شهدت مصر عدداً من قضايا الإلحاد سيئة السمعة على مدى السنوات الماضية بموجب المادة (98) من قانون العقوبات، المعروف باسم قانون ازدراء الأديان.
خشيّ العديد في مصر، في ظل حُكم محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين (2012-2013)، أن تصبح الدولة أكثر إسلامية، بل وربما تتحول إلى جمهوريةٍ إسلامية على غرار إيران.
بدايةً، أزالت الإطاحة بمرسي بقيادة الجنرال الذي أصبح فيما بعد رئيساً للجمهورية، عبد الفتاح السيسي، هذه المخاوف. فقد واصل السيسي تيار القادة العسكريين التقليدي الذي بدأه جمال عبد الناصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث إتبّع أجندةً قومية علمانية، وغالباً ما سحق أي معارضةٍ إسلامية بعنف.
كما إتبّع السيسي أيضاً تقليد عبد الناصر بتضييق الخناق على جماعة الإخوان المسلمين، ووضع معظم قادتها والعديد من أعضاء الجماعة خلف القضبان. فقد انتقل الحزب من كونه الأكبر في برلمان عام 2012 إلى تصنيفه كمنظمةٍ إرهابية مع نهاية عام 2013، ومع ذلك، وفي ظل حكم السيسي، تبدو مصر بعيدة كل البعد عن الدولة العلمانية، بل يبدو أنها باتت اليوم أقل علمانية.
فعلى الرغم من أن دستور عام 2014 أقل تديناً من الدستور السابق الذي أدخله الإخوان المسلمون، إلا أنه يؤكد على أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية ي التوجيهات الرئيسية للتشريع. فالدولة تعترف بالديانات الثلاث- الإسلام والمسيحية واليهودية- والتي تُذكر في الأوراق الثبوتية للمواطنين. أي دينٍ آخر، ناهيك عن الإلحاد، لا يتم الإعتراف به. فلا يمكن لرجلٍ مسيحي الزواج من إمرأةٍ مسلمة، بالرغم من أنّ العكس مسموح.
كما تتبع أيضاً قوانين الزواج والطلاق الشريعة الإسلامية، مما يسمح، على سبيل المثال، بزواج الرجال من أربع زوجات. في حين يخضع المسيحيون للقوانين الدينية الخاصة بهم في قضايا الأحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق. ووفقاً للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، المؤسسة المسيحية السائدة في البلاد، يعتبر الزنا السبب الوحيد المعترف به من قبل الدولة للطلاق، مما يجعل من المستحيل تقريباً الحصول على الطلاق والزواج مرةً أخرى كمسيحي في مصر.
وبصرف النظر عن هذه التشريعات، فقد شهدت مصر عدداً من قضايا الإلحاد سيئة السمعة على مدى السنوات الماضية بموجب المادة (98) من قانون العقوبات، المعروف باسم قانون ازدراء الأديان.
فقد تخلى الصحفي المصري بيشوي أرميا، الذي كان يُعرف فيما قبل بمحمد حجازي، عن الإسلام واعتنق المسيحية في عام 2007. وبعد تغطيته لإحتجاجات الإخوان المسلمين التي جرت في أعقاب الاطاحة بمرسي في عام 2013، حُكم عليه بالسجن لمدة سنة واحدة بتهمة “نشر أنباء كاذبة” و”التحريض على الفتنة الطائفية.” وفي أوائل عام 2015، واجه اتهاماتٍ جديدة تتعلق بطريقة تحوله، التي اعتبرت إلحاداً و”إهانةً للدين.” وبعد عودته إلى الإسلام فحسب، في يوليو 2016، أفرج عنه.
وفي الآونة الأخيرة، في ديسمبر 2016، حصلت الكاتبة المصرية فاطمة ناعوت، على حُكم مخفف بالسجن لستة أشهر بتهمة “إزدراء الإسلام،” بسبب منشورٍ لها على موقع فيسبوك تنتقد فيه الأضاحي في عيد الأضحى.
ومنذ إنتخابه عام 2014، قدّم السيسي حجةً قوية لـ” إصلاح الخطاب الديني،” من أجل مكافحة الأيديولوجيات المتطرفة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” فمصر تعاني من الجماعات المتمردة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في شمال سيناء، كما شهدت العديد من هجمات التنظيم على أراضيها؛ كان أبرزها إسقاط طائرة تُقل سياحاً روس في سيناء في أكتوبر 2015 والهجوم الإنتحاري على الكنيسة القبطية في العاصمة القاهرة في ديسمبر الماضي.
فقد وصلت السياسة المتعلقة بـ”إصلاح الخطاب الديني،” في المقام الأول، إلى السيطرة على الخطب في المساجد، إذ تراقب وزارة الأوقاف خطب الجمعة وتنشر الشيوخ الموالين للحكومة في أرجاء البلاد، حيث تم إيقاف العديد من الشيوخ الذين خالفوا موضوع الخطبة الموحدة.
ولكن، عندما يتعلق الأمر بمكافحة أيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” تُرسل الدولة رسالةً غامضة. فقد اتهم أيضاً العديد من الأشخاص الذين انتقدوا الجماعة المتطرفة علناً، بطريقةً أو بأخرى، بالإلحاد.
ففي وقتٍ سابقٍ هذا العام، تم إيقاف البرنامج الحواري للمذيع إبراهيم عيسي مُشيراً إلى تعرضه لـ”ضغوطات.” وقد اشتهر عيسى بتعليقاته الإنتقادية لقانون الإلحاد والدين بشكلٍ عام. وفي فبراير 2015، قال أنّ “جرائم داعش تقوم على مصادر إسلامية.” وفي الآونة الأخيرة، تعرض لهجومٍ من قِبل أعضاء البرلمان لإنتقاده قانون بناء الكنائس الجديد.
وفي ديسمبر 2015، حصل المذيع التلفزيوني إسلام البحيري على حُكمٍ مخفف بالسجن لمدةٍ عام بتهمة “الإساءة إلى الإسلام،” بعد أن طعن بالتعاليم الدينية للعالم السُنيّ من القرن التاسع، صحيح البخاري، في برنامجه. كما يواجه حالياً دعوى قضائية جديدة، أقامتها ضده مشيخة الأزهر، أهم مدرسة للتعاليم السُنية في البلاد، لإيقاف برنامجه بتهمة “تشكيك الناس متعمداً فيما هو معلوم من الدين بالضرورة.”
كما أن تعاليم البخاري قد أثارت المزيد من الجدل في البلاد. فقد حُكم على المواطن المصري، السيد النجار، بالسجن لمدة عام بتهمة “إزدراء الدين” في مايو 2016، إذ قام بإحراق كتاب البخاري أمام مشيخة الأزهر في القاهرة ودعا لـ”ثورةٍ إسلامية،” على موقع فيسبوك، بحجة أن تعاليم العلاّمة الإسلامي تروّج للتطرف وتدعم أفكار داعش.
وفي أبريل 2015، ألقي القبض على أربعة طلاب من المسيحيين الأقباط ومعلمهم بسبب شريط فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي يسخر من داعش. أثار الفيديو توتراتٍ طائفية في قرية في صعيد مصر، حيث أعتبر السكان المحليون ذلك إهانةً للإسلام. وفي فبراير 2016، حُكم على الطلاب بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة “السخرية من طقوس الصلاة الإسلامية.” وبعد إطلاق سراحهم بكفالة، غادروا مصر وطلبوا اللجوء في سويسرا.
وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (المبادرة المصرية) في رد فعلها على الحكم، أنه في الفترة ما بين يناير 2015 إلى فبراير 2016، أدين 12 شخصاً على الاقل بتهم الإلحاد.
كما لم يسلم المسؤولون بأعلى الرتب من مثل هذه التهم، فقد تعرّض وزير العدل السابق، أحمد الزند، لهجومٍ عنيف بعد تعليقِ صدر عنه على التلفزيون في مارس 2016 قال فيه أنه سيسجن أي صحفي “حتى وإن كان النبي، عليه الصلاة والسلام.”
فُسر تعليقه على نطاقٍ واسع باعتباره إهانةً للنبي محمد. وعلى الرغم من أنّ الزند قال فيما بعد أنها مجرد “زلة لسان،” وطلب المغفرة، إلا أنه تمت إقالته من منصبه بعد بضعة أيام. كما أصدر الأزهر الشريف بياناً في اليوم نفسه محذراً من التصريحات التي تُسيء للنبي، حتى وإن كانت دون قصد.
فالطابع الإسلامي للدولة والمجتمع المصري يُصبح جلياً على وجه الخصوص خلال شهر رمضان المبارك. فالأكل أو الشرب في الأماكن العامة خلال ساعات الصيام أمرٌ غير مقبول بشكلٍ عام. ففي عام 2016، إقترح المفتي العام لدار الإفتاء السُنيّة بأنّ الإفطار علناً في شهر رمضان لا علاقة له بحرية الإختيار، بل يعتبر “هجوماً على قُدسية الإسلام.”
وعلاوة على ذلك، تُغلق العديد من الأماكن التي تُقدم الكحول أبوابها في شهر رمضان، وتُمنع الأماكن التي يُسمح لها باستقبال الزبائن من تقديم المشروبات للمصريين حتى بعد إنتهاء ساعات الصيام. وخلال رمضان الماضي، بدا أن تنفيذ الشرطة لهذا الحظر أكثر صرامةً من الأعوام السابقة. فقد تمت مداهمة العديد من المقاهي المحلية التي فتحت أبوابها خلال ساعات الصيام، وتم التحقق من هويات الزبائن وطرد المسلمين منهم.
كان فريق Fanack حاضراً أثناء إحدى هذه المداهمات، وسمعنا الزبائن يشكون من أنّ الأوضاع باتت أسوء مما كانت عليه في ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين.
كما انتقدت جماعات حقوق الإنسان قوانين الإلحاد. ودعت هيومن رايتس ووتش السلطات المصرية إلى إلغاء الأحكام بالإلحاد التي اتهم بها الطلبة المسيحيون ومعلمهم وإلغاء المادة (98).
كما ذكرت المبادرة المصرية في تقريرٍ صادرٍ عنها في يونيو 2016 حول التنوع الديني أنّ “السياسات الدينية الحالية تمنح في الواقع الدولة احتكاراً حصرياً لممارسة الإسلام،” وأن المادة (98) تستخدم لـ”محاكمة الشيعة وغيرهم من أصحاب التعبير الديني المختلف.” كما حثت المبادرة المصرية على “إجراء الإصلاح الجذري المطلوب من أجل تأسيس حقيقي لحرية الدين والمعتقد.”
وبالنظر إلى آخر القضايا المتعلقة بالإلحاد وأولئك الذين ينتظرون المحاكمات، يبدو أن مثل هذه الدعوات لا جدوى لها، فالدولة مستمرة في تعنتها تجاه ممارسة الشعائر الدينية.