بعد أربع سنواتٍ من اندلاع الحرب في اليمن، لا يوجد حتى الآن أي دليلٍ على حلٍ سياسي أو خطواتٍ ملموسة نحو السلام. الأطراف المتحاربة – الحكومة الرسمية التي يرأسها عبدربه منصور هادي، الموجودة في المنفى والمدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية، وحركة التمرد الحوثي، التي تعترف بها إيران وحزب الله فحسب، والمجموعات والميليشيات المتنوعة مثل الحركة الانفصالية الجنوبية لم تتفاوض بعد على وقفٍ دائم لإطلاق النار.
تعقيد الحرب هو العقبة الرئيسية أمام عملية السلام. فقد تحول ما كان من المفترض أنه بدأ كفشلٍ في عملية الإنتقال السياسي لتحقيق الاستقرار في أعقاب انتفاضة الربيع العربي إلى حربٍ أهلية حاول فيها المتمردون الحوثيون والأقلية الشيعية الزيدية وغيرهم من المتمردين بما في ذلك السُنة الاستيلاء على السلطة.
فقد أطلق التحالف بقيادة السعودية، المؤلف من تسع دولٍ أخرى معظمها من العرب السُنة تدعمها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، حملةً جوية تهدف إلى إعادة حكومة هادي، والتي لم تسفر حتى الآن عن أي نجاح. شكل الانفصاليون الذين يسعون للحصول على الاستقلال لجنوب اليمن، الذي كان دولةً منفصلة قبل الوحدة مع الشمال في عام 1990، تحالفاً هشاً مع قواتٍ موالية لهادي في عام 2015 لمنع الحوثيين من الاستيلاء على ميناء عدن. ولكن في يناير 2018، اتهمت الحركة الانفصالية حكومة هادي بالفساد وسوء الإدارة وطالبت بإقالة رئيس الوزراء.
كما ينظر إلى الصراع أيضاً على أنه جزءٌ من الصراع الإقليمي على السلطة بين إيران التي يحكمها الشيعة والسعودية التي يحكمها السُنة، حيث تدعم دول الخليج هادي وتتهم إيران بدعم الحوثيين مالياً وعسكرياً، حيث تنفي ايران هذا الاتهام. تعتبر اليمن أيضاً ذات أهمية استراتيجية لأنها تقع على مضيقٍ يربط البحر الأحمر بخليج عدن، والذي يمر عبره الكثير من شحنات النفط العالمية. النشاط المتزايد للفصائل المتطرفة يجعل الوضع غير مستقرٍ للغاية.
من جهتها، تقول الأمم المتحدة إن ما لا يقل عن 7,025 مدنياً قد لقوا مصرعهم وأصيب 11,140 منذ اندلاع الحرب في مارس 2015، حيث يعزى ما نسبته 65% من القتلى إلى غارات التحالف الجوية. وتعتقد مجموعة دولية تتعقب الحرب أن عدد القتلى أعلى بكثير. ويقدر مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة ومقره الولايات المتحدة أن أكثر من 67,650 من المدنيين والمقاتلين قد قتلوا منذ يناير 2016، بناءً على تقارير إخبارية عن جميع حالات العنف.
وعلاوةً على ذلك، يعاني اليمن من أزمةٍ إنسانية. فقد قال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي في مؤتمر صحفي خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 سبتمبر 2018 “اليمن هو كارثة ولا أرى أي ضوءٍ في نهاية النفق الآن.” وأضاف “إن لم نحظى بإمكانية الوصول عندها لا يمكننا مراقبة [و] استخلاص النتائج الضرورية. علينا أن نفترض الأسوأ.”
كما يعرّض تفشي وباء الكوليرا والنقص المزمن في الغذاء والمعدات الطبية صحة السكان للخطر.
فقد أتاح اتفاق ستوكهولم الصادر في ديسمبر 2018 بصيص أمل، حيث ركزت المحادثات على تدابير بناء الثقة بين الجانبين وحل الوضع الإنساني كشرطٍ مسبق لجولة أخرى من المحادثات التي ستعالج قضايا السياسة والحكم العميقة والفرصة لإنهاء الحرب.
كان أحد العناصر الرئيسية في المحادثات التي سبقت الاتفاق وقف إطلاق نارٍ فوري في مدينة الحديدة الساحلية وما وحولها، والتي يمر عبرها 70% من إمدادات الغذاء في البلاد. تم تنفيذ وقف إطلاق النار هذا رغم أنه يبدو هشاً.
وقالت الدكتورة إليزابيث كيندال، الباحثة البارزة في كلية بيمبروك بجامعة أكسفورد، لفَنَك: “من المؤكد أن وقف إطلاق النار صامدٌ حتى الآن، لكن القتال تصاعد في مناطق أخرى مثل الشمال.” وأضافت، “في الشرق، ترى انتشاراً لقوات المملكة العربية السعودية على الأرض فيما يشبه الاحتلال. وصلت القوات في ديسمبر 2017، وفقاً للمملكة العربية السعودية، للسيطرة على تهريب الأسلحة على طول السواحل. هناك بعض الحقيقة في ذلك، لكنهم لم يوقفوا جميع عمليات التهريب، ويبدو أنهم سيظلون هنا لفترةٍ طويلة. يشكل هذا مصدر قلقٍ للقبائل المحلية، التي لا تدعم بالضرورة النخبة الفاسدة أيضاً. إنها ليست رواية بسيطة، والسكان المحليون واقعون بين الأطراف التي لا تحمل همهم بالضرورة، في حين أن كل ما يريدونه هو استعادة السيطرة على أراضيهم وحدودهم.”
ومن المتطلبات الأخرى لاتفاقية ستوكهولم تبادل أكثر من 15 ألف سجين ومحتجز، وهو ما لم يحدث ولا يبدو أنه أمرٌ ممكن في الوقت الحالي. وبحسب ما قالته الصحفية المستقلة والخبيرة في الشأن اليمني لورا سيلفيا باتاليا لفَنَك “لم يحدث أي تطورٍ سياسي حقيقي منذ الاتفاق، باستثناء الحديدة.” وتابعت القول، “تواصل الأطراف المختلفة المحادثات لفرض هدنة، إلا أن هناك قتالاً متصاعداً في مناطق أخرى. تعد الكوليرا أيضاً مشكلةً كبيرة في [العاصمة] صنعاء، وفي الوقت نفسه لديك زيادة في عدد الحالات الرهيبة من الرجال الذين يتم خطفهم واغتصابهم وقتلهم على أيدي الميليشيات لأنهم شجبوا اغتصاب الأطفال من قبل نفس الميليشيات.”
بل وصل الأمر بإحدى الجماعات المسلحة إلى مهاجمة مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود في عدن في 2 أبريل لخطف وقتل مريضٍ على وشك الخضوع لعملية جراحية. وقالت كارولين سوغان، مديرة برنامج أطباء بلا حدود في اليمن: “في أعقاب هذا الحادث، ليس لدينا خيارٌ سوى تعليق قبول المرضى حتى إشعار آخر.” وتابعت “خلال الأسابيع الأخيرة، كان المستشفى يعمل بكامل طاقته، لا سيما غرفة الطوارىء ووحدة العناية المركزة، في أعقاب تصاعد العنف في المدينة.”
يتمثل أحد الإجراءات الدبلوماسية التي يمكن أن تؤدي إلى عددٍ أقل من الغارات الجوية في الشمال، والتي يقوم بها الحوثيون، في اقتراح الولايات المتحدة بوقف بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية. فقد وافق كل من مجلسي الشيوخ والنواب على الاقتراح، والذي قد يرى انضمام الولايات المتحدة إلى الحركة الأوروبية المتنامية لوقف بيع الأسلحة للمملكة، على الرغم من أنه من المتوقع أن يستخدم ترامب حق النقض (الفيتو).
“لن يؤدي وقف بيع الأسلحة إلى إحلال السلام،” بحسب ما قالته الدكتورة كيندال لنا في فَنَك. وأضافت “لكن لديه القدرة على جعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للسعودية.”
إلا إنها متشائمة بشأن وضع حدٍ للنزاع، إذ قالت، “من الصعب للغاية إيجاد حلٍ لتلك الحرب. إنهم يقتتلون منذ أربع سنوات، لذلك من الصعب تخيل أن هؤلاء الناس يتشاركون في السلطة. إن الحكومة الشرعية المزعومة موجودة في المملكة العربية السعودية وليس لديها الكثير من المعرفة بما يحصل على أرض الواقع لأنهم مدعومون من قوى أجنبية، في حين أن الناس لا يريدون الحوثيين أيضاً، لكن لا يمكن فعل أي شيء دون أن يجعلهم سعداء.”
بالنسبة إلى باتاليا، فإن البلاد وقواعد قوتها “مجزأة للغاية،” وأضافت “ليس من الممكن على الإطلاق مواصلة المحادثات للتوصل إلى هدنة عندما لا يعمل الحلفاء والائتلافات على إقامة تحالفاتٍ على الأرض.” وتابعت القول أيضاً “علاوةً على ذلك، ليس من الواضح من يريد ماذا، يشبه الأمر الحصول على كعكةٍ لم يتم تقسيمها بعد. نتيجةً لذلك، ليس من المؤكد من سيحكم البلاد أو حتى إذا كانت ستبقى قطعةً واحدة.”
في خضم هذا التعقيد السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، لا يزال المدنيون يدفعون الثمن الباهظ لواحدٍ من أكثر الصراعات دمويةً في التاريخ الحديث. وفي هذا السياق، يظل السؤال المطروح حول بأيدي من سينتهي الحكم أمراً ثانوياً.