إن كنت تحكم بلادك بالحديد والنار، كما يفعل بشار الأسد، فعليك بالزواج من سيدة مثقفة وجميلة تحمل ملامح غربية لتسوق لنفسك جيداً. تتفق الروايات والأفلام الوثائقية وكتب السيرة الذاتية لعائلة الأسد الابن بأن الزواج من أسماء الأخرس، ابنة المدارس البريطانية، جاء ليخدم هذه الغاية.
من هي أسماء الأسد؟
هي ابنة فواز الأخرس، جرّاح قلبٍ سُنيّ سوري مقيم في لندن، حيث تنحدر عائلته من مدينة حمص في وسط سوريا. وأمها سحر العطري، دبلوماسية متقاعدة عملت سكرتير أول في السفارة السورية في لندن. ولدت أسماء في 11 أغسطس 1975، ونشأت في لندن حيث كان أصدقاؤها يسمونها “إيما.” حصلت على شهادة البكالوريوس في علوم الكمبيوتر من الكلية الملكية التابعة لجامعة لندن عام 1996. تدربت على العمل المصرفي في نيويورك ثم عملت محللة مالية في بنك ألمانيا “دويتشه بانك” في لندن، قبل أن تنتقل إلى مصرف “جي بي مورغان”، ثم سيدة سوريا الأولى.
تعرفت أسماء على بشار الأسد خلال تواجده في لندن بين أعوام 1992 – 1994، حيث كان يختص بطب العيون في أحد مستشفيات لندن التي كان يعمل فيها والد أسماء الدكتور فواز الأخرس. تزوجت أسماء من بشار بصمتٍ مطبق عقب تسلمه السلطة خلفاً لوالده حافظ الأسد. بدايةً، لم تنل أسماء الكثير من الاهتمام العائلي من قبل آل الأسد ولم تظهر في صور عائلية معهم خلافاً لما بات يظهر على وسائل الإعلام بعد فترة من صور مشتركةٍ لها ولبشار مع ابنهما الأول حافظ، ومن ثم مع باقي أولادهما مع مرور السنوات.
الوجه الأوروبي والإنجليزية ذات اللكنة البريطانية، دفعت أسماء للعب دورها على أكمل وجه كسيدة سوريا الأولى، حيث رافقت زوجها بعد ستة أشهر من رئاسه سوريا بالعلن، ومن ثم في زياراته الرسمية إلى مختلف أنحاء العالم. تخلت أسماء عن حلمها في ارتياد جامعة هارفرد الشهيرة لتكون السيدة الأولى وأحد أفراد عائلة الأسد؛ حيث لقيت قبولاً نسبياً في الداخل السوري كما لقيت ترحيباً كبيراً في المحافل الغربية.
تنقلت أسماء في المدن السورية الفقيرة وأطلقت مشاريع لتشغيل النساء في مناطق نائية من سوريا مثل منطقة جبل الزاوية في إدلب، كما أسست فيما بعد عدداً من المنظمات والجمعيات العاملة في مجال الدفاع عن المرأة ورعاية الطفل كان أشهرها الأمانة السورية للتنمية، التي شكلت مظلة لمجموعة واسعة من المشاريع التنموية في سوريا.
استعانت أسماء بشركات علاقات عامة لتنفيذ ما تريد من أعمال على المستوى السياسي الخارجي، حيث عقدت مؤتمراً لنساء رؤساء المنطقة أسوةً بزوجة بوش الأبن، لورا بوش، وشقت طريقها باتجاه علاقاتٍ دافئة مع الأميرة موزة، زوجة أمير قطر، وأمينة أردوغان- زوجة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. لتتنصل منهن لاحقاً عقب الثورة السورية التي انطلقت في مارس 2011.
وفي عام 2002، أي بعد عامين على زواجها، زارت لندن برفقة زوجها في زيارة رسمية هي الأولى لها إلى بلدها الثاني، بريطانيا، حيث استقبلت كالملكات في مدرستها القديمة في لندن، والتقت مع بشار الأسد بالملكة إليزابيث ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير، وتحدثت هي وزوجها عن أزمة الإرهاب وضرورة محاربته.
نشرت العائلة عبر مكتب أسماء الأسد الإعلامي صورة خاصة للعائلة، هي وبشار وابنهم حافظ. ثم نشرت صورة أخرى للعائلة في عيد ميلاد أحد الصغار. فقد قال مصورهم آنذاك عمار عبد ربه في مقابلته للفيلم الوثائقي “الوجه الجميل للديكتاتورية”، بأن هذه الصور رسالة للعالم بأننا “حضاريون ومتقدمون ومنفتحون على العالم ونحن أسرة أوروبية تحكم سوريا.”
لم تقف هذه الحملة الواسعة لبناء الصورة المشرقة للعائلة الحاكمة في سوريا، وسعت الحملة لرسم ملامح تفيد بأن الأسد الابن رئيس التغير والإصلاح في سوريا وكذلك زوجته التي تنزل برفقته إلى شوارع دمشق القديمة وتلقي التحيات على الناس بشكل عفوي وتتلقى منهم الإبتسامات والسلامات بكل ترحاب ولطف. وبالمثل في عام 2009، رافق كل من بشار الأسد وزجته أسماء فريق تصوير في سيارتهما الخاصة وهما في طريقهما لحضور عرض بدار الأوبرا في دمشق حيث صفق الناس لهما لحظة دخولهما إلى القاعة، وتحدثا عن الأمن والأمان في سوريا وأن سيارة الأسد غير محصنة ضد الرصاص، في استعراض واضح للحكم الحديث في سوريا. ومع ذلك، نسيا أن دار الأوبرا بات اسمها دار الأسد للثقافة والفنون، كما حال كل شيء في سوريا- بدايةً من الشوارع ووصولاً للبلاد برمتها التي صار اسمها “سوريا الأسد.”
الوجه البغيض
عقب تفجيرات مدريد الإرهابية عام 2004 زارت أسماء وزوجها مكان التفجير وأشعل كل منهما شمعة على أرواح الضحايا. في ذلك الوقت، صرحها أنهما ضد الإرهاب بكل أشكاله، بالوقت الذي كانت معسكرات الجهاديين الذاهبين إلى العراق تتمركز على التراب السوري، ويتم تمرير الجهاديين من كل بقاع الأرض إلى العراق عبر الأراضي السورية.
وبعد أشهر قليلة، أي في فبراير 2005، تم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني آنذاك، رفيق الحريري، وتوجهت أصابع الاتهام إلى النظام السوري وبالذات إلى بشار الأسد. وبعدها بشهرين توفي البابا يوحنا بولس الثاني، وبسبب سياسية الفاتيكان بعدم رفض أي من المشاركين في التأبين، ذهبت أسماء برفقة زوجها إلى الفاتيكان وهناك رفض الجميع التواصل مع بشار الأسد، في حين شقت هي الصفوف للحديث مع ملكة إسبانيا وزوجة طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني، ما كسر الجليد المتلبد حول زوجها، الذي تقول عنه بأنه محب للمنزل وهو شخص مرح وبالذات مع صغاره.
أعلن بشار الأسد حرباً على شعبه عقب إنطلاق الثورة السورية في مارس 2011. اختفت أسماء الأسد عن الشاشات بشكل واضح ولم تظهر إلى الإعلام بأي مقابلة، إلا عبر موقع الرئاسة السورية حيث تظهر في استقبال نساء القتلى الذين قضوا في الدفاع عن النظام السوري، أو برفقة الجنود المصابين أو برفقة المتفوقين في المدارس، أو مع الأطفال في المدارس مع بداية العام الدراسي الجديد، برسالة واضحة أن الحياة تسير على ما هي عليه في سوريا رغم كل ما يجري ويحدث خارج جدران قصرها المنيف. إلا أن المراسلات التي سربت عنها وعن زوجها خلال سنوات الثورة، والرسائل الإلكترونية بينهما تدل على مساندتها اللامحدودة له، وعيشها حياة بذخ حيث تشتري ثيابها الخاصة وأحذيتها بألاف الدولارات من أسواق العالم عبر الانترنت.
جاء أول تعليقٍ علني لها حول ما يجري في سوريا جاء في أواخر فبراير 2012، أي بعد حوالي العام، حيث قالت: “الرئيس هو رئيس سوريا بكاملها، وليس رئيس فصيل من السوريين، والسيدة الأولى تدعمه في هذا الدور،” حيث صدر هذا التصريح عبر مكتبها الصحفي الرسمي. وفي ذات العام وضعها الاتحاد الأوروبي من بين الشخصيات السورية المعاقبة نتيجة الرد العنيف للحكومة السورية على الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد.
آخر مقابلاتها المثيرة للجدل بشأن مواقفها من الثورة السورية كان يوم استقبلت ما بات يعرف بـ “مقاتلات الغوطة” التابعات لقوات النظام التي كانت تحاصر الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وهي إحدى المناطق التي تعرضت لعشرات المجازر البشعة على يد قوات النظام والقوات الموالية له، ويومها قالت عنهن أسماء: “ضفّرن شعرهن وأجلن أحلامهن وتركن أهلهن ولبسن البدلة العسكرية بدل فستان العرس، وحملن البارودة بدل دفتر الدراسة”، مهملة ما ارتكبت هذه القوات من مجازر بحق المدنيين هناك.
سبق مقابلة “ضفائر النار،” حديثٌ رسمي هو الوحيد لأسماء الأسد عام 2016 مع التلفزيون الروسي الرسمي حيث أعلنت أنها رفضت في السابق عروضاً للخروج من سوريا. مما سبق يمكن اختصار مواقف أسماء السياسية بأنها نفت فكرة مغادرتها سوريا قائلةً: “كيف يمكنني أن أربي أبنائي على حُبّ سوريا إن لم يحيَوا فيها؟”، وفي حديث ثاني قالت “كيف أعلّم أبنائي حضارة وطنهم وتاريخه إذا لم يحيَوا في بيوتهم ويأكلوا طعام بلادهم؟ هذا غير ممكن. أنا موجودة هنا أمس، اليوم، وغداً،” وتابعت “كسوريين، تمكنا دائماً من الانتصار، وهذه المرحلة من تاريخنا لا تشكل استثناءً. من المعروف، أو كما يقال دائماً، فإن سوريا تعنى “الشمس المشرقة،” وأؤكد أن السوريين سينهضون من جديد.”
سرطان الثدي
أعلنت الرئاسة السورية في أغسطس 2018، إصابة أسماء بسرطان الثدي. خضعت بعدها للعلاج من الورم الخبيث وهو في مرحلة مبكرة بحسب التصريحات الرسمية السورية. استغلت أسماء مرضها لتقوم بمجموعة نشاطات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والظهور مراتٍ مختلفة مرتديةً وشاحاً على رأسها في تأكيد لعلاجها الكيميائي، وشاركت في اليوم العالمي للتوعية من سرطان الثدي بطريقة قيل أنها عفوية حيث شاركت النساء في المستشفى بأحاديث خلال خضوعهن للعلاج.
كما ظهرت برفقة بشار الأسد في أحد المطاعم وسط دمشق القديمة. جميع الرسائل التي بثتها أسماء كانت تحمل طابع أن “سوريا بخير،” وهي رسالة النظام السوري منذ بداية الثورة وحتى تاريخ اليوم.