دانا حوراني
المقدمة
لطالما كانت حليمة التونسي تتمنى إقامة حفل زفاف تونسيّ تقليدي وفخم.
فهي تصفه بأنّه تجربة فريدة من نوعها ورائعة، “مع ذكريات تدوم مدى الحياة”.
وقالت الخبيرة الاجتماعية، حليمة التونسي، لفَنَك: “من الصعب جدًا أن تصف الكلمات ما تشعر به. عليك أن تكون متواجدًا لتفهم مدى تميّز هذه اللحظة وروعتها”.
وهذه الدولة الوقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في شمال إفريقيا، هي دولة غنيّة بالتنوّع الثقافي والعادات الاستثنائية.
ووفقًا لحليمة، تختلف الزيجات التقليدية مع اختلاف المحافظة والعائلة.
وأوضحت أن “حفلات الزفاف ليست عاديةً على الإطلاق. الأمر متروك تمامًا للزوجَيْن وعائلَتِهِما. ومع ذلك، هناك دائمًا رغبة في إضافةِ لمسةٍ تقليدية.”
وتونس هو بلد غنيّ بالتقاليد المتوارَثَة من جيلٍ إلى جيل، سواء كانت متعلّقة بالطعام أو الملابس أو الموسيقى أو الطقوس أو حتى الإيماءات.
وتختلف مراسم الزفاف في دولةٍ يُمارِس فيها غالبية السكان الدين الإسلامي عن تلك الموجودة في باقي دول الشرق الأوسط ذات الأغلبية المسلمة مثل الخليج والشام.
وبينما لا تزال عادات الزفاف تُمارَس في جميع أنحاء البلاد، يلاحظ المحلّلون الاجتماعيون أن التكاليف الباهظة، لا سيما في ظلّ ارتفاع معدّلات التضخّم، تُشير إلى بداية احتفالاتٍ أكثرَ تواضعًا وأقل تبذيرًا.
لمحةٌ تاريخيةٌ
لعبت تونس، الواقعة بين الجزائر وليبيا، دورًا مركزيًا في العصور القديمة.
ففي عام 1814 قبل الميلاد، اختار الفينيقيون، كبار التجّار والمفاوضين، قرطاج لبناءِ مدينةٍ كبيرةٍ بهدف السيطرة على التجارة وتوسيع سلطتهم السياسية.
وفي عام 264 – 146 قبل الميلاد، انتصر الرومان في الحروب البونيقية ضد القرطاجيين واستقرّوا في تونس لمدّة ستة قرون حيث طوّروا اقتصاد البلاد من خلال تشجيع الإنتاج المحلي والصادرات.
وعندما سقطت الإمبراطورية الرومانية، تعرّضت تونس للغزو من قِبل القبائل الأوروبية، خاصةً قبيلة الوندال، قبل أن تقع تحت حكم الإمبراطورية البيزنطية التي بدورها غزاها العرب عام 647م.
وفي السنوات التي تلت ذلك، ساهمت موجات الهجرة من العالَمَيْن العربي والعثماني في تحويل جميع السكان المنحدرين سابقًا من قبائل أصلية إلى تركيبةٍ ثقافيةٍ واحدة.
وبعد الغزو الفرنسي، أصبحت تونس بشكلٍ رسميٍّ محمية فرنسية عام 1881. وبحلول عام 1884، سيطَرَ الفرنسيون على جميع المكاتب الإدارية وعزّزوا إقامة المستوطنات الفرنسية في جميع أنحاء البلاد، حيث زاد عدد المستعمرين من 34,000 في عام 1906 إلى 144,000 مستعمر بحلول عام 1945. مع احتلال خُمس الأراضي الصالحة للزراعة.
ووفقًا للصحفية التونسية إيمان بليوا، ترك هذا التأثير الفرنسي علامات كبيرة في اللغة والهندسة المعمارية والثقافة، التي كانت أكثر انتشارًا في الشمال منها في الجنوب، حيث لا تزال التقاليد سائدة حتى يومنا هذا.
وقالت بليوا “أنا أصلًا من الجنوب. لكنّني أقيم الآن في الشمال، والفرق واضح للغاية. فبينما يتّبع كل التونسيين التقاليد التونسية نفسها، فإن الشماليين هم أكثر عرضةً لإقامة حفلات الزفاف بالنمط الغربي”.
التخطيط المرحليّ
في تونس، يُعتَبَر الصيف هو موسم الزفاف غير الرسمي. عادةً ما تستغرق مراسم الزفاف ثلاثة أيام، ولكن في مناطق أخرى، يمكن أن تصل الاحتفالات إلى سبعة أيام. وفي بعض الحالات الاستثنائية، قد تستغرق فترة أطول.
وأوضحت بليوا أن “المزيد من الطقوس تستلزم مزيدًا من الإنفاق. لهذا السبب يلتزم معظم الناس بـ 3-4 أيام بدلًا من الأيام الـ 7 المُعتادة”.
ولفترةِ أسابيع إن لم يكن سنوات قبل الزفاف، تبدأ العروس وعائلتها الاستعداد لهذه المرحلة الجديدة من خلال التسوّق وشراء الأثاث والمنسوجات والسجاد ومختلف الأدوات المنزلية مثل أواني الطبخ وغيرها.
وبحسب بليوا، بمجرد اختيار موعد الزفاف، تجتمع عائلة العروس لتقديم الأدوات ضمن جوّ من الألحان والموسيقى التقليدية الجميلة، معلِنةً “بدء” الاحتفالات.
الحناء لجلب الحظ السعيد
يُعَدُّ “الحمام” من أقدم الطقوس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تتّبع مبادئ التطهير القديمة التي يُقال أنّها تنقّي العقل والجسد.
وفي الصباح الباكر، تبدأ الاحتفالات، التي تستمر ثلاثة أيام، عندما يوقّع الزوجان على الوثائق القانونية لإقرار زواجهما في محكمةٍ مدنيةٍ، بحضور الأصدقاء والعائلة.
وأوضحت التونسي أن “العروس ترتدي فستانًا أبيضَ تقليديًا يغطّي شعرها. وعادةً ما يرتدي العريس ثوبًا أبيضَ يكمّل ملابس زوجته المستقبلية”.
وأضافت أن بعض العائلات تفضّل إرسال موظّفي المحكمة إلى المنازل حيث يمكن توقيع العقود بشكل منفصل.
وفي المساء، تُقيم العروس حفلة الحناء – وهي طقوس تعود لقرون سبقت وتتجاوز الثقافات والجغرافيا. كما هو واضح في إفريقيا والهند والشرق الأوسط.
ويُعتَقَد أن الحناء تجلب الحظ السعيد والروح الإيجابية للزوجَيْن. ويمكن للأصدقاء والعائلة من كلا الجانبين، وحتى أفراد المجتمع بشكل عام، حضور الحفل ليتمنّوا للعروس أيامًا مليئةً بالسعادة والازدهار في حياتها الجديدة.
وكثيرًا ما تُستَخدَم الحناء لتزيين اليدين والقدمين باستخدام تصاميم مشغولة بعناية، تُعرف باسم “الحرقوس”.
من ثم يشكّل الضيوف طابورًا لوضع النقود بين أصابع العروس أو حول خط العنق. ووفقًا لحليمة التونسي، يتمّ تقديم الذهب كبادرة دعم في حالات استثنائية.
البذخ في الإنفاق يستجيب للدعم المجتمعي
بينما تختلف أثواب ليلة الحناء اختلافًا كبيرًا، تزعم التونسي أنّها تتمتّع جميعها بدرجة البذخ نفسها.
وقالت “تقليديًا، لا تخُفي العرائس التونسيات ثرواتهنّ. وتفضّل نساء الساحل ارتداء لباسًا ذهبيًا يتكوّن من ثوب وسراويل فضفاضة وسترة”.
ومن ناحيةٍ أخرى، يفضّل الناس في الجزء الجنوبي من البلاد ارتداء العباءات ذات الألوان النابضة بالحياة والمزيّنة بالطراز الأمازيغي، وتكون مفتوحة من الجانبين ومربوطة عند الخصر.
وتحتفظ القبائل الأمازيغية بطقوسٍ خفية نجت من عقودٍ من النزوح والاستعمار. ولهذا السبب، تتمسّك بعض العائلات الأمازيغية بقوّة بالقوانين المحلية التقليدية التي تمنع الفتيات من الزواج من رجلٍ عربي.
ومع ذلك، فإن جميع العرائس التونسيات، وفقًا لبليوا، عادةً ما يتزينَّ بالمجوهرات والأكسسوارات الذهبية الموروثة أو المستأجرة لليلة الحناء.
وبحسب الصحفية، تؤدي العرائس أيضًا رقصةً تقليديةً من منطقتهم الأصلية، بينما يتناول الضيوف الكعك والحلويات التونسية.
الخاتمة الكبرى
في اليوم الثاني، وفقًا لكلام التونسي، يذبح العريس شاة أو بقرة، حسب عدد الزوار، لطهي وجبات الطعام للضيوف والحاضرين.
وفي المساء، يستمتع العريس بليلةِ الحناء الخاصة به. وتُشير بليوا أن تصاميم الحناء الخاصة بالرجال عادةً ما تكون بسيطة، مع زخرفةِ أقسامٍ صغيرةٍ فقط من الأصابع. وتم تخصيص الليلة للضيوف للتبرّع بالمال بهدف المساعدة في نفقات الزفاف.
وفي اليوم الثالث، يبدأ حفل الزفاف الذي طال انتظاره. وبحسب التونسي، فإن بعض العائلات تفضّل المشاركة في المسؤوليات مثل الطهي، والتنظيم، والتنظيف، والاهتمام بالزوار. بينما قد يرغب البعض الآخر في إظهار “هيبةٍ” أكبر من خلال تعيين فريق مخصّص لتولّي مثل هذه الأمور.
وقالت حليمة التونسي “إنه بمثابة مشروع عائلي ضخم عندما تجتمع الأسرة بأكملها في جلسة عائلية مشتركة. ونتشارك جميعًا مواردنا وأموالنا للتأكّد من أن تكون الأمسية ناجحة كما هو مُخطّط”.
وبعدها يدخل العروسَيْن مرتدَيْن البدلة الرسمية والثوب الأبيض، بينما يرقص الضيوف ويغنّون ويتناولون الطعام التونسي التقليدي، خاصةً الكسكس مع لحم الضأن أو المعكرونة على الطريقة المحلية.
مراسم تقليدية بلمسةٍ عصرية
وفقًا لبليوا، شهر العسل هو توجّه شائع ومتزايد بين الأزواج الأصغر سنًا. فبعضهم يفضّلون قضاء إجازة في مكان ما على إقامة الاحتفالات بسبب ارتفاع التكاليف وعمليات التخطيط الطويلة.
وأضافت “هذا الأمر ملحوظ بشكل خاص في الشمال، حيث يبدأ الأفراد في عقد زيجات لليلة واحدة فقط. ومن المثير للاهتمام مشاهدتها لأنّها جديدة وغير مألوفة”.
وعلى الرغم من مواكبة البلاد للحداثة، إلى جانب التفاني الواضح لتقاليد الأجداد، فقد نجت العديد من الأعراف التمييزية ولا تزال تثقل كاهل العرائس التونسيات.
ففي السنوات الأخيرة، اختارت المزيد من النساء التونسيات إجراء عملية غشاء البكارة. وهي إجراء “استعادة العذرية” لترميم غشاء بكارة المرأة ليلة زفافها.
ووفقًا لأحد الأطباء الذين تحدّثوا إلى قناة بي بي سي، فإن 99% من المرضى ينتابهنّ الخوف من جلب العار لعائلاتهنّ، وخوف الرفض من أزواجهنّ في المستقبل.
لذلك فإن النساء، اللائي ينتمين في الغالب إلى الطبقة العاملة، يُنفِقْن ما بين 550 دولارًا إلى 960 دولارًا على العملية التي تستغرق 30 دقيقة لاستعادة ما يُسمّى بالـ “العفّة”.
وقال أحد الأطباء: “في مجتمعنا، تشهد العذرية على صحّة المرأة حيث يكون هدفها جنسيًا وإنجابيًا بشكل أساسي. بينما يتعيّن على الرجال”التمرّن” لينضجوا جنسيًا بحلول الزواج”.
في حين أن هذا الإجراء لا يقتصر على الشابات في تونس فحسب، إلّا أنّه يُشير إلى تقليدٍ موجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومن الواضح أنّه لن يزول في أي وقت قريب.