صوفيا أكرم
تحرّك وزير الخارجية الأمريكي مايك بامبيو، يوم الأحد الموافق العاشر من يناير 2021- كإجراءٍ في الأيام الأخيرة لإدارة ترمب الحالية- لتصنيف جماعة الحوثي الشيعية الزيدية جماعةً إرهابية، مما أثار غضب المجتمع الإنساني. وفي هذا الصدد، قالت المنظمات غير الحكومية الدولية أنّ بلداً يُقال أنه يعاني من واحدةٍ من أسوء الأزمات الإنسانية في العالم ينبغي أن يُمنح تدابير تجعل عمل المساعدات أسهل لا أصعب. ومن المفترض أن تستهدف هذه الخطوة إثارة غضب إيران، وذلك قبل تولي جو بايدن منصبه. وبدلاً من مد يد العون للمدنيين اليمنيين الذين يقفون قاب قوسين أو أدنى من المجاعة، يمكن أن يؤدي هذا القرار إلى صراعٍ أعمق في المنطقة.
وعليه، سيتم تصنيف جماعة الحوثي، التي باتت اليوم تُسمى أنصار الله، وثلاثة من قادتها جماعة إرهابية أجنبية وكيان إرهابي عالمي مخصص.
وأوضح بومبيو أن القرار اتخذ من أجل “محاسبة أنصار الله على أعمالهم الإرهابية، بما فيها الهجمات العابرة للحدود التي تهدد السكان المدنيين والبنية التحتية والشحن التجاري.”
وقد يعني هذا وضع الجماعة على القائمة السوداء قُبيل تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن ما لم يتحرك الكونجرس لمنع هذه الخطوة في غضون سبعة أيامٍ بموجب القانون. بيد أن هذا الاحتمال ينافس جذب الانتباه من أولئك في كابيتول هيل الذين يستثمرون كل الجهد والوقت لمحاكمة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في أعقاب أعمال الشغب التي اندلعب في مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021.
وبحسب منطق بومبيو فإن الحوثيين “قادوا حملةً وحشية تسببت في قتل الكثير من الناس ويستمرون في زعزعة استقرار المنطقة ويحرمون اليمنيين من التوصل إلى حل سلمي للصراع الدائر في بلدهم،” كما أشار في خطابه إلى الهجوم الذي وقع على مطار عدن في 30 ديسمبر 2020 وأسفر عن مقتل 26 شخصاً بُعيد وصول حكومة الوحدة اليمنية الجديدة. وبينما أشار العديد بأصابع الاتهام إلى الحوثيين، إلا أن الجماعة نفت ضلوعها بالهجوم.
علاوةً على ذلك، فجّر وزير الخارجية والرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية في إعلانه قائمة الجماعات الإرهابية جملةً من القرارات المدوّية الأخرى لتحملها أكتاف الإدارة المُقبلة، بما في ذلك إعادة تصنيف كوبا ضمن الدول الراعية للإرهاب، ورفع القيود المفروضة على التواصل مع تايوان، مما أثار غضب الصين. وفي خطوةٍ أخرى لإبعاد الولايات المتحدة عن إيران، أدلى بومبيو بتصريحاتٍ زعم فيها وجود علاقة بين إيران والقاعدة على الرغم من العلاقات السُنيّة -الشيعية التي تحدد هذه العلاقة المزعومة والتي عادةً ما تكون على خلاف.
ومن الجدير بالذكر أن الصراع في اليمن محتدمٌ منذ عام 2014، عندما أطاح المتمردون الحوثيون الزيديون بالحكومة في أعقاب حلٍ غير مُرضٍ لمشاكلهم بعد الربيع العربي عام 2011.
وعليه، تدخل تحالفٌ دولي بقيادة المملكة العربية السعودية في الصراع عام 2015 لدعم حكومة هادي السُنيّة، مما أدى إلى تصعيد العنف وسبب دماراً للسكان المدنيين اليمنيين.
من جهتهم، تلقى الحوثيون، الذين شكلّوا حكومة الإنقاذ الوطني غير المعترف بها في صنعاء، بعض الدعم من عناصر إيرانية، ولكن في حين غالباً ما يُطلق على هذه الحرب حرباً بالوكالة بين السعودية وإيران، إلا أن العديدون يرفضون هذه التسمية.
وبحسب ما قاله سينا توسي، محللٌ بارز في المركز الوطني الإيراني الأمريكي متحدثاً لفَنَك: “من السذاجة والخطأ القول إن الحوثيين جماعةٌ تعمل بالوكالة وتخضع بشكلٍ لا إرادي لمطالب إيران.”
وأضاف توسي، “من المهم أن نتذكر أن الحوثيين جماعةٌ سياسية محلية تُمثل دائرة كبيرة من الأنصار في اليمن، وهي الشيعة الزيدية، وهي فرعٌ من فروع الشيعة الممارسة في إيران.” وتابع القول، “كان لهذه الدائرة من الأنصار مظالمها الخاصة داخل اليمن ومظالم مرتبطة بالمملكة العربية السعودية منذ سنوات دون أي سببٍ يتعلق بإيران.”
وقبل رئاسة ترمب، زعم مسؤولو المخابرات الأمريكية أن إيران كانت تثني الحوثيين عن الاستيلاء على العاصمة صنعاء والإطاحة بحكومة هادي، مما أثار الشكوك حول مدى سيطرة إيران على اليمن.
وفي هذا الصدد، قال توسي: “توطدت علاقة إيران مع الحوثيين كنتيجةٍ مباشرة للحرب السعودية في اليمن،” وأضاف: “مع استمرار الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، تعمقت علاقات إيران مع الحوثيين وطور الحوثيون ترسانة أسلحة أكثر حداثة، بما في ذلك صواريخ تم تطويرها داخل الأراضي اليمنية بمساعدة إيرانية على ما يبدو.”
وعلى الطرف الآخر، امتد دعم الولايات المتحدة في الحرب ليشمل بيع الأسلحة وتقديم الدعم اللوجستي للتحالف الدولي الذي يقاتل الحوثيين، مما يجعل اتحاد أمريكا الشمالية على الأرجح متواطئاً في جرائم حرب، وفقاً للأمم المتحدة.
كما أشار المسؤولون الأمريكيون في السابق إلى وجود شكلٍ محتمل من أشكال التعاون مع الحوثيين حيث ساعدت الجماعة الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم القاعدة.
أما فيما يتعلق بالعلاقات بين طهران وواشنطن، أدى انسحاب ترمب من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 إلى تدهورها. فقد صُمم الاتفاق الذي تمت الموافقة عليه على نطاق واسع للحث على فرض قيود على برنامج تخصيب اليورانيوم في البلاد مقابل رفع العقوبات. وبدلاً من ذلك، استخدمت إدارة ترمب الاتفاقية لفرض قيود إضافية على البرنامج وإعادة فرض العقوبات للضغط على إيران للامتثال لشروطها؛ الاستراتيجية التي فشلت في الحصول على مثل هذه التنازلات من قِبل الجمهورية الإسلامية.
واليوم، يريد بايدن جسر العلاقات مع إيران وإعادة النظر في دور الولايات الأمريكية المتحدة في الصراع اليمني مع احتمال تقليص الدعم.
ومن الواضح أن الجهود الأخيرة لوزير الخارجية تهدف إلى التشويش على نوايا الزعيم الديمقراطي. وفي الوقت نفسه، شكك دبلوماسيون سابقون في تصنيف الحوثيين كجماعةٍ إرهابية، قائلين إنه من المحتمل أن يُنظر إلى هذه الخطوة بكونها تنطوي على دوافع سياسية ويمكن أن تقوّض المصداقية عندما يتعلق الأمر بمكافحة الولايات المتحدة للإرهاب.
كما يمكن أن تجعل الحصول على المساعدة في المواقف الأكثر خطورة أمراً أكثر صعوبة، على الرغم من وعد بومبيو بإصدار تراخيص للمنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون حيث يعيش 70% من اليمنيين.
وقالت عبير عطيفة، المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في الشرق الأوسط، “إن التصنيف يهدد بتقليص المساحة والوصول لتقديم المساعدة الإنسانية.”
وتقول الأمم المتحدة إن 233 ألف شخص لقوا حتفهم نتيجة الصراع في اليمن، واصفةً إياه بأنه أكبر أزمةٍ إنسانية في العالم تقترب من المجاعة.
وأضافت عطيفة، “لا تعمل الاستجابة الإنسانية في فراغ: فنحن نعمل مع البنوك والتجار ومتعهدي النقل، الذين لديهم بدورهم صلات بشركات التأمين العالمية وما إلى ذلك.”
من جهتها، كتبت مجموعة الأزمات الدولية في بيانٍ لها على موقعها الإلكتروني: “من المرجح أن يصبح الحوثيون أكثر عدوانية ويعوضون عن أي دخل يخسرونه من فرض ضرائب على الأسواق المحلية من خلال زيادة الرسوم الجمركية على السلع، مما يدفع تكلفة المعيشة إلى مستويات غير مستدامة لليمنيين العاديين،” وأضاف البيان أن ذلك قد يدفع الحوثيين أيضاً إلى الاعتماد بشكلٍ أكبر على إيران، ومن غير المرجح أن يدفعهم نحو طاولة المفاوضات.
وقال براء شيبان، العضو السابق في مؤتمر الحوار الوطني اليمني، “لم يتمكن المجتمع الدولي من ممارسة ضغوط قابلة للتطبيق وفعالة على الحوثيين لأنهم لا يملكون أي نفوذ عليهم،” إذ يعتقد شيبان، الذي يؤيد هذا التصنيف، أن هذا قد يجبر الحوثيين على تقديم تنازلات.
ومع ذلك، يقول البعض إن تصنيف الحوثيين على قائمة الجماعات الإرهابية لن يمسهم، ذلك أن الجماعة لا تنشط خارج حدود اليمن، وبالكاد سيكون لها أي تأثيرٌ يذكر على إيران.
فقد كان عرض بومبيو للروابط الباطلة بين إيران والقاعدة في فعالية أقيمت في نادي الصحافة الوطني هو المحاولة الثانية للقيام بذلك منذ عام 2017 عندما أذن بومبيو برفع السرية عن ملفات بن لادن لمحاولة تحديد وجود أي صلة بين الجماعة الإرهابية [القاعدة] وإيران.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة لتأطير إيران وحلفاء إيران كأعداء للولايات المتحدة، إلا أن جهودهم قوبلت بالغضب بين أعضاء الكونجرس، وفي حال عدم عرقلتهم هذه الخطوة، فسيتطلع الكثيرون إلى بايدن لإبطال التصنيف. ومع ذلك، قد يؤدي إهمال اتخاذ مثل هذه الخطوة إلى تعميق المشاكل في المنطقة.