وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تنامي التوترات بين السعودية ومصر

التوترات بين الحليفين السابقين الجابر الصباح السيسي سلمان
من اليسار إلى اليمين، أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل السعودي الملك سلمان، أثناء حضورهم تدريباتٍ عسكرية في حفر الباطن، المملكة العربية السعودية، 10 مارس 2016. Photo Saudi Press Agency via AP

منذ قيام الثورة المصرية عام 1952، اتسمت العلاقات السعودية- المصرية بالودية وشهدت في بعض الأوقات تعاوناً كبيراً، إلا أنها دائماً ما وجَهتها الشكوك المتبادلة. فعلى سبيل المثال، في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر، تعاونت الجمهورية، التي أسست حديثاً، مع المملكة السعودية للحدّ من وصول حلف بغداد، الذي شعروا أنه صمم لزيادة نفوذ الهاشميين في العراق. ونتيجةً لذلك، وقعت الدولتان معاهدةً عسكرية ثنائية في عام 1955، منعتا بموجبها الأردن، بنجاح، من الإنضمام إلى حلف بغداد.

ومع ذلك، تسببت الطبيعة العسكرية للنظام، الذي أطاح في وقتٍ سابق بالملك المصري فاروق والترويج للقوى المناهضة للملكية في العالم العربي، بتخوّف السعوديين. وبالإضافة إلى ذلك، تحوّل عبد الناصر بشكلٍ متزايد نحو إنشاء تحالفٍ مع الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى تفاقم المخاوف السعودية. وهكذا، مثلت مصر في عهد جمال عبد الناصر، حركة عدم الانحياز والأيديولوجية القومية، إلى جانب تأييد العلمانية والنظام الجمهوري. وفي المقابل، دعم السعوديون الملكية المُطلقة والثيوقراطية الإسلامية وانضموا للمعسكر الذي تترأسه حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى.

تحولت هذه الاختلافات الايديولوجية الرئيسية إلى مزاحمةٍ رسميةٍ بين البلدين، والتي أصبحت منصةً من منصات الحرب الباردة، إذ تجلت، في نهاية المطاف، في الحرب الأهلية شمال اليمن. وفي عام 1962، خلع الجمهوريون الثوريون بقيادة الجيش الذي كان يتزعمه عبدالله السلال، وبدعمٍ من جمال عبد الناصر، الإمام المتوّج حديثاً، محمد البدر حميد الدين، إمام المملكة المتوكلية اليمنية الموالية للسعودية.

بدأ الدفء يعود إلى العلاقات مرةً أخرى في عهد الرئيس أنور السادات، سيما بعد أن أصدر قراره بطرد 20 ألف مستشار عسكري سوفيتي من مصر عام 1972، بينما تحولت مصر نحو المعسكر الغربي، إلى جانب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. تحسنت العلاقات بشكلٍ أكبر في ظل حسني مبارك بسبب ديكتاتوريته المحافظة التي كانت متحالفة بشكلٍ وثيق مع الولايات المتحدة، حليفة المملكة العربية السعودية أيضاً. ولم يعد نظام مبارك يُشكل أي تهديدٍ أيديولوجي أو سياسي للمملكة، وتمثل التنافس الوحيد بين البلدين بمسألة التفوق في العالم العربي، بشكلٍ عام، وبين حلفاء الولايات المتحدة العرب على وجه الخصوص. وفي يوليو 2013، بعد ساعتين فحسب من إعلان الجنرال عبد الفتاح السيسي الإطاحة بالرئيس محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين، أعلن العاهل السعودي الملك عبد الله تأييده لهذه الخطوة. وكانت رسالة تهنئة الملك أول وأسرع مباركةٍ خارجية للإطاحة بمرسي، والتي أعقبها مكالمة هاتفية بين الزعيمين، التي أيضاً بثتها المملكة علناً.

وفي عام 2014، خرج المصريون إلى صناديق الاقتراع لتحديد الفائز في الانتخابات الوطنية. انحصر الخيار بين السيسي، الذي ترك الجيش للترشح للانتخابات، والمرشح الرئاسي اليساري السابق حمدين صباحي. حصد السيسي ما نسبته 96,1% من الأصوات. وفي عام 2015، باشرت مصر بالمراحل الأخيرة من المرحلة الانتقالية التي بدأت بالإطاحة بمرسي عام 2013.

ومع ذلك، لم يدم شهر العسل طويلاً. فبعد أشهرٍ فحسب من تنصيب السيسي، تم تسريب تسجيل صوتي للرئيس، والذي يُزعم أنه سُجل أثناء توليه منصب وزير الدفاع. سُمع يقول أن “الخليجيين عندهم فلوس زي الرز.” التسجيل، الذي نُشر على موقعٍ إلكتروني للإخوان المسلمين، والذي لم يؤكده أو ينفيه النظام المصري، أشار إلى بداية ما تطور فيما بعد، بعد عامين بالتحديد، إلى أزمةٍ سياسيةٍ غير رسمية.

وفي الفترة ما بين بث التسجيل الصوتي والعلاقات الحالية المتوترة، ترسم سلسلة من الأحداث مسار النزاع بين البلدين. أولها وليس آخرها، الوضع في سوريا.

ففي مارس 2015، أعلن السيسي خلال قمة الجامعة العربية أن لديه رسالة من الرئيس الروسي، حيث طلب من نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية قراءتها. احتج وزير الخارجية السعودي آنذاك، الراحل سعود الفيصل قائلاً: “الروس يتكلمون عن مآسٍ تحدث في سوريا بينما هم جزءٌ أساسي من المآسي التي تمس الشعب السوري. هل نقل رسالتهم يعتبر استخفافاً بآراء ومصالح الشعوب العربية؟ أم عدم شعورٍ بالكارثة التي حلت بالأشقاء في سوريا من جراء الأسلحة الروسية؟”

وعلى ما يبدو، كشفت هذه الحادثة الصغيرة النقاب عن خلافٍ أكبر بين البلدين حول أولويات الأزمة السورية. فبينما تصر السعودية على الحاجة المُلحة لإسقاط الرئيس السوري من السُلطة كمفتاحٍ لحل الأزمة، فإن تخوف مصر من تنامي الإسلاموية يُجبرها على التأكيد على ضرورة إضعاف والقضاء على الجماعات المسلحة الإسلامية المتطرفة والحفاظ على الجيش السوري.

وعلاوة على ذلك، في سبتمبر 2016، وعلى هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، نظمت السعودية اجتماعاً لمناقشة العمل الإنساني في سوريا. مصر، الدولة العربية الوحيدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (مجلس الأمن الدولي)، والتي تتحمل المسؤولية عن البُعد الإنساني للأزمة السورية داخل المجلس، لم تشارك، إذ يزعم المسؤولون المصريون عدم دعوتهم للإجتماع.

وفي الشهر التالي، وخلال اجتماع مجلس الأمن حول سوريا، صوتت مصر بدايةً لمقترحٍ فرنسي، دعمته الحكومات الغربية وتركيا ودول الخليج، إلا أن روسيا أبطلته باستخدام حق النقض (الفيتو). صوتت مصر فيما بعد لصالح مشروع القرار الروسي، الذي قُدم بدايةً بالتعارض مع مشروع القرار الفرنسي، الذي دعا لوقفٍ فوري لإطلاق النار ومرور المساعدات الإنسانية، وتعرض لانتقادات شديدة من قِبل جميع الدول الغربية والخليجية. وفي بيانٍ مقتضبٍ للصحافة، قال ممثل المملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي، “إنه لأمرٌ مؤلم أن تكون للسنغال وماليزيا مواقف أقرب إلى الإجماع العربي، من ممثل العرب في مجلس الأمن،” فيما اعتبر توبيخاً مستتراً لممثل مصر. وفي نوفمبر 2016، وفي أول زيارة خارجية علنيه له منذ خمس سنوات، التقى علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، بمسؤولين مصريين لبحث دعم مصر العلني للنظام السوري. وفي 24 نوفمبر 2016، صرّح الرئيس المصري علناً عن دعمه للقوات المسلحة السورية في معركتهم ضد الإرهابيين، وهو موقفٌ يناقض إلى حدٍ كبير ممالك الخليج. وعلاوة على ذلك، ذكرت صحيفة السفير  2016اللبنانية، المعروفة بقربها من النظام السوري، أن الجيش المصري قد أرسل بالفعل وحدة مكونة من 18 طياراً إلى سوريا في 12 نوفمبر.

كما يدور خلافٌ آخر بين البلدين حول التدخل العسكري في اليمن. ففي مارس 2015، أعلنت السعودية إنطلاق عملية عاصفة الحزم. وعلى الرغم من إعلان مصر مشاركتها في العملية بقوات بحرية وجوية، اعتبرت مشاركتها ضعيفة، إذ كان من المتوقع أن يكون لمصر دور أكثر بروزاً.

وعلاوة على ذلك، في أغسطس 2016، عُقد مؤتمرٌ حول الإسلام السُني في الشيشان، وحضره شيخ الأزهر، المنصب الأعلى للتعليم السُنيّ ومقره القاهرة، ومفتي مصر السابق. أغضب البيان الختامي للمؤتمر، الذي استثنى السفلية والوهابية؛ فرعٌ من الإسلام السُني يتبعه غالبية السعوديين، من قائمة “أهل السُنة والجماعة،” السياسيين ورجال الدين في المملكة العربية السعودية. وفي بيانٍ لاحق صادر عن الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، استنكرت المملكة توصيات المؤتمر وقالت أنها تهدف إلى زيادة الطائفية بين الجماعات الإسلامية المختلفة في العالم.

وفي أبريل 2016، وصل العاهل السعودي الملك سلمان إلى القاهرة في زيارةٍ تهدف إلى تعزيز العلاقات مع نظيره المصري ومبشرةً بمساعداتٍ واستثمارات جديدة. كما وافقت أرامكو السعودية، المملوكة للدولة، على تزويد الشركة المصرية العامة للبترول، بـ700 ألف طن من المنتجات النفطية المكررة شهرياً، في صفقة تستمر لخمس سنوات بقيمة 23 مليار دولار. وفي المقابل، عاد العاهل السعودي إلى مملكته بجزيرتين في موقعٍ استراتيجي في البحر الأحمر. وأعلن مجلس الوزراء المصري أنه تم نقل سيادة الجزرتين غير المأهولتين، تيران وصنافير عند مدخل خليج العقبة، إلى المملكة العربية السعودية.

أثار نقل سيادة الجزيرتين احتجاجاتٍ في وسط القاهرة. كانت تلك الاحتجاجات الأكبر في مصر منذ عامين، واعتبرت التحدي الشعبي الأكثر أهمية للسيسي من قِبل نشطاء مناهضين لحكومته منذ ولايته. ومع ذلك، وفي تحولٍ غير متوقع للأحداث، أحبطت المحكمة الإدارية العُليا مخطط الرئيس، ملغيةً اتفاقية ترسيم الحدود المثيرة للجدل والتي كان من شأنها إضفاء الصفة الرسمية على نقل سيادة الجزيرتين.

وأخيراً، في أكتوبر 2016، وفيما اعتبر تصعيداً للخلاف من الجانب السعودي، ويرجع ذلك أساساً إلى تقرب السيسي الصريح ودعمه المتزايد للأسد، أبلغت أرامكو السعودية رسمياً وزارة البترول المصرية عدم تسليم شحنة هذا الشهر من المنتجات النفطية، رافضةً توضيح سبب هذا التعليق. ورداً على ذلك، طرحت الوزارة مناقصةً للموردين الدوليين لتلبية الطلب المحلي.

وحتى الآن، وجدت مصر دائناً بديلاً في صندوق النقد الدولي، الذي وافق على منحها 12 مليار دولار، على شكل قروض مُيسرة لمدة ثلاث سنوات. ويهدف ذلك إلى دعم برنامج الإصلاح الحكومي الذي يهدف إلى سد العجز في الميزانية وإعادة التوازن في أسواق العملات. ومع استمرار اشتعال الحروب في سوريا واليمن، ومعاناة الاقتصاد المصري من الفوضى، يبقى أن نرى إلى أين سيصل مصير العلاقات بين مصر والسعودية.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles