “السلام من أجل الازدهار”، إذ تعامت الوثيقة عن ذكر المدينة المقدسة. ويتسق هذا التجاهل مع قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في مايو 2018، ويعني هذا الأمر بالتالي الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل رغم المطالبات الفلسطينية تاريخياً بالقدس الشرقية عاصمةً لدولة فلسطينية مستقبلية.
وما يزال موقف البيت الأبيض غامضاً فيما يتعلق بوضع حوالي 300 ألف فلسطيني يعيشون حالياً في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل في عام 1967 بطريقةٍ مخالفة للقانون الدولي.
4- إسرائيل: قلما تُذكر
تقلّل الوثيقة من دور إسرائيل في التوترات الإقليمية. وعندما تأتي الوثيقة على ذكر هذا الدور فإنه يكون بين ثنايا الحديث وسط قائمة من “جيرانها” أو “الشركاء التجاريين الرئيسيين” كما ورد في عبارة “مصر وإسرائيل والأردن”، لكنها لا تُذكر بمفردها.
كما أن بعض الاقتراحات الاقتصادية وُضعت لمصلحة إسرائيل الاقتصادية، بما في ذلك بيع المياه إلى غزة والضفة الغربية والأردن، وتوفير الغاز والكهرباء لغزة، وتعزيز مستوى التجارة مع مصر والأراضي الفلسطينية المحتلة، ناهيك عن استخدام الأردن لتقنيات التجسس.
5- بيع السلاح لإسرائيل ما يزال أولوية أمريكا
تدّعي خطة كوشنر لفلسطين “قدرتها على توفير ما يزيد عن 50 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة على مدى عشر سنوات”. إلا أن ما لا يزيد عن 27.8 مليار دولار من هذا المبلغ سيعود بطريقةٍ مباشرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما سيذهب المبلغ المتبقي إلى الدول المجاورة.
ويعتبر هذا الجزء الذي سيذهب لفلسطين أقل بحوالي 27% من قيمة صفقة المساعدات العسكرية التي عقدتها الولايات المتحدة مع إسرائيل في 2016، علماً بأن هذه الصفقة تمتد على مدى عشر سنوات وتبلغ قيمتها ٣٨ مليار دولار أمريكي.
6- الولايات المتحدة تلوم فلسطين
بما أن الوثيقة لم تأت على ذكر أي دورٍ لإسرائيل في النزاع، فإن البيت الأبيض يؤكد مسؤولية الفلسطينيين عمّا يعيشونه في الوقت الراهن من مأزق، ناهيك عن تأكيد وقوع مسؤولية فشل “صفقة القرن” على عاتقهم حال حصول ذلك.
ويرد في الخطة ما يلي: “في نهاية الأمر، تبقى القدرة على تمهيد الطريق لهذه الخطة في يد الشعب الفلسطيني”. وفي الوقت الذي تعد فيه خطة كوشنر “بإطلاق العنان” للطاقات الفلسطينية، فإنها لم تمط اللثام أبداً عن المسؤول أو عن السبب في تقييد هذه الطاقات أصلاً.
ويرد في موضع آخر من الوثيقة أن “اتفاق سلام دائم سيضمن فرصاً اقتصادية مستقبلاً للفلسطينيين”. إلا أن الوثيقة لا تجيب على سؤال من سيتم عقد هذا السلام الدائم معه.
كما تنطوي الوثيقة أيضاً على الإدراك بأن خطة “السلام من أجل الازدهار” لا طائل منها عملياً. لذلك، تبدأ العديد من البنود بصيغةٍ مشروطة، مثل “إذا نُفذت” أو “إذا حققت الحكومة ما يُنتظر منها”.
7- أسئلة التعليم بلا إجابة
لا يوجد ما يوضح تغافل إدارة ترامب عن كلّ ما يعوق نمو فلسطين أكثر من تغافلها عن التعليم.
وتقرّ الوثيقة هنا بأن “معدلات التخرج التي يحصل عليها الفلسطينيون من بين المعدلات الأعلى في المنطقة”، لكنها لا تأت على تفسير السبب الكامن وراء تجاوز المدارس الفلسطينية لـ “قدرتها الاستيعابية”.
وتؤكد الوثيقة أهمية “التركيز على دعم المدارس الموجودة في المناطق المهمشة”، إلا أنها لا تذكر هدم القوات الإسرائيلية للعديد من المدارس التي يمولها الاتحاد الأوروبي في المنطقة “ج” بالضفة الغربية لفشلها في الحصول على تصاريح البناء التي يكاد يستحيل استخراجها. كما لم يرد ذكر تأثّر ٥٠٠ ألف طالب فلسطيني بقرار قطع الولايات المتحدة تمويلها للأونروا في عام 2018.
وتعد الخطّة بتخصيص مبلغ 300 مليون دولار على شكل منح للطلاب الفلسطينيين كي يدرسوا في الخارج، إلا أنها تجاهلت الحديث عن معاناة الفلسطينيين الحالية في الحصول على تأشيرات لمغادرة الضفة الغربية وقطاع غزة.
كما أن تناول الوثيقة لقطاعاتٍ مماثلة للرياضة والرعاية الصحية والزراعة والسياحة ذُكر بلا سياقٍ محدّد واقتُرحت حلول دون النظر إلى أرض الواقع.
8- “جاريد، هل سنسمح الفلسطينيين حقّ التملك؟”
تركز خطة كوشنر بشكلٍ كبير على “حقّ الفلسطينيين في التملّك”، إذ وردت هذه 13 مرة ضمن الوثيقة. وجاء في الصفحة رقم 32 من الوثيقة: “يعتبر تسجيل الأراضي خطوةً حاسمةً في تحوّل الاقتصاد الفلسطيني”، وأُضيف لاحقاً: “حقوق التملك ضرورية للوصول إلى هذا المستقبل”.
إلا أن الخطة تتجاهل ذكر تخريب إسرائيل الممنهج للأراضي الفلسطينية منذ عام 1948 حتى الآن. وما يزال العديد من اللاجئين يحملون عقود ومفاتيح منازلهم التي تركوها وراءهم في فلسطين التاريخية، وكذلك الفلسطينيين الذين استولى المستوطنون الإسرائيليون على أراضيهم ومنازلهم في الضفة الغربية المحتلة.
وتقول بينوا هنا: “هل هذا ما يدور في ذهن كوشنر وترامب الذي أُطلق اسمه على مستوطنةٍ إسرائيلية هذا الشهر في هضبة الجولان؟ التفاصيل ما تزال غير واضحة”.
9- الفلسطينيون زبائن لا مواطنون
يبدو جلياً أن من كتب خطة “السلام من أجل الازدهار” رجال أعمال. فترامب دائماً ما يروّج لنفسه على أنه رجل أعمالٍ مخضرم، كما أن كوشنر مستثمرٌ يعمل في قطاع العقارات.
وتزخر الوثيقة بلغة إدارة الأعمال التي تنادي باتباع نهجٍ “مناسب للأعمال” بهدف “تحرير الطاقات الإنسانية” عبر “النمو الموجه بالاستثمارات”، وهو ما يلزمه تبني “نظام حاضنة أعمالٍ متوازن”، و”ثقافة محلية قوية تدعم الشركات الناشئة”.
والعبارة التالية تبوح بهذا النفح: “لا بد وأن تبدي الحوكمة الفلسطينية الرشيدة التزامها بزبائنها وهم: الشعب الفلسطيني”. وفي غياب وجود دولةٍ مناسبة، لا تتعامل الخطة مع الفلسطينيين على أنهم مواطنين، بل مستهلكين يمكن تحقيق تطلعاتهم السياسية عن طريق السلع والخدمات.
10- ليأكل الفلسطينيون الكيك وليهنؤوا بتقنية شبكة الجيل الخامس
تتضمن هذه الخطة المناسبة للأعمال طموحاتٌ كبيرة، كتحويل غزة إلى “مدينة حضرية حديثة الطابع” وتعمل وفق نظام حكومة إلكترونية مركزية، ناهيك عن تطوير تقنية شبكة الجيل الخامس يتم توفيرها في عموم الأراضي الفلسطينية.
وتبدو مثل هذه المقترحات بعيدة المنال نظراً لما يعيشه الفلسطينيون من حرمانٍ من الاحتياجات الأساسية. وعلى سبيل المثال، يقبع في الوقت الراهن حوالي ٥٣٪ من سكان غزّة تحت خط الفقر. وعلى مستوى الجانب التكنولوجي، لم تقم إسرائيل برفع الحظر المفروض على الشركات التي توفّر شبكات الجيل الثالث إلا قبل عامٍ واحد.
11- وضع معايير صعبة المنال
يكمن أحد أهداف الخطة في تسجيل غزة والضفة الغربية لمعدّل (0.70) على مؤشر رأس المال البشري للبنك الدولي، وهو المؤشر الذي يقيس إمكانات عمل السكان.
وإذا ما تمكنت فلسطين من تحقيق هذا الإنجاز، فإنها ستسبق اقتصادات بلادٍ ذكرتها الخطة في مواضع أخرى وهي الصين (0.67) والإمارات (0.66) والبحرين (0.67) ولبنان (0.54).
كما تتضمن الأهداف وصول الحكومة الفلسطينية إلى معدّل (60) أو أعلى على مؤشّر الفساد الخاص بمنظمة الشفافية الدولية. وهذا المعدل أعلى مما سجلته البحرين (36) البلد المضيف للمؤتمر، ويزيد بأكثر من ضعف ما حققه لبنان (28). بل إن إسرائيل الموجودة ضمن هذا المؤشر منذ ما يزيد عن 70 عاماً حقّقت بالكاد 61 درجة.
12- غزة كنسخة مستحدثة عن ريو دي جانيرو؟
تشير الخطة أيضاً إلى عدة رؤى تتيح لفلسطين التحوّل إلى وجهةٍ سياحية بارزة. ويرد في أحد مواضع الوثيقة أن قطاع غزة الممتد لحوالي 40 كم على البحر المتوسط “قد يتطور ليصبح مدينة حضرية حديثة تطل على الشاطئ، لتكون على غرار مدنٍ مثل بيروت وهونغ كونغ ولشبونة وريو دي جانيرو وسنغافورة وتل أبيب”.
وهنا، لم تأت الوثيقة على ذكر حالة السواحل الملوثة والناجمة عن البنية التحتية الهشّة في غزة العاجزة عن التعامل مع النفايات، كما لم يُذكر الحظر الذي تقوم القوات البحرية الإسرائيلية بتطبيقه في الوقت الراهن على الفلسطينيين حتى تقلّص ما يمكنهم استغلاله إلى ما لا يزيد عن بضعة أميالٍ قليلة من الشاطئ.
وتذكر الخطة أيضاً أن أحد أسباب عدم ازدهار قطاع السياحة الفلسطيني هو أن الفلسطينيين، المعروفين في جميع أنحاء المنطقة بحسن الضيافة، يحتاجون إلى شراكةٍ مع “مدارس الضيافة الدولية الرائدة” كأكاديمية الإمارات لإدارة الضيافة.
13- فلسطين كنسخة مستحدثة عن سنغافورة؟
إذا ما وضعنا المعايير الطموحة جانباً، فسنكتشف أيضاً أن بعض النماذج المذكورة كأمثلة لأي اقتصاد فلسطيني مستقبلي لا تُعرف بتسامحها أو بضمانها لحرية التعبير.
وتستشهد الخطة بدولٍ مثل الإمارات أو سنغافورة التي اتهمتها منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” بمقايضة الحقوق السياسية بالتقدم الاقتصادي – وهو الاتهام ذاته الذي وجهه الفلسطينيون لخطة “السلام من أجل الازدهار” الخاصة بإدارة ترامب.
كما يجري عقد مقارناتٍ مع بيروت كمثالٍ للمدن الساحلية الحضرية، وهو ما يبدو تفكيراً مختلاً نظراً لصراعات العاصمة اللبنانية المستمرة مع خصخصة الأماكن العامة وغياب التخطيط الحضري.
14- زلّة ثقافية
يشيد التقرير “بالضفة الغربية وقطاع غزة” لكونهما مراكز ثقافية “منذ العصور القديمة حتى العصر الحديث”، ويعترف بأن فلسطين ساهمت في تقديم “أشهر الفنانين والشعراء في المنطقة”، لكنه يفشل في ذكر أي مثالٍ على ذلك.
وقد يكون دافع البيت الأبيض لإغفال ذكر أمثال محمود درويش أو غسان كنفاني أو سليمان منصور أو آن ماري جاسر، هو تجنب الاعتراف بمدى أهمية السياسة والتطلعات القومية للثقافة الفلسطينية خلال نصف القرن الماضي.
ومن المفارقة أن التقرير جاء على ذكر مهرجان النبي موسى كـ “تراثٍ ثقافي عظيم يجب الاعتناء به ودعمه”. إلا ان أحد التقاليد الأساسية لهذا الحدث الديني هو الحج السنوي من القدس إلى أريحا، وهو الطريق الذي يستحيل على الفلسطينيين سلكه إذا ما قبلوا وجهة نظر إدارة ترامب عن القدس باعتبارها إسرائيلية بشكلٍ حصري.
15- المال لغاز وكهرباء وتكنولوجيا الجيران
تسرد الخطة العديد من مشاريع البنية التحتية في بلدان أخرى لكونها مفيدة للفلسطينيين، ومن هذه المشاريع خطوط الكهرباء المصرية التي تغذي غزة أو المعابر الحدودية الأردنية المحدثة. إلا أن بعض المقترحات الأخرى تبقى غريبة وبلا فائدة مباشرة وواضحة للفلسطينيين.
وترى الخطة على سبيل المثال أن السياحة في البلدان المجاورة ستعود بأثرٍ إيجابي على السياحة الفلسطينية. وهي بذلك تتجاهل إغلاق معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر في أغلب الأحيان، وأنّ لبنان يرفض رسمياً دخول الأفراد الذين تحمل جوازات سفرهم تأشيرات إسرائيلية.
وتخصّص الخطة 1.5 مليار دولار لإنشاء مركز للغاز الطبيعي قبالة الساحل المصري بهدف “المساعدة في إدارة تطوير الطاقة في شرق المتوسط”، ناهيك عن تخصيص 500 مليون دولار لتزويد الأردن “ببنيةٍ تحتية للأمن السيبراني وتعزيز قدراتها” في هذا المجال بهدف “إتاحة الفرص لمزيد من التعاون السيبراني الدولي”. وفي الوقت الذي يعتري فيه الغموض ما ستعود به هذه المشاريع من فوائد على الفلسطينيين، فإن لإسرائيل مصالح طويلة الأمد في كلٍّ من احتياطات الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، والأمن السيبراني، وتكنولوجيا التجسس.
16- لبنان ليس في الخطة…
خُصص في الخطة ما قيمته 6.33 مليار دولار للبنان، بما في ذلك 200 مليون دولار “لدعم التكامل التجاري الإقليمي تحفيزاً للمصدرين على الانخراط في سلاسل القيمة الإقليمية وبما يكفل الحد بشكل كبير من تكاليف الأعمال التجارية في المنطقة”.
وقد يكون ذلك مفاجئاً لبعض المتابعين لثلاثة أسباب أولها عدم اشتراك لبنان بأيّ حدودٍ مع قطاع غزة أو الضفة الغربية. أما السبب الثاني فيكمن في عدم إرسال لبنان أي ممثل له إلى مؤتمر البحرين، في حين يتمثل السبب الثالث في رفض هذه الدولة لإقامة علاقات دبلوماسية أو اقتصادية مع جارتها إسرائيل على عكس ما تفعله مصر والأردن.
فهل تأمل إدارة ترامب بإغراء بيروت لتحسين علاقتها مع إسرائيل؟ وهنا تجيب بينوا بأن بعض النواب اللبنانيين على قناعة بأن هذا هو هدف الولايات المتحدة. فقد قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري يوم 23 يونيو الماضي: “يخطئ الظن من يعتقد أن التلويح بمليارات الدولارات يمكن أن يغري لبنان للخضوع أو للمقايضة على ثوابت غير قابلة التصرّف”.
17- وكذلك “ملك الفراولة” ليس في الخطة
أُرفقت وثيقة الخطة بصورٍ لأشخاص يبتسمون وهم يشربون المياه من صنبور (وهي حالةٌ لم تعرفها غزة منذ زمنٍ بعيد)، أو آخرين يتنزهون في الريف (الذي استولى المستوطنون الإسرائيليون على جزءٍ كبيرٍ منه).
وكانت الصورة الأبرز لمزارع الفراولة أسامة أبو الرب، إذ بدا وكأنه أُعيد استخدام صورته الموجودة في كتيبات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حيث وُصف حينذاك بأنه “ملك الفراولة”. وظهر أسامة، الذي يعيش في بلدة قباطية جنوب جنين، في شريط فيديو للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام ٢٠١٧ بعد تلقيه لمساعدةٍ منها، إلا أنه أعرب خلال هذا الأسبوع عن شعوره بالضيق لظهوره في وثائق “السلام من أجل الازدهار”.
وقال أسامة في حوارٍ أدلى به لموقع “ميدل إيست آي”: “أنا منزعج للغاية لنشر صور عائلتي وتلاعب الولايات المتحدة لاستخدامها في الترويج لصفقة القرن”. وأضاف: “نخجل من هذا المشروع الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، ويستحيل أن نقبل به أو نكون إحدى أدواته”.