وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التوترات الإقليمية تتصاعد مع استهداف الجيش الإسرائيلي حلفاء إيران

Hezbollah
رجل يقوم بتعديل علم حزب الله على جدار من الطوب في “حديقة إيران،” التي بنتها الحكومة الإيرانية في قرية مارون الراس اللبنانية على طول الحدود الجنوبية مع إسرائيل، في 1 بستمبر 2019. Photo: Mahmoud ZAYYAT / AFP

[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]

في 25 أغسطس 2019، سقطت طائرتان إسرائيليتان مسيّرتان تحملان متفجراتٍ على مركزٍ إعلامي لحزب الله في جنوب بيروت في لبنان. اصطدمت إحدى الطائرات المسيّرة بسطح المركز وتبعتها أخرى انفجرت في الهواء، مما ألحق أضراراً بالمبنى. كان هذا أول استخدام إسرائيلي لـ”الطائرات المسيرّة الانتحارية” ضد حزب الله.

لم يكن الهجوم على حزب الله، الذي يُعتبر القوة الحليفة الرئيسية لإيران في لبنان، حادثاً منعزلاً. وكما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 22 أغسطس، “إيران ليست محصنة في أي مكانٍ في العالم.” فقد كثف الجيش الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة من استهدافه لحلفاء إيران في سوريا والعراق والآن في لبنان، كما استهدف بشكلٍ فعّال قوات الحشد الشعبي في العراق، وهي منظمة مظلة برعاية الدولة تضم بالغالب ميليشياتٍ شيعية. ومع الأخذ في الاعتبار الهدوء النسبي على الحدود الإسرائيلية اللبنانية في السنوات الأخيرة، فإن استخدام الطائرات المسيّرة الانتحارية ضد حزب الله يمثل مرحلةً جديدة في لعبة القوة بين الاثنين، وعلى نطاقٍ أوسع، بين إسرائيل ومحور المقاومة، وهو تحالفٌ يضم إيران والعراق وسوريا وحزب الله وحماس في فلسطين ويهدف إلى وقف المصالح الغربية والإسرائيلية في المنطقة.

عندما بدأ مد الحرب السورية يتحول لصالح إيران وحلفائها في أواخر عام 2015، بدأ القلق يتسرب إلى أعداء إيران الإقليميين، بما في ذلك إسرائيل. فقد ساهمت مشاركة حزب الله في النزاع السوري في تعزيز قدراته العسكرية وخبراته، وكذلك تشجيع إنشاء العديد من الميليشيات الجديدة المتحالفة مع طهران وتدريبها ودعمها، من بينها قوات الدفاع الوطني السوري، التي يتم دمج شرائح منها في القوات المسلحة السورية. وغنيّ عن القول أن قوات الدفاع الوطني تقوم بأدوارٍ على غرار جماعاتٍ مثل حزب الله وقوات الحشد الشعبي. كما كان للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق نتائج مماثلة، فبعد هزيمة داعش، أصبحت قوات الحشد الشعبي القوة العسكرية الأقوى في البلاد. وبشكلٍ عام، تركت الحروب في سوريا والعراق محور المقاومة أقوى من أي وقتٍ مضى فيما يتعلق بالمؤسسات العسكرية والقدرات والالتزام العقائدي. وعلاوةً على ذلك، تتمتع هذه الميليشيات بدعمٍ إيراني. من جهتها، تُثير هذه الحقائق قلق أعداء إيران الذين يرون في هذه الميليشيات وكلاء إيرانيين.

في حين أن النفوذ الإقليمي لإيران يتزايد نتيجة سوء تقدير خصومها للأوضاع في سوريا والعراق ومؤخراً في اليمن، وقعت طهران خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، والمعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني، مع مجموعة من القوى العالمية. الإتفاق، وفقاً لأعداء إيران الإقليميين، حرر أيدي إيران فعلياً. وعلى الرغم من أن العديد من المحللين الإيرانيين يدحضون ذلك، إذ يرون أن نمو النفوذ الإقليمي الإيراني هو اتجاهٌ نشأ بسبب احتلال إسرائيل للبنان في عام 1982، مما أدى إلى تأسيس حزب الله، والاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، مما دفع بحلفاء إيران إلى السلطة في بغداد، إلا أن إدارة ترمب غيرت هذا المسار بالانسحاب من الإتفاق النووي الإيراني في عام 2018 وحرضت على ممارسة سياسة “أقصى قدر من الضغط،” وذلك بهدف إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات بشروطٍ أمريكية.

من جانبها، تعدّ سياسة إسرائيل تجاه إيران انتهازية في كثيرٍ من النواحي وتركز على نفوذ إيران الإقليمي وموقف ترمب المعادي لإيران. أولاً، تهدف إلى التقليل إلى أدنى حدٍ من رغبة حلفاء إيران في التعاون مع طهران عن طريق إلحاق أكبر قدرٍ ممكن من الألم والدمار بهم. ثانياً، تهدف إلى خلق نوع من التحالف الإقليمي الذي يمكنه تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية من خلال التركيز على تصور التهديد الإيراني على العرب. إن الزيارات التي قام بها المسؤولون الإسرائيليون إلى مختلف دول الخليج والمحادثات المفتوحة غير المسبوقة حول التعاون العربي الإسرائيلي هي مثالٌ على هذه السياسة. ثالثاً، ومن منطلق التركيز أيضاً على تصور التهديد ضد العرب، فإنه يهدف إلى إنشاء جبهة إقليمية ضد نفوذ إيران، وتصوير إيران على أنها تهديدٌ ليس فقط لإسرائيل بل للعرب على نطاق أوسع. وعلى صعيدٍ متصل، ينبغي اعتبار إعلان إسرائيل استعدادها الانضمام إلى تحالفٍ بحري تقوده الولايات المتحدة لتأمين مضيق هرمز الاستراتيجي في الخليج العربي جزءاً من هذا. فقد ألمح الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى ذلك قائلاً إن إسرائيل لا يمكنها الدفاع عن نفسها، ناهيك عن الدفاع عن الآخرين. ورابعاً، والأهم من ذلك في الوقت الحالي، يهدف ذلك إلى إبقاء تركيز الضغط الأمريكي على إيران. وعلى هذا النحو، كلما ظهرت بوادر وساطة بين إيران والولايات المتحدة، تبدأ إسرائيل بشن هجماتها.

بشكلٍ عام، فإن الفرصة التي يراها نتنياهو في الحملة الأمريكية لممارسة أقصى قدر من الضغط والتغيرات الإقليمية الناجمة عن هزيمة أعداء إيران في سوريا والعراق، تحرك هي الأخرى تصعيد إسرائيل. وفي الوقت نفسه، يرى العديد من المحللين أن هجمات نتنياهو العسكرية ما هي إلا محاولةٌ لكسب تأييد الناخبين الإسرائيليين في انتخابات 17 سبتمبر 2019، بعد فشله في تشكيل حكومةٍ ائتلافية بعد الانتخابات في أبريل. إن حقيقة اعتراف نتنياهو بمسؤوليته عن الهجمات وقوله إن إيران لن تكون محصنة في أي مكانٍ في العالم تدعم هذه الفرضية – لم تكن الحكومات الإسرائيلية السابقة تعترف بدورها في الهجمات خارج حدودها.

من وجهة نظر إيران وحلفائها، تعد الهجمات محاولة إسرائيل لإقامة توازنٍ جديد في مسار تصادمي معهم. ومن خلال مهاجمة الحلفاء الإيرانيين في جميع أنحاء المنطقة، يحاول الجيش الإسرائيلي كسر الردع الذي فرضه محور المقاومة على مدار عقدين من الزمن. على هذا النحو، يتجه محور المقاومة نحو استراتيجية العين بالعين. إن انتقام حزب الله لسقوط الطائرات المسيرة في بيروت، والذي جاء بعد أيامٍ من إعلان زعيم حزب الله حسن نصر الله أنه لن يكون هناك خط أحمر تجاه العدوان الإسرائيلي، يشير إلى اعتراف الجماعة اللبنانية بأن إستراتيجية الردع لم تعد تجدي نفعاً. وفي خطابٍ له بعد الحادث، قال نصر الله إن أي طائرة إسرائيلية بدون طيار تدخل المجال الجوي اللبناني سيتم إسقاطها وأن حزب الله يتمتع بالقدرة على القيام بذلك.

جاء تهديده هذا بعد إسقاط إيران لطائرة تجسسٍ أمريكية بدون طيار في الخليج العربي وكذلك احتجازها لناقلة نفط بريطانية رداً على احتجاز بريطانيا ناقلة نفطٍ إيرانية في جبل طارق. كما قال المرشد الأعلى الإيراني، “انتهى عهد الكر والفر.” وبعبارةٍ أخرى، فإن أي هجوم على إيران أو حلفائها سيثير رداً بما يناسبه. ومن الأمثلة الأخرى على الاستراتيجية الجديدة التي يتم تنفيذها، إعلان زعيم الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بأن قوات الحشد الشعبي ستنشىء سلاح الجو الخاص بها، مما سيمنحها القدرة على الدفاع عن نفسها ضد العدوان الإسرائيلي.

بينما تتصاعد الأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله وحلفاء إيرانيين آخرين، تشير ردود الفعل على هذه الأعمال إلى مرحلةٍ جديدة في ألعاب القوى الإقليمية. وبما أن الردع كان جوهر بناء التحالف الإيراني فيما يتعلق بإسرائيل والولايات المتحدة على نطاق أوسع، فإن رد حزب الله وإيران النسبي على الهجمات الإسرائيلية ونشر العتاد العسكري الأمريكي في الخليج العربي يوحي بأن التناسب ينظر إليه على نحو متزايد باعتباره وسيلة للدعم والتأكد من ردعهم. وبالإضافة إلى التوترات المتصاعدة التي ينجم عنها هذا السلوك المتبادل، فإنه يزيد أيضاً من احتمال المواجهة العسكرية المستعرة. وعليه، يبقى أن نرى ما إذا كانت إسرائيل ستتجاهل تهديد حزب الله بعدم وجود خطوط حمر ومواصلة هجماتها أم لا. ومع ذلك، أوضحت إيران وحلفاؤها موقفهم: سيتم التعامل مع أي هجوم بطريقة متناسبة.