أصبح مفهوم حقوق الإنسان معروفاً ومصطلحاً مقبولاً يتم تداوله على نطاقٍ واسع. التفسيرات المتباينة ممكنة، مع وجود اختلافاتٍ عادةً وفقاً للخلفية الثقافية. ومع ذلك، فإنّ معظم هذه التفاهمات تشتمل، شعورياً أو لا شعورياً، على الحقوق الأساسية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر 1948. وقد كُتب في أعقاب الحرب العالمية الثانية “… على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم…” وبالتالي، كان مُراداً له أن يكون عالمياً حقاً، لحماية المواطنين من أي نوعٍ من أنواع الانتهاكات التي شهدها العالم مؤخراً، على النحو المُبين في الديباجة والمواد الثلاثين الواردة في هذا الإعلان.
وعلى هذا النحو، تتضمن الإعلان مواداً حول الحق في الحياة بكرامة؛ والحرية والأمن؛ وحرية التنقل؛ والحق في الجنسية والتعليم؛ والمعاملة العادلة بين البشر والاحترام؛ فضلاً عن حرية التعبير والرأي، والحماية من التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
القانون الدولي لحقوق الإنسان
الإعلان ليس مُلزماً من الناحية القانونية، إلا أنه أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان. تم تشكيل عهدين ملزمين تابعين للأمم المتحدة كنتيجةٍ للإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. غالباً ما يُشار إلى هذه الوثائق الثلاث معاً بـ”الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.”
وعلى مدى سنوات طويلة، تمت كتابة مواثيق أخرى للإضافة إلى والإسهاب في هذه القاعدة، مع التركيز على مواضيع مختلفة مثل اللاجئين (1951 و1967)، والتمييز ضد المرأة (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)- 1979)، والأشخاص ذوي الإعاقة (2008)، ومناهضة التعذيب (1987)، وحماية العمّال المهاجرين (1990)، ومناهضة التمييز العنصري (1969)، على سبيل المثال لا للحصر.
بالإضافة إلى ذلك، قامت منظمة العمل الدولية بتجميع عدد كبير من الاتفاقيات، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بمعايير العمل والقوى العاملة، والتي تعتبر 8 منها من “الاتفاقيات الأساسية،” ألا وهي حرية تكوين الجمعيات (1948، الاتفاقية رقم 87)، وحق المفاوضة الجماعية (1949، الاتفاقية رقم 98)، وتحريم السُخرة (1930، الاتفاقية رقم 29، و1957 الاتفاقية رقم 105)، والحد الأدنى للسن (1973، الاتفاقية رقم 138)، وعمالة الأطفال (1999، الاتفاقية رقم 182)، والمساواة في الأجر (1951، الاتفاقية رقم 100)، وتكافؤ الفرص والمعاملة (الاتفاقية رقم 111).
اتفاقيات جنيف
اتفاقيات جنيف هي تنقيح للاتفاقيات التي تمت صياغتها سابقاً، والتي تم تعديلها بعد الحرب العالمية الثانية، وتركز بشكلٍ خاص على معاملة الأشخاص في زمن الحرب. تتألف من أربع اتفاقيات، وثلاثة برتوكولات إضافية. وتوضح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنّ هذه الاتفاقيات “تهدف إلى ضمان احترام كرامة الإنسان، المعترف بها دولياً من حيث المبدأ، حتى في خضم الأعمال العدائية.”
وخلال سلسلة من اجتماعات الخبراء، وتجمعات وكالات الصليب الأحمر، والتقاء ممثلي الحكومات مراراً، تم تنقيح المواد إلى أنّ تم تقديم مشروع قانون في المؤتمر الدبلوماسي لوضع اتفاقيات دولية لحماية ضحايا الحروب عام 1949. تم التوقيع على الاتفاقية الختامية من قِبل تسعة وخمسين دولة، البعض منها لم تعد موجودة، بالإضافة إلى توقيع المزيد من الدول منذ ذلك الحين.
تم تجميع إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام من قِبل منظمة التعاون الإسلامي في عام 1990، خلال مؤتمر العالم الإسلامي التاسع عشر لوزراء الخارجية في القاهرة، وتم التوقيع عليه من قِبل 57 دولة. يحمل هذا الإعلان مبادىء مماثلة، إن لم تكن متطابقة، للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكن تتضمن أيضاً، بصورة ملحوظة، على مواد تتعلق بـ”القانون في الحرب” – حدود السلوك المقبول زمن الحرب، بشكلٍ مماثل لاتفاقيات جنيف. كما يتناول إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام المساواة بين الرجل والمرأة، وحقوق الطفل، والحرية، والحق في الرعاية الطبية، والحق في تقرير المصير، وغيرها. أبرزها المادة (25) من هذه الوثيقة التي تدرج الشريعة الإسلامية باعتبارها المرجع الوحيد بما في ذلك العقاب. تمت المصادقة على إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام من قِبل 45 دولة، مما مجموعه 57 عضواً في منظمة التعاون الإسلامي.
اتفاقيات وقعتها تونس
وقّعت تونس على اتفاقات جنيف في 5 مايو 1957، والبروتوكول الإضافي الأول (المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة)، والبروتوكول الإضافي الثاني (حماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية) في 9 أغسطس 1979. وعلاوة على ذلك، أصبحت تونس من الدول الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل في 30 يناير 1992، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل في 2 يناير 2003.
تونس عضو في منظمة التعاون الإسلامي منذ عام 1969، وصادقت على جميع الاتفاقيات الثمانية الأساسية لمنظمة العمل الدولية.
اللاجئون
تستند الاتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين إلى المادة (14) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتقر حق اللجوء وحماية اللاجئين. تمت الموافقة عليها خلال اجتماع الجمعية العامة في 14 ديسمبر 1950، ودخلت حيز النفاذ في 22 أبريل 1954. ومع ذلك، حددت الاتفاقية الأصلية نطاقها باللاجئين الفارين قبل الأول من يناير 1951. وعلى هذا النحو، تم إدراج بروتوكول إضافي عام 1967، وإزالة هذه القيود.
وفي 24 أكتوبر 1957، أصبحت تونس “خليفة” للاتفاقية والبروتوكول. تعني الخلافة، فيما يتعلق بالمعاهدات متعددة الأطراف، أن تعرب الدولة عن موافقتها على اعتبارها ملزمة بذلك.
المرأة
تمت الموافقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي تُسمى أيضاً سيداو، خلال دورة الجمعية العامة في 18 ديسمبر 1979، ودخلت حيز النفاذ في 3 ديسمبر 1981. وقعت تونس على الاتفاقية في 24 يوليو 1980، وصادقت عليها في 20 سبتمبر 1985. الدول التي صادقت أو انضمت لاتفاقية سيداو مُلزمة قانوناً بتطبيق أحكامها، والموافقة بموجب ذلك على تقديم تقارير وطنية عن التدابير المتخذة للامتثال بالتزاماتها. يتم جمع هذه التقارير، على الأقل، كل أربع سنوات.
إلى جانب المصادقة على الاتفاقية، أوضحت تونس عدداً من التحفظات؛ في إشارة إلى أنّ أحكام الفصل الأول من الدستور التونس تطغى على الاتفاقية في حال وجود تعارض بينهما. أشير بوجه الخصوص إلى الفقرة (2) من المادة (9)، فيما يتعلق بجنسية الأبناء- عدم الالتزام بها إذا كانت تتعارض مع الفصل السادس من قانون الجنسية.
كما أن تونس لا تعتبر نفسها مُلزمة بالبند (ج) من الفقرة (1) من المادة (16)، التي تنص على منح المرأة نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه؛ والبند (د) من الفقرة (1) من المادة (16) الذي ينص على منح نفس الحقوق والمسؤوليات كوالدة بغض النظر عن حالتها الزوجية؛ والبند (و) من الفقرة (1) من المادة (16)، الذي ينص على حقوق ومسؤوليات متساوية فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية وتبنيهم؛ والبند (ز) من الفقرة (1) من المادة (16)، التي تفرض نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة والوظيفة؛ والبند (ح) الذي ينص على نفس الحقوق لكلا الزوجين فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات- بحيث لا يتعارض مع أحكام قانون الأحوال الشخصية.
بالإضافة إلى ذلك لا تعتبر تونس نفسها ملزمة بالفقرة (1) من المادة (29)، فيما يتعلق بالخلاف بين الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية. ومن الجدير بالذكر أنّ الفقرة (2) من المادة (29) تسمح على وجه الخصوص بمثل هذا التحفظ.
وعلاوة على ذلك، صرحت تونس بتحفظاتٍ فيما يتعلق بالفقرة (4) من المادة (15)- التي تنص على المساواة في حرية الحركة وحرية اختيار محل سكناهم- على ألا يتم تفسيرها بما يناقض الفصول (23) و(61) من قانون الأحوال الشخصية.
الأشخاص ذوي الإعاقة
تمت الموافقة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة خلال دورة الجمعية العامة في 13 ديسمبر 2006 ودخلت حيز النفاذ في 3 مايو 2008. وفي الوقت نفسه، تمت الموافقة على البروتوكول الاختياري، وإعطاء لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أهلية فحص الشكاوى الفردية فيما يتعلق بالانتهاكات المزعومة من جانب الدول الأطراف في البروتوكول. لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هي هيئة مكونة من خبراء مستقلين تقوم بمتابعة تطبيق الاتفاقية.
وقعت تونس على الاتفاقية والبروتوكول الاختياري في 30 مارس 2007، وصادقت عليهما في 2 أبريل 2008. لم تُبدي أي تحفظات.
التعذيب
تم اعتماد اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية، والتي يُشار إليها أيضاً باتفاقية مناهضة التعذيب فحسب، خلال دورة الجمعية العامة في 10 ديسمبر 1984. وفي 26 يونيو 1987 تم تسجيلها وبالتالي دخولها حيز النفاذ. تتم مراقبة تطبيقها من قِبل لجنة مناهضة التعذيب، وهي هيئة تتألف من 10 خبراء من جنسياتٍ مختلفة. جميع الدول الموقعة ملزمة بإرسال تقارير منتظمة إلى لجنة مناهضة التعذيب، والتي على أساسها يتم وضع التوصيات. وقعت تونس على الاتفاقية في 26 أغسطس 1987، وصادقت عليها في 23 سبتمبر 1988. عند المصادقة، سحبت تونس جميع التحفظات التي أعربت عنها عند التوقيع والتي كانت تتعلق بالمادتين (21) و(22) التي تنص على اختصاص اللجنة.
العمال المهاجرين
تمت الموافقة على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم من قبل الجمعية العامة في 18 ديسمبر 1990 ودخلت حيز النفاذ في 1 يوليو 2003. تونس ليست طرفاً في الاتفاقية.
التمييز العنصري
تمت الموافقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري من قبل الجمعية العامة، ووفقاً لذلك استهل التوقيع عليها في 7 مارس 1966. دخلت حيز النفاذ في 4 يناير 1969. وعلى الرغم من الوضوح في عنوان الاتفاقية، إلا أنها تهدف إلى طمس خطاب الكراهية وتعزيز التفاهم. تتم مراقبة تنفيذ المواد من قبل اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري، التي تُقدم لها تقارير نصف سنوية من قبل كل دولة من الدول الموقعة. وهي مسؤولة عن التعامل مع الشكاوى بين الدول والأفراد والتي تتعلق بعدم الامتثال لأحكام الاتفاقية، على النحو المنصوص عليه في المادة (14).
وقعت تونس على الاتفاقية في 12 أبريل 1966، وصادقت عليها في 13 يناير 1967 دون أي تحفظات.
حقوق الإنسان في تونس
منذ الإطاحة بنظام بن علي، حققت تونس تقدماً ملحوظاً على صعيد حقوق الإنسان في مجالات عديدة: تم اعتماد قانون انتخابات تعددي أدى إلى إجراء انتخابات حرة وعادلة نسبياً للمجلس الوطني التأسيسي في تشرين الأول/أكتوبر عام 2011. ويُسمح للأفراد اليوم بتشكيل الأحزاب السياسية والترشح للانتخابات؛ كما يسمح بالمظاهرات السلمية، مع أن الشرطة تعاملت مع البعض منها بطريقة غير مناسبة. بالإضافة إلى ذلك، تم تعزيز حرية الإعلام، وبعد الثورة شهدت البلاد عدة وسائل إعلام جديدة، بما فيها تلك الناطقة باللغة الإنكليزية.
غير أن هذه الحرية واجهت مؤخراً تحديات متزايدة مع تزايد تعرّض الصحفيين للهجوم وفرض القيود على وسائل الإعلام. والتحدي الرئيسي الآخر هو الحاجة المستمرة إلى نظام قضائي مستقل لضمان محاكمات عادلة وتطبيق القانون. كان تحكّم النظام بالسلطة القضائية في السابق السبب الرئيسي لانتهاكات حقوق الإنسان.
خيبة الأمل الكبرى للمدافعين عن حقوق الإنسان هي أن الدستور الجديد لن ينص على مرجع واضح لقوانين ومعاهدات حقوق الإنسان. وبدلاً من ذلك، ينص الدستور على “اثقافات ومبادئ حقوق الإنسان”، وهي عبارة مبهمة تترك المجال لتفسيرات مختلفة. ومع أن الدستور لا ينص على مرجع واضح للشريعة الإسلامية، إلا أنه يشدد على أهمية الإرث الثقافي في تونس والقيم الإسلامية، مما دفع ببعض المراقبين إلى استنتاج أن هذا الحكم قد يؤدي إلى تطبيق فعلي للشريعة الإسلامية. في الواقع، وفي حين لم ينص الدستور على تجريم الكفر، إلا أن محاكمات الإساءة للدين ازدادت مؤخراً، وهو من أهم التهديدات التي تعترض حرية التعبير.
دفع التشديد على القيم الإسلامية في الدستور إلى التساؤل حول مكانة المرأة في المجتمع التونسي. ومن الممكن أن يتم إدارج مادة في الدستور تشير إلى “التكامل” عوضاً عن “المساواة” بين الرجل والمرأة، الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً لحقوق المرأة.