وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تركيا ما بين الناتو وروسيا: التوازن الفاشل

Turkey- Recep Tayyip Erdogan
الرئيس التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب إردوغان أثناء إلقائه لكلمة على هامش أحد الاجتماعات التي عقدها الحزب في مقره بالعاصمة التركية أنقرة يوم ٢٦ يوليو ٢٠١٩. المصدر: Adem ALTAN / AFP.

نشر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية مقالةً سلطت الضوء على تداعيات شراء تركيا لمنظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسي “إس-400”. ويحاول صاحب المقالة الدكتور محمد ييغين، الزميل الزائر في قسم الأمريكيتين التابع للمعهد، الإجابة على التساؤلات المتعلقة بالوضع الراهن لتحالف تركيا مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) وما قد تواجهه هذه الدولة من تبعات في المستقبل جراء عقد هذه الصفقة. ويستبعد ييغين انسحاب تركيا عن حلف الناتو، نظراً لاستمرار اعتماد تركيا على الحلف وعلى الأعضاء الآخرين فيه. وترى الدوائر الحكومية التركية أن عملية الشراء الأخيرة وسيلة للحصول على المزيد من الاستقلالية في مواجهة الحلفاء الغربيين، ناهيك عن أنها ستكسب أنقرة قدرة أكبر على التفاوض مع هؤلاء الحلفاء. إلا أن شراء منظومة “إس-400” لن يعود بالنتائج المرجوة بحسب ما يراه صاحب المقالة، بل أنه سيخلق تبعيةً مزدوجة ترهق كاهل تركيا بحالةٍ من الضعف أثناء التعامل مع روسيا، ناهيك عن توليد حاجةٍ أكبر للحصول على الضمانات من حلف الناتو. ويبدو أن قدرة تركيا على المساومة قد بلغت منتهاها، في ظل فرض الولايات المتحدة الأمريكية للمزيد من التدابير العقابية بحق أنقرة. ويكمن التفسير الوحيد لشراء الأسلحة في سعي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لحشد التأييد على المستوى الداخلي عبر خلق مواجهة مع الولايات المتحدة وبما يكفل الحيلولة دون حصول منافسيه المحتملين على دعم الجماهير.

ومن المنتظر أن تتسلم تركيا منظومة صواريخ “إس-400” من روسيا في يوليو 2019. وتخوض كلٌّ من تركيا والولايات المتحدة نقاشاً عالي المستوى بشأن تداعيات هذه الصفقة على حلف الناتو. وكان رئيسا وأعضاء لجنتي القوات المسلحة والعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي قد قاموا بإرسال رسالةٍ تم التوافق عليها في الحزبين الديمقراطي والجمهوري عبر الصحف يؤكدون فيها معارضتهم لحصول تركيا على منظومة الصواريخ الروسية “إس-400” والطائرة المقاتلة الأمريكية المتقدمة من طراز “إف-35” في آنٍ واحد. كما أكد هؤلاء إصرارهم على فرض العقوبات بحقّ تركيا في حال قامت روسيا بتسليم أنقرة الصفقة المتفق عليها. من جانبه، رفض وزير الدفاع التركي الفرضية التي تقول بإن استخدام تركيا لمنظومة صواريخ “إس-400” والطائرة “إف-35” في آنٍ واحد قد ينطوي على مخاطر جمّة، مشدداً على ضرورة استهداف العقوبات الأمريكية لأعداء الولايات المتحدة وليس لحليفٍ مماثل لتركيا. كما أكدّ وزير الخارجية التركي على “إنهاء” صفقة صواريخ “إس-400” وعدم إلغائها. يأتي ذلك في الوقت الذي وقعت فيه مواجهةٌ أخرى بين نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس ونظيره التركي فؤاد أقطاي، حيث اتهم كلّ طرفٍ الآخر بالمخاطرة بالتحالف القائم بينهما بسبب تقارب كل طرفٍ مع خصوم الآخر، وهنا يتمثل الخصوم من وجهة النظر الأمريكية في روسيا ومن وجهة النظر التركية في وحدات حماية الشعب الكردي السورية.

وأشعل التوتر القائم بين الحكومتين النقاش حول “انفصال تركيا عن الناتو”، إذ أبدى الصحفيون والمحللون في الولايات المتحدة شكوكهم منذ وقتٍ طويل حول علاقة تركيا بالحلف.

الاعتماد على التحالف هو الخيار السائد

يكمن التساؤل الحالي حول إذا ما كانت النزاعات الحالية مقدمةً لإنهاء عضوية تركيا في التحالف. فالتحالفات لا تستمر عبر تناغم السياسات المتبعة، بل عبر اعتماد الأطراف على التحالف. لذلك، ما لم يتوقف الاعتماد على التحالف، فإن التوترات بين تركيا وأعضاء الناتو الآخرين ستعزز من قدرة أعضاء الحلف على التفاوض ولا تعني بالضرورة إنهاء حالة التحالف. وبالتالي، فإن انفصال تركيا عن الناتو سيكون أبعد الاحتمالات التي قد تنتج عن الوضع المعقد لصفقة صواريخ “إس-400”.

Translation- Erdogan
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لدى وصوله إلى قمة منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” في مقر المنظمة الموجود في العاصمة البلجيكية بروكسل يوم ١١ يوليو ٢٠١٨. المصدر: AFP / Eric Lalmand.

ويُعدّ استمرار التحالف رهناً لاعتماد أعضائه عليه، وهو يستند إلى مصالح أمنية لا غنى عنها. ويعني هذا أنه بخلاف انتفاء الحاجة إلى هذه المصالح الأمنية الضرورية أو وجود بديل أفضل، فإن الاختلاف في تفضيل السياسات المتبعة بين الحلفاء – وإن كان اختلافاً كبيراً – قد لا يكون سبباً كافياً لإنهاء التحالف. ولا تدل تصريحات المسؤولين الكبار شديدة اللهجة في وسائل الإعلام أو المواجهات الدبلوماسية بالضرورة على انتهاء تحالف ما. إذ يميل المحللون ووسائل الإعلام إلى التضخيم من حدة الأزمات التي تمر بها التحالفات دون معايير واضحة تضبطها.

وفيما يخص اعتماد تركيا على الحلف، فإنها لن تعرّض ما يوفره الناتو من سلام وقوة ردع للخطر في منطقة مضطربة، ويشمل ذلك التهديدات الروسية نفسها. وعلى الرغم من التعاون المتبادل بين تركيا وروسيا، تبقى فرص وجود محور استراتيجي جديد يرتكز على البلدين مستبعدة، إذ يعتبر الناتو حصناً مهماً لتركيا حتى فيما يتعلق بتطوير علاقاتها مع روسيا. وتخفف عضوية أنقرة في الحلف من احتمالية هيمنة موسكو عليها. كما تسمح هذه العضوية لتركيا بالاعتماد على الردع الذي يمنع الخصوم الإقليميون من المشاركة ضدها في حملة عسكرية واسعة النطاق. ولا تقل قوة الردع أهميةً عن امتلاك أسلحة تماثل منظومة “إس-400”. كما يدعم الناتو السلام بين العضوين تركيا واليونان، ويحافظ بالتالي على توازنٍ دقيق للحيلولة دون تحوّل النزاع على بحر إيجة إلى مواجهة عسكرية. كما تنتهج تركيا منذ فترةٍ طويلة سياسة تسعى إلى المشاركة في المنظمات الدولية التي تنضم لها اليونان حفاظاً على التكافؤ بينهما. وعلى هذا النحو، فإن انفصال تركيا عن الحلف الأهم – الناتو – سيضعها في موقفٍ صعب يتطلب منها مواجهة الحلف منفردةً. وأخيراً، لن ترغب تركيا في التخلي عن المظلة النووية لحلف الناتو، نظراً لامتلاك بعض جيرانها كروسيا لقوةٍ نووية أو سعيها الحثيث لتطوير الأسلحة النووية كما عليه الحال مع إيران.

أما من وجهة نظر الناتو، فإن خروج تركيا من التحالف واحتمالية تحوّلها إلى خصمٍ سيكون بمثابة إخفاقٍ كبير للحلف. وإذا ما تحوّلت تركيا إلى التعاون مع روسيا في البحرين الأسود والمتوسط، فإنها ستشكّل عقبةً استراتيجيةً لحلف الناتو. وإلى جانب الخلفية الإثنية والدينية التي يتمتع بها سكّان تركيا، فإن هذه الدولة تتمتع بنفوذٍ جغرافي واسع لا يمكن لأي حليفٍ آخر في الناتو تعويضه. وباعتبارها دولة ذات أغلبية مسلمة، فإن تركيا توفر شرعيةً سياسية لعمليات الناتو في البلاد المسلمة كما حدث في أفغانستان وليبيا. وما تزال تركيا تساهم في مهمة الدعم الحازم في أفغانستان وفي عملية حفظ السلام التابعة لحلف الناتو في كوسوفو.

منظومة صواريخ “إس-400”: أغراض استقلالية وشؤون داخلية

Translation- Turkey russia
صورة تم التقاطها يوم ٢٩ يونيو ٢٠١٩ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء مصافحته لنظيره التركي رجب طيب إروغان على هامش قمة العشرين التي تم عقدها في مدينة أوساكا اليابانية. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد عاودت تحذير تركيا في ٩ يوليو الماضي من وجود تبعات في حال قامت بشراء نظام صواريخ “s-400” الروسي. المصدر: AFP / Yuri KADOBNOV.

تعتمد الدوائر الحكومية التركية بصفةٍ أساسية على الأسباب السياسية لتبرير شراء منظومة الدفاع الجوي “إس-400” من روسيا في الوقت الذي تستطيع فيه أنقرة شراء بدائل لهذه المنظومة من أعضاء بالناتو. وتشترك جميع الحجج في ثلاثة أسباب وهي: التمتع بعلاقاتٍ أرفع مع روسيا مما يجعل تركيا أكثر استقلالية في مواجهة حلف الناتو، واستخدام الصفقة للمساومة، بالإضافة إلى عقد الصفقة لغاياتٍ محلية.

وتشير الدوائر الحكومية إلى إحجام الولايات المتحدة عن تزويد تركيا بأسلحة ضرورية عالية التقنية (بسبب القيود التي يفرضها الكونغرس الأمريكي على سبيل المثال)، ناهيك عن فرض رقابةٍ صارمة على استخدام هذه الأسلحة ونقل التكنولوجيا. ويكسر الاعتماد على روسيا كمورّدٍ بديل الاحتكار الغربي لمبيعات الأسلحة، ويزيد من قدرة تركيا التفاوضية مع الحلفاء المحجمين عنها.

من جانبٍ آخر، قام محللون مقربون من الحكومة بتسليط الضوء على علاقة الشؤون الداخلية بالسياسة الخارجية. إذ لا تثق القيادة التركية في حلفاء الناتو بسبب دعمهم المتصوّر لمحاولة الانقلاب التي استهدفت الرئيس إردوغان في 15 يوليو 2016، في حين أعلنت روسيا دعمها للرئيس سريعاً. وعلى هذا النحو، من المتوقع أن تقوم روسيا بدعم إردوغان في حال وقع انقلاب آخر، والأهم من ذلك هو أن صواريخ “إس-400” ستكون أداة مفيدة في حماية إردوغان من أي هجوم داخلي خاصة من القوات الجوية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مواجهة الغرب توفّر للرئيس إردوغان دعماً شعبياً، ناهيك عن إمكانية التذرّع بهذه المواجهة لتبرير التراجع الاقتصادي على مستوى السياسة المحلية. ويؤدي السعي إلى استقلالية أكبر على الساحة الدولية واتخاذ قرارات سيادية فيما يتعلق بصفقات السلاح إلى توحّد الشعب خلف إردوغان. ويصح هذا التحليل تحديداً في وقتٍ نشهد فيه صعود المشاعر القومية في تركيا.

“تبعية مزدوجة” لا استقلالية أكبر

يرى ييغين أن صفقة الأسلحة التي يُفترض بها تدعيم استقلالية تركيا قد تؤدي في نهاية المطاف – وللمفارقة – إلى تبعية مزدوجة لكلٍ من روسيا وحلف الناتو. ويعيد صاحب المقالة هذه الفرضية إلى ما تعانيه تركيا من ضعف في مواجهة روسيا ناهيك عن حاجتها المتزايدة في الوقت نفسه إلى الضمانات من الناتو، ما قد يؤدي إلى ظهور وضعٍ على طرفي نقيض مع الأهداف المقصودة من هذه الصفقة.

وتتسم العلاقات التركية الروسية في الوقت الراهن بهشاشتها وتقلبها. وتأثرت الثقة بين الطرفين بعد قيام طائرة تابعة للقوات الجوية التركية بإسقاط طائرة روسية من طراز “سوخوي-24” في أعقاب اختراق هذه الأخيرة للمجال الجوي التركي بالقرب من الحدود السورية التركية في نوفمبر من عام 2015. واستمرت التطورات الخلافية في علاقة البلدين حتى بعد اعتذار تركيا. ولم تقم روسيا بإلغاء جميع العقوبات بعد الاعتذار التركي للتذكير باستياء موسكو مما حدث. وفي الوقت الذي لم تعاود فيه موسكو إلغاء التأشيرة المطلوبة من المواطنين الأتراك للسفر إلى روسيا، فإنها ما تزال تطبق بعض التدابير العقابية على أنقرة كمنع استيراد بعض السلع الزراعية التركية. وقد لا تتمكن تركيا في ظل هذا الوضع الهش من تعزيز مصالحها عبر علاقتها بروسيا.

ويرى صاحب المقالة أن سعي تركيا لشراء منظومة “إس-400” لا يمكن أن يكون الطريق الصحيح لتحقيق الاستقلال الاستراتيجي. فمن الخطأ الاعتقاد بأن استلام تركيا لهذه المنظومة سيعني تلقائياً تحكمها الكامل بها. وبطبيعة الحال، فإن هذه المنظومة لا تماثل بنادق البلاشفة التي استُخدمت في حرب الاستقلال التركية بعد الحرب العالمية الأولى. وتعتبر صواريخ “S-400” من أنظمة الأسلحة المعقّدة التي يحتفظ فيها المنتج بإمكانية التدخل وإعاقة استخدام النظام. وسيفتح هذا النظام في الممارسة العملية الباب أمام التأثير والتلاعب الروسي.

ولا تركز تركيا إلا على مخاوف الولايات المتحدة من خطر تجسس الرادارات الروسية على طائرات “إف-35”. إلا أن روسيا قد تتلاعب بنظام الأسلحة بطريقةٍ تتعارض مع النوايا التركية. وقد يتوقف النظام عن توفير الأمن عند الحاجة الماسة إليه، أو قد يقوم باستهداف إحدى الطائرات دون موافقة أنقرة على ذلك. ولهذا السبب، قد تحتاج تركيا إلى ضماناتٍ أكثر من حلف الناتو لتجنب نقاط الضعف وللحد من الأعمال العدائية الروسية المحتملة. والأسوأ من ذلك هو أن وجود هذه المنظومة على الأراضي التركية من شأنه زيادة تكلفة ما يقدمه حلف الناتو من مساعدة.

مساحة محدودة للتفاوض مع الولايات المتحدة

Translation- nato
الجنرال الأمريكي جيمس جونز (يمين)، قائد قوات حلف الناتو في أوروبا، أثناء تحيته للجنود الأتراك وإلى جانبه قائد الجيش التركي حلمي أوزكوك (يسار) أثناء زياة جونز لأنقرة يوم ٣ سبتمبر ٢٠٠٣. المصدر: AFP PHOTO / STR / AFP.

كانت الإدارة التركية تتوقع التمتع بمساحةٍ تفاوضية كبيرة عند انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. إلا أن إمكانية استخدام منظومة صواريخ “إس-400” كورقة تفاوضية للحصول على النتائج المرجوة تبقى محدودة. وتوقعت الدوائر الحكومية التركية أن يكون ترامب منفتحاً – بحكم أنه رجل أعمال – على التفاوض بشأن عددٍ من الخلافات المستمرة منذ حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. وتتضمن قائمة الخلافات هذه دور وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، ووجود فتح الله غولن في الولايات المتحدة، وانتهاك المصرفي التركي محمد خاقان عطا الله للعقوبات الإيرانية. وقد تكون صفقة المنظومة الصاروخية مهمة للتفاوض على التوصل إلى تنازلاتٍ حول هذه الخلافات الثلاثة الرئيسية، وخاصة بالنظر إلى رد الفعل القوي من الولايات المتحدة إزاء محاولة تركيا سابقاً شراء صفقة صواريخ صينية.

ومنذ تنصيب ترامب حتى هذه اللحظة، أظهرت الولايات المتحدة استعدادها لفرض إجراءاتٍ عقابية في مفاوضاتها مع تركيا. وقامت واشنطن في أكتوبر 2017 بتعليق إصدار التأشيرات للمواطنين الأتراك بسبب خلاف حول احتجاز تركيا لموظفين دبلوماسيين أمريكيين. وتعتمد الولايات المتحدة على العقوبات الصارمة لأن هشاشة الاقتصاد التركي أصبحت أكبر مما مضى.

كما طبقت الولايات المتحدة عقوبات فردية على عضوين في مجلس الوزراء التركي وضاعفت الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم رداً على احتجاز القس الأمريكي أندرو برونسون في تركيا. ويبدو أن البلدين حالياً بصدد مواجهةٍ أخطر بسبب الصفقة الروسية.

ولم يشهد تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين في مرحلة ما بعد الحرب الباردة عقوباتٌ كتلك التي أعلنتها الولايات المتحدة رداً على صفقة منظومة “إس-400”. ولم تهدد الولايات المتحدة تركيا بتطبيق عقوبات “كاتسا” (قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات) فحسب، علماً بأن هذه العقوبات تهدف إلى وقف مبيعات الأسلحة الروسية، بل أنها هددت أيضاً بإنهاء مشاركة تركيا في برنامج طائرات “إف-35” المتقدمة. ويشكّل التهديد الأول خطراً حقيقياً على الاقتصاد التركي الهش بالفعل، بينما سيتسبب الأخير في الإضرار بشركات الأسلحة التركية. وإلى جانب ذلك، قام الحزبان الجمهوري والديمقراطي بصياغة قانون شراكة الطاقة والأمن لشرق المتوسط وتقديمه للكونغرس الأمريكي، علماً بأن هذا القانون يميل بدرجةٍ كبيرة إلى الجانب اليوناني في إطار التوازن بين تركيا واليونان في البحر الأبيض المتوسط. ويقترح هذا القانون رفع حظر الأسلحة المفروض على قبرص وتعزيز التعاون الأمني مع اليونان.

المخاوف الداخلية قد تدفع للمخاطرة

لفتت نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة وإعادة انتخابات بلدية إسطنبول الاهتمام إلى السياسة الداخلية التركية. فقد أصبح أكرم إمام أوغلو، العمدة المنتخب في إسطنبول، شخصية سياسية وطنية ناهيك عن أنه بات الآن بديلاً محتملاً للرئيس إردوغان. كما أصبحت المعارضة داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم أكثر وضوحاً مع ظهور منافسين محتملين آخرين كعلي باباجان وأحمد داود أوغلو. ولذلك، قد يخاطر الرئيس إردوغان بتحمل الآثار الضارة للعقوبات الأمريكية سعياً للحصول على دعم شعبي حاشد وبما يكفل إعاقة تقدم خصومه المحتملين.

وفي حال عدم وقوع تغيير مفاجئ في موقف تركيا، فإن المفاوضات ستمضي قدماً باتجاه تسليم روسيا لمنظومة صواريخ “إس-400” في يوليو بالتزامن مع فرض الولايات المتحدة للعقوبات على أنقرة. وقد يتسبب الاحتمال الأخير في رسم مسارٍ تبعي تمضي فيه تركيا وتصبح من خلاله أكثر اعتماداً على صناعة الأسلحة الروسية. وقد تضطر تركيا إلى شراء المزيد من الأسلحة الروسية بسبب عدم وصولها إلى مخزون الناتو من الأسلحة الحيوية. ويجري النقاش في الوقت الراهن داخل تركيا حول شراء طائرات “سوخوي-35” أو “سوخوي-57” في حال تم إلغاء صفقات طائرات “إف-35”.

ويختم ييغين مقالته بالتالي: “لن تؤثر العقوبات الأمريكية بالسلب على اقتصاد تركيا فحسب، بل أنها ستوفر كبش فداء ليُلام على الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا (وهو الولايات المتحدة والناتو). وربما يتسبب هذا الموقف في تأجيج المشاعر المعادية للغرب بين صفوف الشعب التركي على نحوٍ يتعذر علاجه. وقد تفرض معارضة الجماهير في تركيا قيوداً على التعاون مستقبلاً بين أنقرة وحلفاء آخرين في الناتو، حتى وإن كانت العلاقة قائمة على المصالح المتبادلة”.