المصدر: https://www.theglobalist.com/erdogan-akp-turkey-kurds-democracy/
نشر موقع “The Globalist” مقالةً استعرضت تلافيف الصراع المحتدم على منصب عمدة مدينة إسطنبول ومدى تأثير هذا المنصب على ديناميكيات السياسة في تركيا. ويقوم صاحب المقالة سونر تشاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، بتفسير أسباب تمسك الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بحصول حزبه على هذا المنصب الحساس وفرضه لإعادة الانتخابات. كما يسلّط صاحب المقالة الضوء على الطرق التي قد يلجأ إليها إردوغان لضمان فوز مرشح حزبه في الجولة القادمة ومنها احتمال استغلال الرئيس التركي لقضايا خارجية وخارجية تضمن حشد أكبر قدرٍ ممكن من الدعم. ومن القضايا الخارجية التي قد يلجأ إليها إردوغان النزاع الدائر على مستوى الحدود البحرية مع قبرص. أما القضايا الداخلية فتتضمن ملف الأكراد والتطورات الحاصلة على وضع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان.
ويبدأ تشاغابتاي مقالته بالإشارة إلى عدم قدرة إردوغان على تحمّل خسارة إسطنبول نظراً لما تتمتع به هذه المدينة من أهمية في تشكيل المشهد السياسي التركي. وليس هناك مثالٌ أفضل على مكانة إسطنبول الحيوية من المسيرة الطويلة التي خاضها إردوغان نفسه للوصول إلى سدّة الرئاسة التركية، إذ بدأ الرئيس التركي هذه الرحلة بتوليه لمنصب عمدة المدينة.
ويمكن القول إن رئيس حزب الشعب التركي قد يشكل تحدياً لإردوغان في الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في عام ٢٠٢٣ إذا ما تمكن أكرم إمام أوغلو من المحافظة على فوزه بمنصب عمدة المدينة.
وعلاوة على ذلك، فقد وصلت مساهمة إسطنبول في الاقتصاد التركي البالغ حجمه ٢.٣ تريليون دولار أمريكي إلى نحو الثلث منذ عام ٢٠١٨. ويعني هذا الأمر أن المدينة تلعب دوراً أساسياً في تحريك آلة أردوغان السياسية، ناهيك عن صنعها لشبكاتٍ داعمة وموالية له داخل مجتمع الأعمال.
ويرى تشاغابتاي أن إردوغان سيلعب بطريقةٍ أذكى في فترة ما قبل الانتخابات المقرر عقدها في الثالث والعشرين من شهر يونيو المقبل. وعلى ضوء نتائج انتخابات مارس التي تم إلغاؤها، فقد بدا بصورةٍ واضحة أن رأي الرئيس التركي استقر على أن التكلفة المالية والسياسية لخسارة إسطنبول ستكون أكبر من الشرعية التي سيخسرها محلياً ودولياً بفرض إعادة الانتخابات.
ويلمح أردوغان بالفعل إلى سباقٍ غير تقليدي حتى بالمقارنة بالمعايير الديمقراطية التركية المتراجعة مؤخراً. وقام الرئيس التركي في الخطاب البرلماني الذي نشره على أحد حسابات شبكة “بي بي سي” يوم ٧ مايو الماضي، بانتقاد ما سمّاه “الدوائر السوداء، والمخربين الاقتصاديين، وما يُعرف بالنخبويين”، مشيراً إلى أن هؤلاء تعاونوا معاً “لسلب الأمة إرادتها”.
ويشير هذا النوع من اللغة الخطابية إلى إمكانية استخدام الرئيس التركي لما يتمتع به من سيطرة على المحاكم التركية ووسائل الإعلام وهيئات مراقبة الانتخابات وغيرها من المؤسسات لاستهداف أعضاء المعارضة وكوادر الحملة الانتخابية، بل وحتى إمام أوغلو نفسه باعتباره “مجرماً”.
وسيكون تزوير الانتخابات على نطاق واسع أمراً صعباً بالتأكيد نظراً لرسوخ المعارضة التركية والمجتمع المدني.
ويرى تشاغابتاي أن رغبة أردوغان في تغيير نتائج الانتخابات قوية للغاية وقد تصل إلى تعليق بعض الحريات الديمقراطية المحددة لتعزيز فرص تولي مرشحه لمنصب عمدة إسطنبول، لافتاً إلى أن الرئيس التركي يستخدم قضايا الأمن القومي كذريعة لتحقيق هذا الهدف.
من منظور السياسة الخارجية
يرى صاحب المقالة أن إردوغان قد يستخدم ورقة الأزمات الأمنية خارجياً لقلب معادلة الانتخابات إلى صالحه، ويأتي استخدام هذه الورقة إلى جانب وصف الرئيس التركي لخصومه بـ “أعداء الدولة”.
ومن الأمثلة التي يمكن استخدامها في هذا المجال أزمة تركيا الوليدة مع قبرص على مستوى حق التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط. وقد يتم هنا تصعيد النزاعات المرتبطة بالحدود البحرية إلى حد المواجهة بين البلدين، وهو ما سيؤدي إلى تبطين وحماية القاعدة الوطنية التي يتمتع بها أردوغان.
كما أن مواجهة الأتراك لقوات نظام الأسد في سوريا قد تحقق الغاية نفسها.
وقد يحاول أردوغان إثارة حماس قاعدته التي تنتمي للإسلام السياسي المحافظ وحشدها لصالحه مستغلاً التصعيد الأخير بين حماس في قطاع غزة وإسرائيل، خاصةً وأن التحضير لجولة الإعادة المقرر في ٢٣ يونيو القادم يتقاطع مع شهر رمضان المبارك الذي عادةً ما تزداد فيه حساسيات المسلمين.
من زاوية البوابة الكردية
يمثل استغلال زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان خياراً آخر للتفريق بين الأصوات المناصرة لحزب الشعوب الديمقراطي ومعسكر إمام أوغلو.
ويقبع أوجلان في السجن منذ عام ١٩٩٨، وهو يعيش منذ سنوات في حبسٍ انفرادي. إلا أن إردوغان سمح له في السادس من إبريل الماضي بمقابلة محاميه للمرة الأولى منذ ثماني سنوات.
وعلى الرغم من قيادته لجماعةٍ تم تصنيفها ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، فإن أوجلان يتمتع بشعبيةٍ كبيرة لدى قاعدة حزب الشعوب الديمقراطي، علماً بأنه دعاهم في بيانٍ صدر عنه مؤخراً إلى تحسين علاقتهم بالرئيس التركي.
وتمثل سوريا الميدان الذي قد يتوصل أردوغان وأوجلان بشأنه إلى اتفاقٍ كبير. وتتفاوض أنقرة مع قوات حماية الشعب الكردية حالياً، وهي الحليف السوري لحزب العمال الكردستاني، بخصوص إنشاء منطقة آمنة تدعمها الولايات المتحدة بمحاذاة الحدود.
وفي الوقت الذي لم يطلب فيه أوجلان في بيانه صراحةً من ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي سحب دعمهم لإمام أوغلو، إلا أنه قد يطلب منهم ذلك (أو قد يأمرهم ببساطة بالبقاء في منازلهم يوم الانتخابات). وقد يكون ذلك في مقابل إتمام أردوغان لاتفاقه مع وحدات حماية الشعب، أو تخفيف حبس أوجلان الانفرادي.
وقد يأمر إردوغان يأمر بغزو المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب في شمال سوريا إذا ما باءت المفاوضات المتعلقة بالمنطقة الآمنة بالفشل، وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى خلق أزمة أمنية قومية جديدة سيستغلها الرئيس التركي في معركته ضد إمام أوغلو.
عودةٌ بالزمن إلى عام ١٩٤٦؟
قد يأمر إردوغان بإلغاء ذات الانتخابات المقرر عقدها في ٢٣ يونيو المقبل إذا لم يكن أياً من التدابير السابق ذكرها كافياً لضمان نجاح مرشحه.
ويبقى إلغاء نتائج فوز المعارضة في إسطنبول حدثاً جللاً في التاريخ التركي. فعندما شهدت تركيا عقد أول انتخاباتٍ تعددية في عام ١٩٤٦، فإن النتائج التي تم تزويرها بشكلٍ فج جعلت ديمقراطية هذه الدولة تبدو وكأنها أكذوبة كبيرة.
وتقدمت تركيا بسرعة بعد هذه الأزمة، وأجرت انتخابات حرة ونزيهة لأعوام عديدة منذ عام ١٩٥٠. إلا أن قرار إعادة الانتخابات وتداعياته المقبلة قد يعود بمؤسسات البلاد إلى عام ١٩٤٦.