نشر موقع جيمس دورسي، زميل كلية راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، مقالة على مدونته الخاصة في موقع “Mideastsoccer.blogspot.com” تناول فيها التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا. ويكشف دورسي النقاب في مقالته عن كيفية استخدام الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الخليجيين لأكراد سوريا بهدف مواجهة إيران وتركيا، في ظل حالة التوتر الأخيرة على مستوى العلاقات مع أنقرة عقب اندلاع الأزمة مع قطر.
وسبق للرئيس ترامب التهديد بتدمير الاقتصاد التركي إذا ما هاجمت القوات التركية أكراد سوريا المتحالفين مع الولايات المتحدة عقب الانسحاب المعلن للقوات الأمريكية هدفه الأكبر. ويرى دورسي أن هذا التهديد يأتي في إطار سياسة ترامب الأوسع والرامية إلى دفع القوات الإقليمية للقتال بهدف تحقيق أهداف مشتركة كمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا.
ويُعتبر تهديد ترامب بالتزامن مع دعوة أنقرة لإنشاء منطقة عازلة بطول ٢٦ كيلومتراً لحماية تركيا من أي تهديد كردي يمكن تصوّره بمثابة خطوةٍ استباقية قبل أن تقوم تركيا بشن هجوم على وحدات حماية الشعب التي تشدد أنقرة على كونها جزءاً من حزب العمال الكردستاني المحظور. ويعتبر حزب العمال الكردستاني من الجماعات الكردية التركية التي شنّت لما يزيد عن ثلاثة عقودٍ من الزمن حرباً محدودة في المناطق الجنوبية الشرقية من تركيا ذات الأغلبية الكردية جنوب شرق تركيا.
وسبق للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إدراج حزب العمال الكردستاني على قائمة المنظمات الإرهابية وبصورةٍ مماثلة لما قامت به تركيا.
وكانت تركيا في طور تحضير قواتها لشن هجوم على وحدات حماية الشعب الكردية منذ إعلان ترامب عن انسحاب القوات الأمريكية، ليكون بذلك ثالث هجومٍ يتم شنه في السنوات الأخيرة على أكراد سوريا حال حدوثه.
وفي مؤشرٍ على توتر العلاقات التركية السعودية، نشرت وسائل إعلام تركية مقربة من الحكومة قبل وقت طويل من مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول يوم ٢ أكتوبر ٢٠١٨ تقارير تفيد بتمويل السعودية لوحدات حماية الشعب الكردية. ولم يصدر حتى هذه اللحظة تأكيد مستقل لهذه الادعاءات.
ويشير دورسي في هذا الصدد إلى ما نشرته صحيفة “يني شفق” التركية في عام ٢٠١٧، وذلك بعد أيام من اندلاع الأزمة الخليجية بين التحالف السعودي الإماراتي المصري ضد قطر التي تدعمها تركيا. وادعت الصحيفة لقاء مسؤولين أمريكيين وسعوديين وإماراتيين ومصريين مع قادة حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي لمناقشة مستقبل النفط السوري بعد هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية“. وتجدر الإشارة إلى تعامل أنقرة مع حزب الاتحاد الديمقراطي باعتباره الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني.
وذكرت وكالة الأناضول التركية شبه الرسمية في مايو الماضي أن مسؤولين من السعودية ووحدات حماية الشعب الكردي قد التقوا لمناقشة التعاون بين الجانبين. وقالت الوكالة إن السعودية تعهدت بدفع ٢٠٠ دولار أمريكي شهرياً لكل مقاتلٍ كردي انضم إلى القوة المدعومة عربياً في شمال سوريا. وخرجت بعض الادعاءات التي تزعم إرسال السعودية مساعداتٍ إلى وحدات حماية الشعب الكردي عبر شاحناتٍ عبرت العراق في رحلتها وصولاً إلى سوريا.
وكانت السعودية قد أعلنت في أغسطس من العام الماضي عن تحويلها لمبلغ ١٠٠ مليون دولار أمريكي إلى الولايات المتحدة على أن يتم تخصيصها للزراعة والتعليم وأعمال الطرق وإزالة الأنقاض وخدمات المياه في مناطق تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقرطية المدعومة أمريكياً وتهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردي شمال شرق سوريا.
وقالت السعودية إن المبلغ الذي أُعلن في يوم وصول مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، إلى المملكة يهدف إلى تمويل الاستقرار في المناطق المحررة من سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ومع ذلك، فقد أصرت وسائل الإعلام التركية على أن هذه الأموال ستصل إلى وحدة حماية الشعب الكردي.
وقالت صحيفة “ديلي صباح”: “يعتبر تسليم مبلغ ١٠٠ مليون دولار أمريكي بمثابة أحدث الخطوات التي تقوم بها السعودية لدعم شراكة الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب. لقد تذرعت الولايات المتحدة بمحاربة تنظيم “داعش” للتعاون مع وحدات حماية الشعب في سوريا وتقديم الأسلحة لها. وبعد تطهير المنطقة من “داعش” بمساعدة الولايات المتحدة، شددت وحدات حماية الشعب قبضتها على الأراضي السورية مستغلة فراغ السلطة في بلدٍ مزقته الحرب“.
وتجدر الإشارة إلى امتناع السعودية عن إدراج وحدات حماية الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني على لائحتها التي تضم عدداً كبيراً من المنظمات الإرهابية، علماً بأنه سبق لوزير الخارجية عادل الجبير وصف هذه الجماعة بـ”الإرهابية” في عام ٢٠١٧.
وبحسب ما يراه دورسي، فإن تهديد الرئيس الأمريكي لتركيا وتعهده في وقتٍ سابق بالوقوف إلى جانب الأكراد حتى بعد انسحاب القوات الأمريكية يعطي السعودية ودولاً عربية أخرى مثل الإمارات ومصر غطاءً سياسياً لدعم الأكراد باعتبارهم قوة تواجه الوجود الإيراني في سوريا.
كما أن هذا الأمر يسمح للسعودية والإمارات بمحاولة إحباط مساعي تركيا لزيادة نفوذها على المستوى الإقليمي. وكانت السعودية والإمارات ومصر قد أصرت على سحب تركيا لقواتها من قطر ضمن شروط هذه الدول لرفع المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي وصل عمرها إلى ١٨ شهراً.
ولطالما قامت الإمارات، وهي العازمة على سحق أي تعبير عن الإسلام السياسي، بقيادة الأنظمة العربية الاستبدادية ضد تركيا بسبب معارضة هذه الأخيرة للانقلاب العسكري في مصر عام ٢٠١٣، الذي أطاح بالإخوان المسلمين ومحمد مرسي، أول رئيس للبلاد منتخب ديمقراطياً، ناهيك عن علاقات أنقرة الوثيقة مع إيران ودعمها لقطر والقوات الإسلامية في ليبيا.
كما تدعم السعودية والإمارات ومصر الجنرال خليفة حفتر، الذي يقود قوات معادية للإسلاميين في شرق ليبيا، في حين تدعم تركيا الإسلاميين بخلاف دعمها لقطر والسودان.
وذكرت وسائل إعلام ليبية وسعودية أن السلطات اعترضت مراراً شحنات أسلحةٍ تركية في طريقها للإسلاميين، بما في ذلك شحنات تم أرسالها هذا الشهر وأخرى خلال الشهر الماضي. وقد نفت تركيا هذه المزاعم.
وقال الباحث في الشؤون التركية، مايكل روبن: “ببساطة، عندما باتت قطر ممولاً للإخوان المسلمين وفروعها الأكثر راديكالية في جميع أنحاء العالم، أصبحت تركيا مصدر تزويدهم بالسلاح”.
ومن المفارقة أن إعادة فتح العديد من الدول العربية، بما فيها الإمارات والبحرين، سفاراتها في دمشق مؤخراً بموافقة سعودية ضمنية بعد دعمها السابق لقواتٍ ناهضت الرئيس السوري بشار الأسد لمعظم الحرب الأهلية يماثل تهديد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي، فهو يجعل دعم الخليج للأكراد أكثر جدوى.
ويبدو أن قوات حماية الشعب، التي تُركت وحيدة بإعلان الرئيس الأمريكي عن انسحاب قوات بلاده، سعت إلى إقامة علاقاتٍ مع نظام الأسد. ورداً على ذلك، فقد قامت سوريا بحشد قواتها بالقرب من مدينة منبج، حيث يُعتقد أن تصبح محور اندلاع الهجوم التركي.
وفي معرض تعليقه على الحملة التركية التي استمرت لمدة شهرين وأدت لطرد القوات الكردية من بلدة عفرين السورية والجهود التركية التي بذلها منذ ذلك الحين للسيطرة على المنطقة: قال الباحث المختص في الشأن الخليجي جيورجيو كافييرو “تنظر الإمارات إلى عفرين باعتبارها خطاً أمامياً لمواجهة تركيا التوسعية على مستوى العالم العربي”.
ويختم دورسي مقالته بالتالي: “هذا الأمر ينطبق أيضاً على رؤية السعودية والإمارات لمدينة منبج، إذ لا ينبع الموقف السعودي الإماراتي تجاه هذه المدينة من مواجهة تركيا فحسب، بل أيضاً من مواجهة الوجود الإيراني في سوريا. ورغم ما قد تشهده الخطوط الأمامية والتكتيكات من تغييرات وتحولات، إلا أن الأهداف الجيوسياسية الأمريكية والخليجية لم تتغير”.