وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الجيش التركي في قلب سياسة إردوغان الإقليمية

الجيش التركي
صورة تم التقاطها يوم ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٠ لجندي تركي وهو ينظر إلى جنديين روسيين يقفان بالقرب منه أثناء جولة مراقبة عسكرية تركية – روسية مشتركة بالقرب من قرية الدرباسية بمحافظة الحسكة الموجودة في شمال شرق سوريا وعلى طول الحدود مع تركيا. المصدر: Delil SOULEIMAN / AFP.

نشر الصحفي المعروف جيمس دورسي مقالة على مدونته سلط فيها على تزايد اعتماد تركيا على جيشها لتعزيز مكانتها على المستوى الدولي. ويقوم دورسي وهو باحث بارز في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية ومعهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية، بالتعريج في مقالته على الصراع الذي تخوضه تركيا في مواجهة الإمارات لقيادة العالم الإسلامي. كما تتناول هذه المقالة مداخلة الرئيس التركي الأخيرة في زيارة وزير دفاعه إلى باكو عاصمة أذربيجان.

واستهل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان العام الجديد متعهداً باستعمال الجيش لحفظ مكانة تركيا في نظام عالمي جديد ما يزال في طور التشكّل وإعادة التوازن.

وقد أفصح إردوغان عن رؤيته في مداخلة له أثناء خطاب لوزير الدفاع خلوصي أكار في 30 ديسمبر الماضي، وذلك أمام مئات من ضباط الجيش التركي والأذري الذين يرتدون الكمامات في العاصمة الأذربيجانية باكو.

وأمسك أكار بهاتفه أمام الميكروفون ليستمع الحضور إلى مداخلة إردوغان التي ذكر فيها التدخلات العسكرية التركية وما للبلاد من قواعد أجنبية مستقلة أو مشاركة في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أراضي الاتحاد السوفيتي السابق وكوسوفو وسوريا وليبيا والصومال وقطر. وبعد ذلك، قام الرئيس التركي بمقارنة هذه التدخلات بتجربة إنشاء جيش القوقاز الإسلامي خلال الحرب العالمية الأولى على يد وزير الحرب العثماني أنور باشا.

وكان الجيش الإسلامي قد استولى على باكو في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، بيد أنه فشل في ترسيخ قاعدة للدعم العسكري منذ زمن عهد الأيديولوجيات القومية التركية أو الطورانية التي تسعى إلى توحيد الشعوب من الأصل التركي.

وبحسب دورسي، فإن بعض المتابعين للشأن للتركي يرون في الدعم الذي قدمه إردوغان خلال حرب القوقاز في العام الماضي، والتي هزمت فيها أذربيجان أرمينيا، يرون فيه خطوة في هذا الاتجاه.

ويرى صاحب المقالة أن إردوغان قد رسم مكانة تركيا في نظام عالمي جديد باعتبارها قائدةً لعالم إسلامي أوسع حيث تشكل الأعراق التركية جزءاً منه.

وقال إردوغان: “الجيش التركي بماضٍيه المجيد والمشرّف سيواصل أداء مهمته… التي كُلف بها في بلدنا وجميع أنحاء العالم… أتمنى لجنودنا التوفيق… فهؤلاء هم من يقاتلون لحفظ السلام والهدوء والاستقرار في بلاد شتى من سوريا إلى ليبيا، ومن الصومال إلى كوسوفو، ومن أفغانستان إلى قطر”.

وهذه الاهتمامات الواسعة للرئيس التركي لم تمنع وزير دفاعه من تصعيد لقاءاته مع ممثلي الأقليات التركية، حتى أُعلن مؤخراً عن تشكيل وزارة منفصلة لهم.

في الإطار ذاته، قال المحلل العسكري التركي متين غورجان: “برز اهتمام أنقرة بالبعد العرقي في الخارج منذ اندلاع النزاع بين أذربيجان وأرمينيا أواخر سبتمبر الماضي”، ويشير غورجان هنا إلى الجيب الأرمني المتنازع عليه والذي يُعدّ قانوناً جزءاً من أذربيجان.

وتأتي تصريحات إردوغان في باكو على خلفية التوترات المتزايدة مع إيران، والجهود التي يبذلها منتقدو تركيا في المتوسط بدعم من الإمارات من أجل إحباط المحاولات التركية الساعية إلى توسيع منافذها إلى الغاز في الإقليم. كما تتزامن هذه التصريحات مع الانتقادات المحلية التي تعرّض لها الرئيس التركي بسبب الإنفاق الضخم لتعزيز القوة الدينية الناعمة في ظل أزمة اقتصادية.

ويُرجح دورسي أن يؤدي تركيز إردوغان على القوة العسكرية إلى تعقيد مبادراته تجاه إسرائيل خاصةً وأن العلاقات بين البلدين قد شهدت توترات في السنوات الماضية. ويبدو أن إردوغان في حاجة لإنجاز هذه المهمة حتى يأمن جانب الإدارة الأمريكية الجديدة.

وانتقد بايدن سجل تركيا الشنيع في حقوق الإنسان وسيادة القانون. ويستبعد أن يتسامح الرئيس الأمريكي المنتخب مع استحواذ تركيا على صفقة الصواريخ الروسية وهي عضو في الناتو.

أما إسرائيل، فقد أيدت الشهر الماضي انضمام الإمارات مراقباً في منتدى غاز شرق المتوسط ومقره القاهرة والذي يضم في عضويته مصر واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن وفلسطين إلى جانب ما وصفه دورسي بـ “الدولة اليهودية”.

من جانبها، نددت تركيا بالمنتدى ووصفته بأنه محاولة لحرمانها من حقوقها الاقتصادية في شرق المتوسط وبعثت العام الماضي سفينة استكشاف إلى مياه متنازع عليها.

وبرأي الكاتب، فإن التحرك الإماراتي، وهي أحد أكبر خصوم تركيا ومنافسيها على النفوذ السياسي والديني من الساحل الأطلسي لإفريقيا وآسيا الوسطى، يعبّر عن تغير في الاستراتيجية الإماراتية.

ويرى الباحث المختص في شؤون الشرق الأوسط صمويل راماني أن استعمال الإمارات للقوة الخشنة الصارمة سعياً لعرقلة تركيا قد باء بالفشل. ومن هذه الجهود التي بذلتها كان الدعم العسكري لقائد المتمردين الليبيين خليفة حفتر، والتهديد بفرض عقوبات على الجزائر لتعاونها مع تركيا.

وقال راماني: “ذهبت مساعي الإمارات لحشد إجماع عربي ضد طموحات إردوغان هباءً في الأشهر الأخيرة. فرغم إحباطات العراق المتكررة من الضربات التركية ضد حزب العمال الكردستاني داخل الحدود، فإن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يتودّد إلى تركيا واصفاً إياها بالشريك الإقليمي. وتعرّضت سياسات الإمارات ضد تركيا لضربة أكبر ممثلة في خطاب الملك سلمان المهادن تجاه إردوغان بعد حوار جمع بينهما في 20 نوفمبر”.

ويشير راماني في حديثه إلى التوجهات السعودية الأخيرة تجاه تركيا بعد أن كانت العلاقات بين البلدين قد أخذت مساراً تصادمياً منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018، بالإضافة إلى حرب العصابات التي يشنّها حزب العمال الكردي المحظور ضد تركيا طيلة 30 عاماً مستخدماً قواعد في الجبال النائية في شمال العراق الذي يهيمن على غالبه الأكراد.

واختتم راماني تحليله بالإشارة إلى احتمال تحول الإمارات نحو استعمال القوة الناعمة، حيث قال: “قد يعني انهيار قواعد استراتيجية الإمارات المناهضة لتركيا حاجة ظبي إلى إعادة التفكير في نهجها لاحتواء طموحات إردوغان… إذ يمكن للإمارات تخصيص مزيدٍ من الموارد لاحتواء تركيا في شرق المتوسط وإفريقيا جنوب الصحراء”.

وإن انتهجت الإمارات هذه الطريقة، فستشتعل المنافسة مع تركيا وسيتوجب على الإمارات توفير مساعدات تنموية عاجلة لدول العالم الثالث، فضلاً عن احتدام التنافس على القوة الدينية الناعمة في العالم الإسلامي.

وكانت الإمارات قد روجت لنفسها باعتبارها نموذجاً يُحتذى به للإسلام المعتدل والمتسامح والدولتي. في المقابل، تمثل تركيا نسخة أكثر صرامة وميلاً إلى التفسير السياسي للدين ذي النزعة القومية الشديدة.

وما تزال الإمارات في حالة عداء ضد الإسلام السياسي منذ أكثر من عقد. وقد صنّفت جماعة الإخوان المسلمين المدعومة من تركيا جماعةً إرهابية. كما أنها دعمت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار النمساوي سيباستيان كورتس في حملتهما على الجماعات الإسلامية والقومية التركية.

من جانبه، يرفض إردوغان منذ أكثر من عقد مفاهيم الإسلام المعتدل والمتطرف. فبحسب رأيه “لا يمكن تصنيف الإسلام باعتباره معتدلاً أو متطرفاً… إن العداء (تجاه الإسلام) قد عزز للأسف السيناريوهات القائلة بوجود ما يسمى بصراع الحضارات في العالم. إن أولئك الذين يروجون مثل هذه السرديات قد يذهبون إلى أبعد من ذلك لربط الإرهاب بالإسلام وهو المؤسَّس على السلام”.

ويختتم دورسي مقالته بتوقع أن تستمر استراتيجية إردوغان المتأرجحة ما بين القوة الناعمة والخشنة في تشكيل السياسة التركية خلال العام المقبل، لا سيما وأنها تؤتي ثمارها على عكس ما عليه الحال مع الإمارات.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com في 4 يناير 2021.