وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سياسة تصفير المشكلات مع الجيران تعني مشاكل متعددة في تركيا

تركيا وسياسة تصفير المشكلات
صورة تم التقاطها يوم ١٦ سبتمبر ٢٠٢٢ للرئيس التركي رجب طيّب إردوغان أثناء حضوره للقاء مع نظيره الروسي على هامش قمة قادة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند. المصدر: Alexandr Demyanchuk / SPUTNIK / AFP.

نشر الصحفي البارز جيمس دورسي مقالة على موقعه الخاص سلّط فيها الضوء على سياسة تركيا الرامية إلى إنهاء جميع مشاكلها مع جيرانها. ويحاول دورسي، وهو باحث معروف في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية بجامعة نانيانغ التكنولوجية، في مقالته استعراض إذا ما كانت أنقرة قادرة تطبيق هذه السياسة بنجاح على أرض الواقع.

ويرى دورسي أن تصالح تركيا مع السعودية، والإمارات، وإسرائيل لا يفعل شيئاً يذكر لإعادة البلاد إلى سياسة “تصفير المشكلات مع جيراننا” المعلنة منذ أكثر من عقد.

بطبيعة الحال، فقد هدأت الأجواء المشحونة بين تركيا ودول الخليج مؤخراً. وكانت الدول الخليجية قد شعرت بالانزعاج عندما تخلى الرئيس رجب طيب أردوغان فعلياً عن سياسة تصفير المشكلات عبر دعم الانتفاضات الشعبية العربية عام 2011، والإخوان المسلمين. يضاف إلى ذلك تقديم المساعدة لقطر خلال فترة المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية التي قادتها كل من السعودية والإمارات ضد الإمارة الخليجية الصغيرة واستمرت لمدة 3.5 سنوات. وازداد الطين بلّة مع تحميل السعودية مسؤولية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة باسطنبول عام 2018.

وفي الآونة الأخيرة، أعادت تركيا إقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد أكثر من عقد من التوترات. وكانت هذه التوترات قد اندلعت عام 2010 عندما قتلت القوات الخاصة الإسرائيلية 10 نشطاء أتراك على متن سفينة المساعدات التركية “مافي مرمرة” أثناء محاولتها كسر الحصار البحري الإسرائيلي على غزة.

ومع ذلك، تشكل القضية الفلسطينية، التي لم تحل بعد، قنبلةً موقوتة في العلاقات بين إسرائيل وتركيا، خاصةً في ظل تصاعد المخاوف من تصعيد العنف في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل. وتصرّ تركيا على أن إعادة العلاقات مع إسرائيل لا يعني أنها تخلت عن دعمها للفلسطينيين.

وتكمن مشكلة تركيا في أنها حسّنت علاقاتها مع القوى الإقليمية التي لا تقع أي منها على حدود تركيا.

على النقيض من ذلك، فإن علاقات تركيا مع أربعة من جيرانها الثمانية الذين يشتركون معها في الحدود البرية – وهم العراق، وسوريا، والأكراد، واليونان- آخذةٌ بالتدهور وسط تهديدات باندلاع صراع مسلح.

في الوقت نفسه، حوّل الغزو الروسي لأوكرانيا البحر الأسود إلى منطقة حرب.

وبالمثل، فإن أي هجوم تركي محتمل في شمال سوريا من شأنه أن يخلق منطقة حرب أخرى تخاطر فيها تركيا بمحاربة المتمردين الأكراد، والقوات السورية، والميليشيات المدعومة من إيران.

وحتى الآن، تصر تركيا على حقها في التدخل عسكرياً مرة أخرى في شمال سوريا لكنها أوقفت شنّ هجوم جديد بسبب المعارضة الروسية والإيرانية.

وبدلاً من ذلك، تستكشف تركيا، برعاية روسية، طريقة ما للتوافق مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي طالب أردوغان برحيله منذ بداية الحرب الأهلية السورية قبل 11 عاماً.

ومع ذلك، فإن إبرام مصالحة بشروط مقبولة لدى السيد أردوغان قد يكون صعباً للغاية. ويعود السبب في ذلك الفجوة الواسعة بين المنهجين التركي والسوري تجاه السيطرة على الأكراد وغيرهم من الجماعات المتمردة في شمال سوريا.

أضف إلى علاقات تركيا المتوترة مع جيرانها نزاعاً، مُدار بعناية حتى الآن، بين تركيا وحلف شمال الأطلسي حول عضوية السويد وفنلندا في التحالف عبر الأطلسي. ويهدّد هذا الموقف علاقات تركيا المضطربة بالفعل مع الولايات المتحدة.

وتطالب تركيا دول الشمال الأوروبي بتسليم عشرات الأكراد، وأتباع رجل الدين المنفي فتح الله غولن مقابل تصديق البرلمان التركي على العضوية السويدية والفنلندية. وتُحمّل تركيا غولن مسؤولية الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016.

وبدلاً من تخفيف حدّة التوتر، يعمل أردوغان ورفاقه على تأجيج الخلافات.

في آخر بيان صريح له، بدا وزير داخلية أردوغان، سليمان صويلو، وكأنه يردد توجّهات إيران، التي سعت إلى انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط منذ عقود.

صويلو اتهم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد في تركيا، والذي يقبع زعيمه خلف القضبان بتهم الإرهاب، بأنه صناعة أمريكية. كما أنه وجه نفس الاتهامات لحزب العمال الكردستاني المحظور، الذي يخوض حرباً منخفضة الحدة منذ أربعة عقود في المنطقة التي يغلب عليها الأكراد جنوب شرقي البلاد.

واختلف حزب العمال الكردستاني ووزارة الدفاع التركية، هذا الأسبوع، حول أسباب تحطم مروحية تركية من طراز سيكورسكي في كردستان العراق، حيث كان الجيش التركي يستهدف قواعد المتمردين الأكراد. وتسببت العمليات التركية في توتر العلاقات مع الحكومة العراقية في بغداد.

وزعم حزب العمال الكردستاني أنه أسقط المروحية انتقاماً لمقتل أحد قادتها بواسطة تركيا، بينما أكدت أنقرة أن الطائرة تحطمت “بسبب مشكلات فنية”.

ومما يزيد الأمور تعقيداً أن تركيا، وإيران، وإسرائيل يخوضون حرباً سرية منخفضة المستوى في شمال العراق على حساب أكراد العراق.

وقال صويلو: “لسنا بحاجة إلى الولايات المتحدة. لسنا بحاجة لأوروبا التي تريدنا أن نكون مقسمين، والتي لا تبالي بديننا وثقافتنا ومعتقداتنا…. بينما نفكك المنظمة الإرهابية، يجب أن تعلم أننا نريد أيضاً إنهاء الوجود الأمريكي هنا”. ويشير صويلو في حديثه هذا إلى حزب العمال الكردستاني وفروعه في سوريا، بالإضافة إلى الوجود العسكري الأمريكي في الدولة التي مزقتها الحرب.

ولم يكن واضحاً ما إذا كان صويلو يشير إلى الاتحاد الأوروبي ككل أو السويد وفنلندا فقط، واللتان تماطلان بشأن الاتفاقات المبرمة عشية قبول الناتو لطلب عضويتهما، بحسب تركيا.

وفي سياق مشابه، انتقد أردوغان الأسبوع الماضي اليونان، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، بعد أن اتهمتها تركيا بمضايقة الطائرات التركية. وكانت الطائرات التركية تجري حينها مهمة استطلاعية باستخدام نظام دفاع جوي روسي الصنع من طراز “S-300”.

وقال أردوغان: “أيتها اليونان، ألق نظرة على التاريخ. إذا تماديت عن هذا الحد، فسوف تدفعين ثمناً باهظاً”. ويأتي تصريح إردوغان كإشارة على ما يبدو إلى التطهير العرقي في عام 1923 عندما أُجبر اليونانيون على مغادرة تركيا وطُرد الأتراك من اليونان فيما وُصِف بطريقة ملطفة بأنه “تبادل سكاني”.

ويسخر الأتراك، المستعدون للمخاطرة بإغضاب أردوغان المستبد، من سياسته قائلين إنه إذا كان رئيساً خلال الحرب العالمية الثانية، فإن تركيا كانت ستحارب الألمان والبريطانيين والروس جميعاً في آن واحد.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://jamesmdorsey.substack.com/ في 06 سبتمبر 2022