لم يُثر الإعلان عن النتائج الرسمية للإنتخابات في إقليم كردستان العراق في 20 أكتوبر 2018 اهتمام سكان المنطقة. لم يقتصر ذلك فقط على استغراق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء في البلاد ثلاثة أسابيع بالضبط لإعلان النتائج النهائية؛ بل كان غالبية الناس يتسائلون، ما الفرق الذي ستحدثه الانتخابات حقاً. فالبرلمان في كردستان مُعطلٌ منذ سنوات، كما فشلت الحكومة السابقة في تنفيذ أي سياسات، ومن غير المرجح أيضاً أن يتغير الوضع في القريب العاجل، بغض النظر عن النتائج. ومما زاد الطين بلة، وافقت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء بشق الأنفس على الفرز النهائي للأصوات: فمن أصل تسعة أعضاء، رفض أربعة منهم النتيجة، متهمين الأحزاب الرئيسية بالتزوير.
أجريت الانتخابات في 30 سبتمبر 2018، حيث غطت البوابة الإخبارية، Rudaw، المملوكة لأكبر حزبٍ في إقليم كردستان، الحزب الديمقراطي الكردستاني، مجريات الانتخابات عبر مدوّنة مباشرة طوال اليوم. وفي المساء، أوردت البوابة الإخبارية انخفاض نسبة الإقبال إلى حوالي 60%. فقد توقع الموقع الإلكتروني أن يتم الإعلان عن النتائج النهائية في غضون 72 ساعة. ولم يتضح بعد سبب استغراق الأمر لفترةٍ أطول، ولكن يبدو أن الأمر يتعلق باتهامات التزوير.
بدأت هذه الاتهامات بالتدفق بعد فترةٍ وجيزة من إغلاق مراكز الاقتراع. فقد اتهم أكبر حزبين في المنطقة، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، بعضهما البعض بالتزوير في المناطق الخاضعة لسيطرة كلٍ منهما. وبعد ثلاثة أسابيع، كان ثلاثة أعضاءٍ من الحزب الديمقراطي الكردستاني في المفوضية، بالإضافة إلى عضوين منتسبين لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الوحيدين الذين وافقوا على النتائج الرسمية للانتخابات. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يُسمح لأعضاء للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء الإنتماء لأي حزب. ومع ذلك، لن يكون هناك وجودٌ للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء إذا ما كان الأشخاص غير المنتمين لأي حزبٍ فحسب مؤهلين لعضويتها.
ماذا حصل؟
إن للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني تاريخٌ طويل من التنافس، حيث يتفقان فقط في اللحظات الحاسمة للحفاظ على توازن القوى بينهما. لهذا الأمر علاقةٌ وثيقة بأصولهما: فقد تم تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في عام 1946 وتهيمن عليه عشيرة البرزاني، في حين تُهيمن على الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي تأسس في عام 1975، عشيرة طالباني. دخل الحزبان في حربٍ أهلية بين عامي 1994 و1997، وما زال كل منهما يحتفظ بقوات البيشمركة الخاصة به. تمثلت نتيجة الحرب في أن المناطق الجنوبية حول السليمانية باتت تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، في حين أن المنطقة الشمالية حول أربيل، التي تعتبر عاصمة الإقليم الكردي، باتت تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وعندما تم صوّن الاستقلال الذاتي للمنطقة رسمياً في الدستور العراقي في عام 2005، أضيف عنصرٌ جديد إلى ميزان القوى، حيث تولى الحزب الديمقراطي الكردستاني رئاسة المنطقة الكردية، في حين وفر الاتحاد الوطني الكردستاني المرشح الرئاسي للعراق، وهو منصبٌ محددٌ وفقاً للدستور للأكراد.
اشتعلت التوترات في الأشهر التي أعقبت الانتخابات العامة في العراق في مايو 2018 وما تبعها من تشكيل الحكومة العراقية. اعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه مؤهلاً لتقديم مرشحٍ للرئاسة العراقية لأن المنطقة الكردية كانت بلا رئيس منذ انتهاء ولاية الرئيس مسعود بارزاني في نوفمبر 2017. ومع ذلك، لم يكن هناك إجماعٌ من قِبل الأحزاب على مرشحٍ واحد، إذ اقترح الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح، العضو السابق في الاتحاد الوطني الكردستاني الذي انضم إلى الحزب من جديد لخوض الانتخابات، حيث تغلب على مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني بفارقٍ كبير.
تم انتخاب صالح، وهو مهندسٌ درس في بريطانيا ويبلغ من العمر 58 عاماً، في 2 أكتوبر 2018، بعد يومين من إجراء الانتخابات في كردستان العراق. آنذاك، كان من الواضح أن الحزب الديمقراطي الكردستاني قد حقق نصراً مريحاً في البرلمان: فقد زاد الحزب من مقاعده في المجلس المؤلف من 111 عضواً من 38 في الانتخابات السابقة في عام 2013 إلى 45. وعلى الرغم من أن عدد أعضاء حزب الاتحاد الوطني الكردستاني قد ارتفع أيضاً من 18 إلى 21، إلا أنه أصبح ثاني أكبر حزب مرةً أخرى، مُقصياً ثاني أكبر حزبٍ في السابق، حركة غوران (حركة التغيير) إلى المركز الثالث. وعليه، فقدت حركة غوران، التي حصلت على أصواتها بشكلٍ رئيسي من منطقة السليمانية، نصف مقاعدها ولم يتبق لها سوى 12 مقعداً. وقد حصل حزب الجيل الجديد، الذي تأسس في 2018 لخوض الانتخابات، على ثمانية مقاعد.
المشاركة أم لا؟
منذ إعلان النتائج، لم يُصرح سوى حزب الجيل الجديد، بكل صراحة، أنه لن ينضم إلى حكومة موسعة. في حين أرسلت أحزابٌ أخرى، مثل حركة غوران، إشاراتٍ متضاربة، حيث رفضت بدايةً النتائج وزعمت حدوث تزوير، ثم رفضت الانضمام إلى الحكومة، لتقرر فيما بعد الانضمام في وقتٍ لاحق. بينما لم تقرر بعد أكبر كتلةٍ إسلامية، الجماعة الإسلامية في كردستان، التي ظفرت بسبع مقاعد لتزيد من تمثيلها في البرلمان بفارق مقعدٍ واحد، إذا ما كانت ستنضم للحكومة أم لا.
ويبدو أن قرار الانضمام إلى الحكومة مدفوعٌ بشكلٍ أساسي بالكيفية التي سيفيد بها كل حزبٍ في الانتخابات المستقبلية. فلا أحد يتحدث عن السياسة. ولمَ يفعلون، بما أن البرلمان مُعطل منذ عام 2015؟
فمن ناحية، من الجيد أن أكبر الفصائل في عالم السياسة الكردية قد وضعت خلافاتها جانباً مرةً أخرى. ومع ذلك، لا تزال هناك تحدياتٌ هائلة تنتظرها. فالمنطقة لا تزال تعاني، لا سيما منذ استفتاء العام الماضي على الاستقلال. فقد وصفت بغداد الاستفتاء بأنه غير شرعي واستولت على عدة مناطق كانت تحت سيطرة الأكراد منذ عام 2014، أثناء تقدم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وانسحاب القوات العراقية. ومن بين أبرز هذه المناطق، مدينة كركوك الغنية بالنفط، التي عادت إلى أحضان العراقيين مجدداً منذ عام 2007، إذ تُشكل خسارتها ضربةً أخرى للاقتصاد الكردي، الذي عانى من انخفاض أسعار النفط في السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يقرب من مليوني لاجىء من سوريا بالإضافة إلى النازحين داخلياً من أجزاء أخرى من العراق يُكبدون الميزانية خسائر فادحة، في ظل استمرار الصراع على الميزانية مع بغداد. كما لم تتم تماماً هزيمة داعش، فعلى الرغم من إعلان الحكومة العراقية انتصارها على الجماعة في ديسمبر 2017، تواصل الخلايا النائمة تنفيذ هجماتٍ في المدن العراقية. وعلاوةً على ذلك، فإن التوترات المستمرة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني تزيد الأمور تعقيداً.
من ناحيةٍ أخرى، فإن قادة أقوى العشائر الكردية التي توزع السلطة فيما بينهم، بغض النظر عن إرادة الناخبين، لا علاقة لها بالديمقراطية. في الواقع، إن الأوضاع الراهنة تخدمهم بشكلٍ جيد، وتُشكل عقبةً أمام معالجة مشاكل المنطقة الأكثر تجذراً. وحتى عندما كانت المنطقة مزدهرة نسبياً، في العقد الأول من هذا القرن تقريباً، كانت كلٌ من عشيرة البارزاني والطالباني مترددتين في التعامل مع الفساد الهائل، والانتشار الواسع للمحسوبية، والاعتماد السياسي والاقتصادي على الجيران الذين يعملون لمصالحهم الشخصية (تركيا من جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني، وإيران من جانب الاتحاد الوطني الكردستاني)، الذين، من جهتهم، يقمعون الأكراد داخل حدودهم.
إذا ما أظهرت هذه الإنتخابات شيء، فهو أن تصويت الأكراد غير مهمٍ في نهاية المطاف، طالما أن خيارهم في صناديق الاقتراع ينتج عنه زعماء صوريين وشرعية خاوية.