نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على الوضع المعقد الذي يعيشه اللاجئون السوريون في لبنان على خلفية المحاصصة السياسية الدقيقة القائمة في هذه الدولة. ويحاول درو ميخايل، الزميل الباحث في كلية التاريخ والأنثروبولوجيا والفلسفة والعلوم السياسية بجامعة كوينز بلفاست، في مقالته استعراض الإشكاليات التي تدور حول التواجد السوري في لبنان وتصاعد اللغة الخطابية المستخدمة للضغط على اللاجئين السوريين.
وسبق لقادة العالم الاجتماع بمدينة مراكش المغربية في العاشر من شهر ديسمبر الجاري للتوقيع على اتفاقيةٍ تاريخية لحماية حقوق المهاجرين. وعلى الرغم من انسحاب بعض الدول من هذا الاجتماع، إلا أن ذلك لم يحل دون مصادقة ١٦٤ دولة على الاتفاق العالمي للهجرة. ويأتي التوصّل لهذا الاتفاق بعد التوقيع على الميثاق العالمي للاجئين، حيث صادقت على هذا الميثاق جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في أواسط شهر نوفمبر الماضي باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من حالة التفاؤل الحالية حيال ما يمكن أن تقدمه هاتين الاتفاقيتين العالميتين الجديدتين من جوانب إيجابية على اللاجئين والمهاجرين، فإن الوضع السياسي الراهن الذي يعيشه لبنان يظهر لنا ضرورة قطع شوطٍ طويل في هذا المجال، خاصةً وأن هذه الدولة تستضيف ١.١ مليون لاجئاً سورياً على أراضيها. ويرى ميخايل أن البنية التحتية الكفيلة باستيعاب اللاجئين الموجودين في الدول المستضيفة كلبنان وتركيا والأردن ما تزال تعاني من وضعٍ مزري وتتطلب أموالاً طارئة لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية.
ويشير صاحب المقالة إلى أن اللاجئين السوريين لا يتم النظر لهم في لبنان باعتبارهم عبئاً اقتصادياً فحسب، بل باعتبارهم تهديداً سياسياً يصل إلى درجة اعتبار أن الوجود السوري يهدّد التوازن الحساس لتقاسم السلطة في هذه الدولة. ويواصل السياسيون اللبنانيون التعامل مع اللاجئين السوريين باعتبارهم كبش الفداء في أعقاب انتخابات مايو ٢٠١٨ التي عادت بالقليل من الاستقرار السياسي في لبنان رغم عدم التوصّل إلى اتفاق على المناصب الوزارية. ويظهر هذا الأمر عبر تنامي الخطابات المعادية للأجانب بصورةٍ متزايدة.
وإلى جانب ذلك، فقد قام لبنان بتكثيف جهوده على مستوى إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، حيث تم تسخير الكثير من الموارد لضمان عودة أكبر عدد ممكن من هؤلاء إلى وطنهم الأم. ويرى ميخايل أن هذا الأمر يحمل في طياته الكثير من الجوانب الجدلية، خاصةً وأن الكثير من السوريين يخشون انتقام نظام الأسد منهم أو اعتقاله لهم، فضلاً عن التجنيد المحتمل في صفوف الجيش والافتقار الأساسي للبنية التحتية لدى عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم الأم.
وحتى في ظل احتمال عقد اتفاقياتٍ دولية جديدة حول اللاجئين، فإن صاحب المقالة لا يتوقع أن يعود هذا الأمر بأثرٍ إيجابي على اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان. وتجدر الإشارة إلى عدم توقيع لبنان على اتفاقية عام ١٩٥١ المتعلقة بوضع اللاجئين، وهذا يعني عدم وقوع أي إلزام قانوني على عاتق لبنان لحماية حوالي ٤٥٠ ألف لاجئ فلسطيني يعيشون أيضاً في هذه الدولة. وتقوم هذه الاتفاقية بتوفير المعايير القانونية الكفيلة بضمان حصول اللاجئين على حقهم في العمل، والتعليم، السكن وعدم التمييز.
ذاكرة الماضي
يعود السبب الكامن وراء تجاهل لبنان لهذا الالتزام الدولي المتعلق بحقوق اللاجئين بصورةٍ جزئية إلى حالة الانقسام التي يعيشها الوضع السياسي اللبناني، خاصةً وأن هذا الوضع يضع حالة الاستقرار القائمة بين النخبة اللبنانية فوق كل اعتبار. وبالطبع، فإن السوريين والفلسطينيين يدفعون ثمن هذا الاستقرار بصورةٍ غير متناسبة بسبب مواجهتهم للتهميش والإقصاء.
وعانى السوريون الذين لجؤوا إلى لبنان من حالة تهميشٍ ممنهجة منذ اندلاع الحرب السورية في عام ٢٠١١. وتتمثل حالة التهميش المذكورة في السياسات التي حدّت من قدرة السوريين في الحصول على الإقامة، فضلاً عما يواجهه هؤلاء من مصاعب على مستوى حقوق العمل. وترى النخبة السياسية في لبنان أن وجود اللاجئين السوريين يشكل تذكيراً خطيراَ باللاجئين الفلسطينيين الذين لعبوا دوراً هاماً في الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي ١٩٧٥ و١٩٩٠، خاصةً وأنه يتم إلقاء اللوم بصورةٍ غير منصفة على اللاجئين الفلسطينيين باعتبارهم أحد أسباب هذا النزاع.
ويعتمد تقاسم السلطة السياسية في لبنان على توازنٍ طائفي برلماني بين المسيحيين والمسلمين. ويحمل التركيز على التوازن الديمغرافي بين المسلمين والمسيحيين في المؤسسات اللبنانية أثراً مباشراً على عملية صنع القرار: ابتداءً من ضمان التمثيل في الحكومة ووصولاً إلى ضمان رفض حق اللاجئين الفلسطينيين في التوطين بموجب الدستور.
ولهذا السبب، لا تنظر النخبة السياسية المسيحية إلى السوريين والفلسطينيين كمجموعاتٍ ضعيفة بحاجة للحصول على المساعدة الأساسية، بل كتحولٍ ديمغرافي مدوي محتمل. وتتمثل النظرية السائدة التي ظهرت لصاحب المقالة أثناء رحلةٍ بحثية أجراها مؤخراً إلى لبنان في أن التوازن بين الطوائف سيتحوّل إلى صالح السنة ويؤدي في نهاية المطاف إلى هيمنتهم على الساحة السياسية على حساب الشيعة والمسيحيين في حال تم توطين اللاجئين السوريين والفلسطينيين بصورةٍ دائمة في لبنان.
استنساخ الماضي في قالبٍ جديد
كان من الواضح أن العديد من ممثلي النخبة السياسية المسيحية الذين تحدّث معهم الكاتب ينظرون إلى اللاجئين السوريين كتهديد وجودي قد يؤدي إلى تقويض التوازن الطائفي الحساس في هذه الدولة بالتزامن مع تدمير اتفاق تقاسم السلطة الذي يضمن تمثيل كافة الأطياف اللبنانية.
وفي مواجهة كل هذا الامر، فقد كان رد لبنان على وجود اللاجئين متماسكاً بطريقةٍ غير معهودة. وتم وضع استراتيجية وطنية في عام ٢٠١٤ بعنوان “سياسة النزوح السوري”، حيث تهدف هذه الاستراتيجية بصفةٍ أساسية إلى الحد من قدرة السوريين في الإقامة بصفةٍ دائمة في لبنان.
والآن، يجري تكرار استخدام نفس الحجج التي سبق استخدامها لتهميش الفلسطينيين على مستوى التعامل مع السوريين. وشهد شهر مايو من عام ٢٠١٨ اقتراح وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل السماح للمرأة اللبنانية أخيراً بتمرير الجنسية إلى أبنائها ما لهم تكن متزوجة من سوري أو فلسطيني. وتجدر الإشارة إلى أن العادة جرت على استخدام الحجج السابقة المرتبطة بحرمان اللبنانيات من هذا الحق عندما كان الأمر يتعلق فقط بأطفال الفلسطينيين.
ويختم ميخايل مقالته بالتالي: “إن التركيز على إبقاء حالة التوازن الطائفي سيبقى عائقاً في وجه المعاهدات القانونية الدولية التي تمت صياغتها لتزويد اللاجئين بحقوقهم في لبنان. أما على مستوى اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذين يعيشون في هذه الدولة، فإن نظام تقاسم السلطة سيواصل ملاحقتهم ليواجهوا حالةً من الإقصاء الممنهج، خاصةً وأن السياسيين اللبنانيين يواصلون العمل لزيادة صعوبة الظروف المعيشية لهؤلاء قدر الإمكان، وبما يكفل الحيلولة دون احتمال توطين اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان. وإذا ما استمر اعتماد الاستقرار في لبنان على التعداد السكاني الطائفي، فإن هذا الأمر سيؤدي إلى عدم تطبيق جميع الآليات الرامية إلى حماية اللاجئين، ناهيك عن استمرار المعاناة التي يعيشها هؤلاء دون هوادة”.