Chronicle of the Middle East and North Africa

تونس في حالة توقف بعد حجب البرلمان الثقة عن رئيس الوزراء

تونس الحبيب الصيد تصويت البرلمان
رئيس الوزراء الحبيب الصيد يُلقي خطاباً خلال جلسة البرلمان قبل التصويت على الثقة في العاصمة تونس، تونس، 30 يوليو 2016. Photo Yassine Gaidi / Anadolu Agency

صوّت أعضاء البرلمان التونسي بحجب الثقة عن رئيس الوزراء حبيب الصيد، وتجريد حكومتة الائتلافية على نحوٍ فعّال. فقد حظي اقتراح حجب الثقة بأغلبية 118 صوتاً، أي أعلى بكثير من عتبة الـ109 صوتاً المطلوبة لإجراء التصويت في البلاد.

ففي 30 يوليو، كانت القاعة النصف دائرية في قصر باردو في العاصمة تونس مكتظة، إذ غالباً ما يكون الحضور البرلماني منخفضاً حتى في الجلسات المهمة. وعلاوة على ذلك، في هذا الوقت من السنة عندما يقترن الطقس الحار مع العطل المدرسية، يُفضل العديد من النواب البقاء في المنزل أو أخذ إجازة سنوية.

كانت جلسة السبت جديرةً بالذكر لعدة أسباب: فقد دعا الصيد بنفسه لجلسة التصويت، والتي تعدّ سابقة من نوعها في التاريخ الديمقراطي التونسي، على الرغم من معرفته المسبقة بتعرضه للخسارة.

ويبقى من غير الواضح بالضبط لمَ اختار القيام بهذه الخطوة الجريئة، على الرغم من أنه قد يتعرض لضغوطٍ لتقديم استقالته بعد أن دعا الرئيس الباجي قائد السبسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة في شهر يونيو، وسط اضطرباتٍ اقتصادية ومخاوف أمنية مستمرة.

فمع مرور الأيام، لم تظهر أي مؤشراتٍ على تنحي الصيد، وبدأت ترّوج شائعاتٌ حول تدهور العلاقة بين الرجلين. كما شرع أشخاصٌ مقربون من رئيس الوزراء، بما في ذلك المتحدث باسم الحكومة التونسية، خالد شوكت، بانتقاد السبسي علناً.

فقد قضى السبسي عدة أسابيع في محادثاتٍ مع مختلف الأحزاب والشخصيات السياسية حول الشكل الذي ينبغي للحكومة الجديدة أن تتخذه. تحققت جهوده في “اتفاق قرطاج،” الذي وقعته الأحزاب السياسية الرئيسية في تونس ومنظمات المجتمع المدني في 13 يوليو.

ولكن لسان حال الجميع كان: لمَ هذه المبادرة، ولمَ الآن؟

رُشح الصيد لمنصب رئيس الوزراء من قِبل حزب نداء تونس العلماني الذي يقوده السبسي في 5 يناير 2015 وطُلب منه تشكيل حكومة جديدة. وفي 2 فبراير 2015، أعلن الصيد عن ائتلافٍ يضم ممثلين عن نداء تونس، وحزب النهضة الإسلامي، والإتحاد الوطني الحر الليبرالي، وحزب آفاق تونس. وافق البرلمان على هذا التشكيل في 5 فبراير 2015 وأدى أعضاء المجلس الوزراي اليمين الدستورية في اليوم التالي.

يُعرف عن الصيد صدقه وصراحته، فقد أمضى معظم حياته المهنية في القطاع العام، ويُعتبر خبيراً في شؤونه الداخلية. شغل منصب رئيس ديوان وزير الداخلية في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وعيّن مرتين كاتب دولة (للصيد البحري والبيئة)، وذلك أيضاً في ظل حكم بن علي، وفي أعقاب الثورة التونسية عام 2011، تولى حقيبة وزارة الداخلية في حكومة رئيس الوزراء آنذاك السبسي. وبالتالي، كان الصيد معروفاً في الأوساط السياسية، ولكن ليس للعامة، إذ جاء تعيينه في عام 2015 بمثابة مفاجأة للكثيرين.

يُعتقد على نطاقٍ واسع، أنّ ترشيح الصيد جاء بسبب ولائه للسبسي وطبيعته المنصاعه. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء يتمتع بسُلطة أكبر من الرئيس في الدستور التونسي، إلا أنّ الأخير أراد الاستحواذ على السيادة واحتاج إلى مسؤولٍ تنفيذي هادىء وليس لمنافس. قُبل الصيد من قِبل جميع الأطراف السياسية، واحترمه الكثير من أفراد المعارضة.

وعلى الرغم من موافقة البرلمان التونسي على حكومته بعدد أصواتٍ مريح، 166 إلى 30 صوتاً، إلا أن حكومة الصيد ورثت سلسلةً من المشاكل: اقتصادٌ راكد، وإنفاقٌ عامٌ مرتفع، واضطرباتٌ اجتماعية مستمرة، وفسادٌ متفشٍ، وهجماتٌ إرهابية متكررة، وبيئة إقليمية معادية، وذلك على سبيل العد لا الحصر.

وبعد عامٍ ونصف، باءت محاولات الحكومة لمعالجة هذه المشاكل بالفشل الذريع. وعلى الرغم من إحراز تقدمٍ بسيط لتحسين الوضع الأمني، إلا أن البلاد تعرضت لأسوء هجماتٍ إرهابية في تاريخها. وبالتالي، لم تتحقق الإصلاحات الاقتصادية والمالية الكبرى التي كانت متوقعةً من الصيد، إذ يجادل أنصاره بعدم منحه الوقت الكافي لذلك.

وعلاوةً على ذلك، يعاني الصيد من مشاكل صحية، فقد تم نقله إلى المستشفى ثلاث مرات، لأسبابٍ لم يُفصح عنها، كما أدخل في إحدى المرات إلى المستشفى لمدة تقارب الأسبوع.
ومن ناحيةٍ آخرى، كان الائتلاف متداعياً. فبحلول نهاية عام 2015، تسببت الخلافات الداخلية في حزب نداء تونس إلى انقسامه إلى حزبين. كم أن الاتحاد الوطني الحر كان يترنح في ظل سلسلةٍ من الاستقالات. هذه الصعوبات قوّضت بشكل مطرد سُلطة الصيد ووجد نفسه في عزلة متزايدة.

ويبقى سبب عدم تقديم استقالته لغزاً. ففي غضون الأسابيع القليلة الماضية، ظهر رئيس الوزراء، المُقل عادةً في ظهوره الإعلامي، في ثلاث لقاءات تلفزيونية حيث انتقد بصراحة مبادرة حكومة الوحدة التي أطلقها الرئيس. هل كان هذا تحدياً للسبسي؟ أم أنه في حقيقة الأمر اتفاقٌ بين الرجلين سيشهد تولي السبسي لمنصب رئيس الوزراء؟ وهل حصل على دعمٍ مسبق من النهضة قبل أن يتخلوا عنه؟

فقد طالب عشرات النواب في البرلمان بالتحدث خلال جلسة التصويت على الثقة، حيث أشاد غالبيتهم بشخصية الصيد وعمل حكومته. وبعد أن استجاب، حظيّ بتصفيقٍ حار وقوفاً مرتين. ولكن عندما حان وقت التصويت، لم يصوّت له سوى ثلاثة نواب فقط. الصيد؛ رئيس الوزراء الصادق والصريح، أطيح به من قِبل طبقةٍ سياسية غير صادقة.

كلّف الرئيس التونسي، السبسي، في 3 أغسطس 2016، يوسف الشاهد، الذي يشغل منصب وزير الشؤون المحلية منذ يناير 2016 وأحد أعضاء حزب نداء تونس، برئاسة الحكومة الجديدة. والآن، يُمنح البرلمان شهراً للموافقة على هذا الترشيح؛ وبمجرد الموافقة عليه، يحظى رئيس الوزراء بدوره بمهلة شهر لتعيين مجلس الوزراء الذي سيُعرض على البرلمان. عادت تونس مرةً أخرى إلى براثن أزمةٍ سياسية، والتي لن تؤدي سوى لتعميق المصائب الاقتصادية وتشجيع تصرف أولئك الذين يهدفون إلى إلحاق الأذى بأمنها.