يوسف شرقاوي
المقدمة
قد تكون قبيلة الهمامة من كبرى القبائل الموجودة في تونس. ومع ذلك، فإن الغموض يحوم حول أصل هذه القبيلة وتاريخ استقرارها.
لا يذكر مؤرخو القرون الوسطى كابن خلدون ولا مؤرخو القرنين السادس عشر والسابع عشر شيئاً عن قبيلة الهمامة. لذا، فقد ظلّ الغموض يلف ملامح التاريخ الحديث لهذه القبيلة المركزية، حسب مصطفى التليلي في تقديمه لكتاب “المحلة والهمامة”.
الأصول
يرجع أصل تسمية قبيلة الهمامة إلى الجد الأول الذي أعطاها اسمه وهو همام. وفي الوقت الذي تجمع في المصادر على أن قبيلة الهمامة تنحدر من أصولٍ عربية، إلا أن الباحثين اختلفوا حول إذا ما كانت القبيلة من بني هلال أو بني سليم. ومن غير المستبعد اختلاط بعض فروع الهمامة مع بعض المجموعات الأمازيغية.
وتؤكد بعض الروايات أنّ الجدّ الأول همام كان له ولدان هما ربيعة وإدريس انحدرت من نسلهما فروع القبيلة. وفي الوقت الذي يعود فيه أولاد رضوان بأصولهم إلى سلالة إدريس، فإن أولاد معمّر وأولاد عزيز ينحدرون من سلالة ربيعة.
ولا يشترط أن يصبّ الانتماء القبلي في تونس إلى منبع واحد أو أصلٍ واحد، كما هو الحال في المشرق العربي. بل يتحكم في الانتماء القبلي الطبيعة وجملة من الظروف المحيطة. وتحتّم الحروب والمجاعات والصراعات القبلية على بعض الفروع من القبائل الخروج عن القبيلة الكبيرة لتشكيل قوى منفردة، فتصير مركز ثقل وجلب.
وبحسب معجم القبائل والأشراف في تونس القديمة والمعاصرة، فإن قبيلة الهمامة تتواجد في قفصة وسيدي بوزيد ونفطة جنوب غرب تونس. كما تتواجد بعض فروع القبيلة في بلدة المكناسي وسط تونس.
روح المغامرة
اعتُبِرت قبيلة الهمامة من القبائل المزعجة لمن جاورها من القبائل الأخرى، خاصّة أبناء هذه القبيلة وأنهم كانوا يحبون الغزو والمغامرة. وترتبط هوية قبيلة الهمامة بمثلٍ عربي قديم وهو “السرج واللجام والحياة على الإسلام”. وجرت العادة على أن تردّد المرأة الهمامية هذا المثل في أذن رضيعها لحظة ولادته.
وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن هوية الهمامي تستند إلى عاملين أساسيين هما الفروسية والتمسك بالإسلام. ويُنقل عن أبناء قبيلة الهمامة تزويد أطفالهم بالأحصنة والأسلحة طلباً للمغامرة. ويتم التعامل مع كلّ طفلٍ يعود من مغامراته بغنيمة مميزة كهمامي أصيل.
وتعتبر الفروسية من أشهر فنون الهمامة. ويعود الفضل في انتشار الفروسية بين صفوف أبناء الهمامة إلى الهوية التاريخية للقبيلة. وكانت القبيلة على مدى قرون من أقوى قبائل تونس، وهو ما دفع بايات تونس للاستعانة بفرسانها في الحروب الداخلية والخارجية.
وعُرفت قبيلة الهمامة بدورها في محاربة الاستعمار الفرنسي بعد معاهدة باردو. وترد في كتاب “عروش تونس” لمحمد علي الحباشي رسالة من قائد أولاد معمّر إلى الوزير الأكبر وفيها التالي:
“نحن الهمامة، خدّام المرحوم سيدي حسين بن علي رحمه الله ويبارك لنا في خلفهم ولا يقطع لنا منهم ذريّة. إننا منسوبون على عرشهم سلفاً على خلف وليس نريد بدلاً بكرسي غيرهم، وسيلحقنا العار بين نواجع البلاد في حال امتناعنا عن جهاد الفرانسيس”.
ويصعب الحديث عن مجتمع الهمامة بالمعنى الحرفي للكلمة اليوم. فمنذ استقلال تونس، فقد شهدت البنى القبلية تآكلاً لصالح الدولة الوطنية. ومع الوقت، ساهم هذا التآكل في تراجع خصوصية واستقلال المجتمعات القبلية المغلقة مقابل توسع النطاق الوطني، كما يقول أمين الحرشاني لفنك، وهو أحد أبناء الهمامة. ويضيف الحرشاني: “من الأصح أن نتحدث اليوم عن فضاء جغرافي قد يتسم ببعض الخصوصيات الثقافية بحكم انحدار أغلب سكانه من أصول قبلية واحدة، كما الهمامة”.
الأولياء الصالحون
ما زالت المناطق التي تنتشر فيها الهمامة محافظة رغم التحديث على بعض عاداتها. ومن أبرز تلك العادات انتشار ظاهرة الاحتفاء بالأولياء الصالحين وبمقاماتهم. وتحمل هذه الاحتفالات التي يجري تنظيمها سنوياً اسم الزردة. وتعتبر الزردة “مهرجاناً شعبياً يُقام حول الأضرحة وزوايا الأولياء الصالحين، وهي ترتبط عادةً بالروحانيات والمعتقدات المتوارثة حول قدرة الأولياء على درء المخاطر وتحقيق الأمنيات والتقرب إلى الله”.
ويرى وزير الثقافة السابق مهدي مبروك أن الزردة جزءٌ من الإسلام والمعتقد الصوفي الشعبي. وكانت هذه الظاهرة قد تراجعت بين القرنين السابع عشر والثامن عشر في عموم المشرق العربي بسبب ظهور بعض الحركات الدينية الإصلاحية ونتيجة لمنع ممارسة هذه الشعائر تحت ضغط الفكر الوهابي. ومع ذلك، فقد ظلّت هذه الظاهرة، بحسب مبروك، قوية وراسخة في دول المغرب العربي.
ويقول الحرشاني: “وجود المقامات أدى إلى تنظيم احتفالاتٍ سنوية للاحتفاء بهؤلاء الأولياء الصالحين. وتشهد هذه الاحتفالات نشاطاتٍ ثقافية متعددة كالفروسية وغناء الأهازيج البدوية وسرد الأذكار الصوفية المحلية”.
الأفراح
تقسم أفراح قبيلة الهمامة بصورة نمطية إلى أقسام متعددة. ويسمّى يوم كتابة الصداق بيوم “الميعاد” بحسب ما يقوله الحرشاني. وبعد ذلك، تأتي أيام الفرح الثلاثة. ويسمّى اليوم الأول بيوم الكسوة، حيث تقدّم عائلة العريس هدايا وجهاز العروسة. ويجري تقديم الهدايا في محفل نسوي يتم في النهار وتصحبه الموسيقى الشعبية. وتأتي بعد ذلك ليلة الحنّة، وهي حفلٌ ليلي يعتبر من أبرز معالم أفراح الهمامة. ويختتم الفرح بليلة الزفاف.
ويقول الحرشاني: “من أهم سمات الأفراح التركيز على الطعام والإكثار منه. ويعود السبب في ذلك إلى الأصول البدوية للهمامة. وجرت العادة على أن يتم تقديم الكسكسي بلحم الضأن كطبقٍ رئيسي يتشاركه الجميع”.
ولا يتسم المطبخ التقليدي للهمامة بتنوع كبير. وبصورة مماثلة لأغلب القبائل البدوية، فإن أكل أبناء الهمامة يقوم على لحم الضأن الذي يتم تقديمه سواء في الأفراح أو الأحزان. ويقول الحرشاني: “يكثر الهمامة من طبخ الخرفان مع الكسكسي بطريقة مميزة يسمونها المسلان، وهي طبخ خروف كامل دون تقطيعه، على سيخ حديدي”.
فنون الهمامة
ينتشر الغناء الصالحي بين أبناء قبيلة الهمامة. ويقوم هذا الغناء ذي الطابع البدوي على تطويل مقاطع الكلمات ودمجها. ويقول الحرشاني إن هذا الغناء لا تصاحبه آلات موسيقية إلا فيما ندر، من قبيل الدف أو الطبل أو القصبة.
ومن الفنون المميزة التي تشتهر بها قبيلة الهمامة رسم الوشوم. ويتم اللجوء إلى رسم الوشوم على النساء كوسيلة لتمييز انتماءهنّ للقبيلة. وفي الوقت الذي يتم فيه وشم رموز معيّنة على وجه وكفي وصدر وساقي المرأة، فإن بعض الرجال ينقشون الوشوم على بعض أجسادهم لكن بدرجةٍ أقل.
المرأة الهمامية
تتميز المرأة الهمامية بحرية أكبر بكثير من المرأة في المجتمعات البدوية. وفي هذا الصدد، يقول الحرشاني: “تحتّم الحياة البدوية على المرأة المشاركة في أغلب شؤون العائلة خارج حدود خيمتها أو منزلها. لذا، اتسمت حياتها بحرية أكبر، تعكسها الملابس. فالهمامية لا ترتدي السفساري أو اللحاف الذي يغطي وجهها، بل تكتفي بما تسمى “العكسة”، التي لا تغطي كل الشعر”.
تتأكد الحرية من خلال عدم وجود فصل صارم بين الجنسين. ويقول الحرشاني إن الأعراس وزيارة الأولياء أمور مشتركة ومختلطة. وكثيراً ما ترقص فيها النسوة أو يغنّين جنباً إلى جنب مع الرجال.
الهمامي
تتحكم العاطفة والخلفية البدوية بالثقافة الهمامية، حيث يتعاون أبناء الهمامة فيما بينهم ويؤازرون بعضهم وقت المصاعب. ولكنهم في الوقت نفسه، يتّسمون بالفوران الأعمى والتحزب للعائلات والفروع الأقرب.
ويعرف الهمامي على امتداد قرون أنه عاطفي للغاية. ويصف الحرشاني الهمامي بالتالي: “سريع الحماس والغضب، سريع التشتت والبرود، محبٌّ للاستقلالية والحرية لدرجة الفوضى، وصاحب أنفة لدرجة الغرور، والأهم أنه وطني لدرجة بذل النفس دون حسبان”.