وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الدور القطري في قطاع غزة

Palestine- khan Yunis
أطفال فلسطينيون يلعبون كرة القدم في فناء بين الوحدات السكنية القطرية الجديدة في خان يونس في جنوب قطاع غزة في 20 نوفمبر 2018. Photo AFP

على الرغم من أن القضية الفلسطينية تحظى باهتمامٍ عربي كبير وتعتبر القضية المركزية للأمة العربية، الا أنه لم يخرج من هذه الأنظمة إلا شعاراتٍ جوفاء وخطاباتٍ في الهواء، وذلك باستثناء دولة قطر التي لعبت دوراً مهماً وبارزاً في السنوات الأخيرة على الصعيد السياسي والدعم المادي في المناطق الفلسطينية، ولا سيما قطاع غزة. هذا الدور القطري لا يخلو في أهدافه من الجدل بين المثقفين والسياسيين، فالبعض يعتبره دوراً عربياً قومياً يهدف الى مساندة الفلسطينيين وإعادة الاعمار في قطاع غزة، والبعض الآخر يعتبره دوراً مشبوهاً، يخدم السياسة الإسرائيلية في المقام الأول.

من بين الدول العربية، يُعد موقف قطر من القضية الفلسطينية الأكثر ثباتاً وانسجاماً مع الرؤية الوطنية الفلسطينية. تعتبر هذه الدولة الخليجية من الدول التي احتضنت العديد من قيادات حركة التحرير الوطني الفلسطيني (حركة فتح اليوم) في حقبة ستينيات القرن الماضي، وتعتبر من أولى الدول العربية التي تم فيها افتتاح مكتب لمنظمة التحرير، الذي تحول إلى سفارة بعد إعلان قيام دولة فلسطين في مؤتمر الجزائر عام 1988. كما يسجل التاريخ بأن الأمير حمد بن خليفة هو أول قائد عربي يزور فلسطين بعد قيام السلطة الفلسطينية، حيث كانت الزيارة الأولى له عام 1999، عندما التقى في غزة بالرئيس الراحل ياسر عرفات. كما كانت له زيارة ثانية لغزة في أكتوبر عام 2012، في إشارةٍ واضحة لمحاولته كسر الحصار السياسي المفروض على قطاع غزة، كما قدّم لقطاع غزة دعماً مالياً ومعنوياً لا يمكن اغفاله.

وفي المحافل الدولية يعتبر موقف قطر من اقوى المواقف دفاعاً عن القضية الفلسطينية، حيث وجه أمير قطر تميم بن حمد في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر 2014 انتقادات قوية لإسرائيل، متهماً الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأيد المقاومة الفلسطينية، ودعا لإصدار قرار تحت الفصل السابع لإلزام إسرائيل بإنهاء الاحتلال.

الدعم المالي للفلسطينيين

قد يكون الشعب الفلسطيني من أكثر الجهات التي أمدتها دولة قطر بالمساعدات، حيث لم تنقطع الامارة القطرية عن تقديم ملايين الدولارات من خلال مشاريع إعادة الاعمار والتنمية في قطاع غزة. إن كثيراً من هذه الأموال، التي التزمت قطر بمنحها في مؤتمر شرم الشيخ في مارس عام 2009، ذهبت إلى غزة، حيث دمرت ثلاثة حروبٍ إسرائيلية البُنية التحتية والمنازل والمنشآت المدنية والأمنية الحكومية، والمساجد والمدارس والمستشفيات.

بلغ مجمل التبرعات المالية التي تعهدت بها الدول المشاركة في المؤتمر أكثر من أربعة مليارات دولار. ومع ذلك، قليلة هي الدول التي اوفت بالتزاماتها تجاه برامج اعمار غزة، ومنهم دولة قطر التي ضاعفت منحة الاعمار أثناء زيارة أمير قطر لغزة في 23 أكتوبر 2012، لتصل إلى 407 مليون دولار.

من بين المشاريع التي حصلت على التمويل القطري إعادة تأهيل شارع صلاح الدين الممتد من شمال إلى جنوب القطاع، وشارع الرشيد والبحر، وشارع الكرامة، ومدينة الشيخ حمد السكنية، ومستشفى الشيخ حمد بن خليفة للأطراف الصناعية.

لهذه المشاريع تم انشاء لجنة تحت مسمى لجنة إعادة اعمار غزة، وأرسلت دولة قطر سفيرها الخاص، السيد محمد العمادي، للإشراف على تنفيذ المشاريع. بعد ذلك توالت المنح القطرية السنوية الصغيرة مثل منحة دعم كهرباء غزة، ومنحة حرب عام 2014، ومنحة مكافأة موظفي غزة، ومنحة الإغاثة الإنسانية العاجلة.

وكشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بتاريخ 10 فبراير 2019 أنّ قطر حوّلت إلى غزة أكثر من 1,1 مليار دولار بين عامي 2012 و2018، بمصادقة إسرائيل، حيث تم استثمار حوالي 44% منها في البنية التحتيّة، و40% في قطاعي التعليم والصحة، والبقيّة تعتبر رواتب للموظّفين، إضافة إلى جزء لوكالة الأمم المتّحدة الأونروا بحوالي 50 مليون دولار عام 2018.

مما لا شك فيه ان الدعم المالي القطري، اخذ منحنى سياسي، فالبعض يراه إيجابياً وبأنه تأكيدٌ على العمق العربي الداعم والمساند للشعب الفلسطيني، ومنهم من يراه بالشكل السلبي، وبأن الدعم المالي الكبير لقطاع غزة هو تشجيع لفكرة الفصل السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة ويخدم الاجندة الإسرائيلية. فقد ارتفعت حدة الانتقادات من قبل قيادة حركة فتح تجاه دولة قطر، حتى ان الرئيس الفلسطيني تدخل شخصياً لوقف تجاوزات فتح تجاه قطر.

Palestine- Gaza
منظر عام لمشروع قطر تجديد شارع هارون الرشيد الذي يمتد موازيا للشاطئ في مدينة غزة. Photo FP

الدور القطري في التهدئة بين إسرائيل وحماس

خلقت مسيرات العودة الكبرى، التي يجتمع فيها الغزيون على نحوٍ أسبوعي بالقرب من الشريط الحدودي للمطالبة بالسماح لهم بالعودة إلى ديارهم قبل عام 48، حالة أمنية متوترة جداً. فقد سقط أكثر من 300 ضحية فلسطيني وآلاف الإصابات في المظاهرات.

فقد قامت المقاومة الفلسطينية بضرب البلدات الإسرائيلية المجاورة بصواريخ محلية الصنع، مما رفع من وتيرة التصعيد بين الطرفين ودفع مصر إلى التدخل حيث قدمت صيغة تهدئة بين حركة حماس وإسرائيل بداية شهر نوفمبر 2018. من نقاط اتفاقية التهدئة بين الطرفين هو السماح لقطر بإدخال مبلغ 15 مليون دولار لمدة ستة أشهر لدعم الاسر الفقيرة بالإضافة الى الموظفين المدنيين الفلسطينيين، الذين يتقاضون اقل من نصف الراتب شهرياً منذ أكثر من ثلاث سنوات.

فقد سبق وأعلنت قطر في أكتوبر توفير منحة ماليّة لقطاع غزّة بقيمة 150 مليون دولار، حيث تم تخصيص مبلغ 90 مليون دولار لموظفي حماس، و60 مليون دولار لشراء الوقود الإسرائيلي لإعادة تشغيل محطة الكهرباء في غزة. اتفاق المنحة القطرية تم توقيعه بين حماس وقطر ومصر والأمم المتحدة وإسرائيل في نوفمبر 2018. إن موافقة إسرائيل للدعم القطري لقطاع غزة كان يهدف لعدم انفجار الأوضاع.

وبعد أن تم دفع المنحة لمدة شهرين فقط من أصل إتفاقية الـ6 أشهر، بدأت تتعالى أصوات اليمين في إسرائيل وخاصة وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان بتوجيه النقد الحاد للحكومة الإسرائيلية، بأن الأموال القطرية هي مكافأة لإسكات حماس. انتقادٌ آخر جاء من قيادة السلطة الفلسطينية وقيادة حركة فتح التي قالت أن الأموال القطرية تحقق اهداف إسرائيلية وسياسة الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، والعمل على تنفيذ صفقة القرن التي ينادي بها ترمب.

الموقف السياسي لدولة قطر تجاه السلطة الفلسطينية وحركة حماس

بدأت العلاقة بين دولة قطر مع حركة حماس بعد فوز الحركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006. تميز موقف دولة قطر منذ عهد الأمير حمد بن خليفة آل ثاني بدعم الشعب الفلسطيني خاصة إبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008-2009، حيث دعت قطر إلى عقد قمة عربية عاجلة، قاطعتها نصف الأنظمة العربية، وعليه لم يتكون نصاب قانوني لعقد القمة العربية، خاصة بعد مقاطعة السلطة الفلسطينية أيضاً بدعوى عدم التشاور معها. افشال عقد القمة العربية وخاصة من قبل السلطة الفلسطينية أثار حفيظة دولة قطر، التي احتضنت حركة حماس أكثر فأكثر. وقد ازدادت العلاقة القطرية مع الحركة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، عندما قررت حركة حماس الخروج من سوريا ووافقت دولة قطر على استقبال قيادة حماس برئاسة خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وفتح مكتب حركة حماس الرئيسي في الدوحة.

وفي إطار سعي قطر للمصالحة الفلسطينية بين حركة فتح وحماس، استضافت الدوحة عدة جولاتٍ للمصالحة بين الحركتين، حيث تم التوقيع على إعلان الدوحة للمصالحة الفلسطينية في فبراير 2012.

يرجع السبب في رفض السلطة الفلسطينيّة لمساعدات قطر لغزّة كونها لا تمرّ عبر خزينة وزارة المالية في رام الله، كما أن دخول الأموال القطرية إلى غزة يُفشل مخطط السلطة الفلسطينية في ممارسة الضغوطات الاقتصادية والمالية المفروضة على قطاع غزة، من أجل أن تُسّلم حركة حماس جميع المؤسسات الرسمية للحكومة في رام الله وتنزع سلاحها.

فقد أعلن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يوم 17 فبراير 2019، خلال مشاركته بمؤتمر ميونخ للأمن في ألمانيا، أن قطر لا تموّل حماس، بل تحاول وضع حدٍ للأزمة الإنسانية في غزة.

انعكس ذلك بتخصيص قطر في 6 مايو 2019 مبلغ 480 مليون دولار تقدم للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة على شكل منح وقروض للسلطة الفلسطينية، ويخصص منها مبلغ 180 مليون دولار لتقديم الدعم الإغاثي والإنساني العاجل، ودعم خدمات الكهرباء في قطاع غزة. وافقت قطر على مطلب السلطة الفلسطينية بإرسال دعمها المالي عبر رام الله.

جاء الدعم القطري بعد يومٍ واحد من الجهود القطرية لتثبيت التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بعد جولة من التصعيد العسكري، حيث سقط حوالي 30 ضحية فلسطينية وقتل 4 إسرائيليين.

ماذا تهدف قطر من دعم قطاع غزة؟

يتحدث البعض عن دورٍ مريب لقطر في قطاع غزة، وأن قطر تقوم بمشاريع مشبوهة بالمنطقة، وأنها تنفذ سياسة الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تحقيق مشروع الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة وصولًا لإقامة دولة غزة.

سواء كان ذلك صحيحاً أم لا، فمن الواضح أن قطر تسعى إلى تعزيز مكانتها بالمنطقة، خاصة وأنها تعيش حالة خصومة سياسية مع جيرانها، لا سيما السعودية والامارات العربية.

على الرغم من صعوبة فهم التحالفات الإقليمية والدولية، الا أن قطر استطاعت أن تحافظ على مكانةٍ مرموقة، فهي من ناحية تتمتع بعلاقاتٍ قوية مع أمريكا- إذ تستضيف على أرضها قاعدة عسكرية أمريكية، وبها مقر القيادة المركزية للقوات الجوية الامريكية- كما تعدّ قطر الدولة الخليجية الأولى التي تتمتع بعلاقات اقتصادية مع إسرائيل. وفي نفس الوقت تدعم قطر حركة حماس التي تصنفها أمريكا بالإرهابية، هذا بالإضافة لعلاقة قطر بجماعة الاخوان المسلمين، التي تعتبر حماس فرعاً لها.

من الجدير بالذكر أن دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين ليس مدفوعاً بتقاربهما من ناحية الآراء السياسية، بدلاً من ذلك، تقوم العلاقة على مبدأ أن عدو عدوي هو صديقي. فقطر الصغيرة مصممة على الخروج من ظل المملكة العربية السعودية ولعب دور إقليمي طغى في بعض الحالات على بعض جيرانها الخليجيين والعرب. ولتحقيق هذه الغاية، تستخدم قطر القوة الناعمة، وتحديداً شبكة الجزيرة الإعلامية التي تمولها الدولة، فضلاً عن استخدامها للمال الذي تمتلك منه مبالغ كبيرة بفضل احتياطياتها من الغاز والنفط.

العلاقة الجيدة مع الأطراف المتناقضة يجعل من قطر دولة محورية في التدخل الإيجابي، الذي يخدم جميع الأطراف، سواء الطرف الإسرائيلي او حركة حماس في هذا المقام هنا.