وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

صناعة السينما التونسية

تونسيون يصطفون خارج إحدى قاعات السينما في تونس
تونسيون يصطفون خارج إحدى قاعات السينما في تونس في 8 نوفمبر 2017، خلال الدورة الثامنة والعشرين لمهرجان قرطاج السينمائي. Photo AFP

كان للثورة التونسية في عام 2011 تأثيراً عميقاً على صناعة الأفلام والسينما في البلاد. وبعد تراجعٍ حاد خلال العقد الماضي في عهد الرجل القوي السابق زين العابدين بن علي، الذي تولى قيادة تونس رئيساً حتى عام 2011، سرعان ما برز القطاع كمصدرٍ استراتيجي للتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

انهارت صناعة الأفلام التونسية في أوائل التسعينيات، بعد قرار بن علي نقل ملكية “الشركة التونسية للإنتاج والتنمية السينمائية ” إلى احتكارٍ خاص. وفي ظل قلة العروض وعدم القدرة على المنافسة مع الترفيه المنزلي، تم إغلاق العديد من دور السينما، حيث انخفض عدد دور السينما من 100 دار لثلاثة ملايين نسمة في البلاد بعد استقلال تونس عن فرنسا في عام 1956، إلى 12 دارعرض لـ11 مليون نسمة في عام 2011.

وبعد ثماني سنوات، في عام 2019، يبلغ اليوم عدد دور العرض في البلاد حوالي 18 دار عرض لـ12 مليون نسمة، بما في ذلك مجمّع سينمائي يضم ثمانية قاعات سينما افتتحتها سلسلة دور السينما العالمية غاومن باتي. كما تقام العروض أيضاً في المراكز والجمعيات الثقافية، على سبيل المثال “مدينة الثقافة” المرموقة التي تبلغ مساحتها تسعة هكتارات في مدينة تونس.

تم إنهاء الاحتكار في عام 2011، أثناء الثورة. ومنذ ذلك الحين، نشأت نوادي السينما المحلية وارتفع عدد شركات الإنتاج بشكلٍ سريع، حيث أنشأ البعض منها سينمائيون معروفون. وأيضاً سرعان ما استحوذ صناع الأفلام والأفلام الوثائقية على الفضاء العام الجديد الذي انبثق من حق حرية التعبير الذي تم اكتسابه بشق الأنفس. فقد أصبح من الممكن الآن إنتاج مجموعة متنوعة من الأفلام والأفلام الوثائقية بعد أن بات الناس لا يخشون التحدث علانية.

اكتشف صنّاع الأفلام الوثائقية المشاكل العميقة للمجتمع التونسي، مثل الاضطهاد الاستعماري المبطن والهياكل الاجتماعية المتحجرة التي تحول دون وصول الشباب إلى المجتمع. فعلى سبيل المثال، يتحدث فيلم “آخر واحد فينا” (2016)، الذي يعدّ سمة مميزة للنهج التجريبي الجديد للمخرجين التونسيين من الجيل الصاعد، عن قصة ساحرة حول رحلة مهاجر إلى أوروبا. تم اختيار الفيلم، الذي أخرجه علاء الدين سليم، لتمثيل تونس عن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية في جوائز الأوسكار في نسختها التسعين عام 2018، إلا أنه لم يتم ترشيحه في النهاية.

ومع ذلك، اكتسب عدد مهم من الأفلام الأخرى المزيد من الإشادة الدولية، فقد حصل الفيلم الدرامي “نحبك هادي” الذي أنتج عام 2016، والذي وصفه المخرج محمد بن عطية بأنه “مجازٌ عن تونس ما بعد الثورة،” على جائزتين، جائزة أحسن أول فيلم وجائزة أفضل ممثل في مهرجان برلين السينمائي الدولي في عام 2016. وأيضاً تم عرض فيلم “عالسّكّة،” الذي تم إصداره في عام 2019، وهو فيلم وثائقي عن شركة السكك الحديدية التونسية، في اثنين من المهرجانات الوثائقية الهامة وفاز بجائزتين.

وعلاوةً على ذلك، تم اختيار نسخة تم إعادة إنتاجها من فيلم “الهائمون،” الذي أنتج اصلاً في عام 1984 من قبل المخرج الشهير الناصر خمير، للمشاركة في بينالي فينيسيا في عام 2017، ضمن فئة الأفلام الكلاسيكية. وبعد مرور عام، افتتحت تونس البرنامج السينمائي “تونس فاكتوري،” الذي يعدّ جزءاً من مهرجان كان السينمائي ويهدف إلى تشجيع المخرجين الشباب من جميع أنحاء العالم والترويج للأفلام المحلية. بالإضافة إلى ذلك، ومنذ عام 2018، تستضيف تونس مهرجان “موجودين للافلام الكويرية” السينمائي السنوي، وهو الحدث الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومبادرة لتشجيع حقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية في تونس، حيث لا تزال المثلية الجنسية مثيرةً للجدل ويتم تجريمها.

فقد عبّر صناع الأفلام التونسيين، يدفعهم بلا أدنى شك الإلهام الذي استوحوه من التغييرات الاجتماعية بعد الثورة، عن قلقهم ووجهات نظرهم الشخصية في الأفلام الروائية والأفلام الوثائقية برسالةٍ سياسية. وبين عامي 2011 و2018، تناولت أربعة أفلام روائية على الأقل التطرف ومواضيع أخرى متكررة حول وضع المرأة، ونضال الشباب، وكذلك تغير علاقة الأهل بأبنائهم في المجتمع التونسي. حصلت بعض هذه الأفلام على دعم مالي من مانحين دوليين، إلا أن صانعي الأفلام غالباً ما يفضلون ضمان استقلالهم وبالتالي يتجهون إلى الأفلام منخفضة الميزانية.

ومع ذلك، في عامي 2017 و2018، وبدعوى شعورهم بالملل من القصص الواقعية في أفلامهم والتي غالباً ما تكون مؤلمة، أصبح صناع الأفلام التونسيين والجمهور على حد سواء متعطشين لأنواع سينمائية مختلفة. وعليه، خطى المخرج السينمائي الشهير عبد الحميد بوشناق خطوة هامة في تاريخ السينما التونسية في عام 2018 بإصداره أول فيلم رعب تونسي حمل عنوان “دشره،” الذي حقق نجاحاً منقطع النظير. وفي الوقت نفسه، تمت الإشادة على نطاق واسع بالفيلم “الكوميدي بنمط جديد،” “بورتو فارينا” (غار الملح) الذي أنتج عام 2018، للمؤلف إبراهيم اللطيف، والذي عرض على مدار أشهر في جميع دور السينما في البلاد تقريباً.

تشتهر تونس بتصدير زيت الزيتون وتمور دقلة النور، إلا أنها لربما على وشك إضافة منتجٍ جديد إلى قائمة صادراتها.