في 17 سبتمبر 2019، توجه الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع للمرة الثانية خلال خمسة أشهر، ومع ذلك، كانت النتائج متشابهة إلى حدٍ كبير. في الواقع، قلة من التغييرات، إن وجدت، كانت متوقعة، رغم أنه كان من المأمول أن تؤدي عددٌ من عمليات الدمج للأحزاب المخصصة إلى فائز واضح.
كان هذا هو الحال على وجه الخصوص لدى اليسار. فخوفاً من أن حزبيهما، حزب العمل وميرتس، لن يحصلا على ما يكفي من الأصوات لتجاوز عتبة الـ 3,25% المطلوبة لدخول الكنيست (البرلمان)، أدى ذلك إلى انضمام أعضاء بارزون في حزب العمل، إلى جانب رئيس الوزراء السابق إيهود باراك وحزبه، حزب الاستقلال، إلى ميرتس لإنشاء الاتحاد الديمقراطي.
فقد كان ميرتس، دون أدنى شك، يشعر بالقلق من عدم تجاوزه العتبة في حال ترشحه مستقلاً، حيث حصل على دعمٍ إضافي من العرب الإسرائيليين في انتخابات أبريل. كان هذا في المقام الأول بسبب حقيقة أن الأحزاب العربية الأربعة خاضت الانتخابات بشكل منفصل، وكانت نسبة المشاركة العربية منخفضة.
ففي انتخابات سبتمبر، عادت الأحزاب العربية إلى خيار قائمتها المشتركة ما قبل أبريل. وكانت النتيجة إقبالاً أكبر للناخبين العرب و13 مقعداً في الكنيست المؤلف من 120 مقعداً، بزيادة ثلاثة مقاعد عن أبريل. وبالفعل، خسر ميرتس العديد من الأصوات العربية السابقة، ويعزى ذلك جزئياً إلى العداء العربي تجاه باراك بسبب الظلم الذي حدث تحت قيادته في عام 2000.
كما فاز الاتحاد الديمقراطي بخمسة مقاعد في شهر سبتمبر، أي بمقعدٍ واحد أكثر من شهر أبريل، ولم يتجاوز حزب العمل، أحد الأحزاب الرئيسية في إسرائيل، مقاعده الست السابقة، على الرغم من الوعود التي قدمها الزعيم الجديد والمناصر منذ الأزل لحزب العمل، عمير بيرتس، بالظفر بمقاعد من رقم يتكون من خانتين.
وكانت هناك أيضاً تحالفاتٌ على اليمين، حيث انضمت الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى تشكيلات مختلفة نوعاً ما عن أبريل. ولكن على الرغم من التغييرات التي طرأت على كل من اليسار واليمين، أسفرت الانتخابات مرةً أخرى عن طريقٍ مسدود، حيث لم تتمكن أي كتلة من الفوز بالأغلبية البرلمانية البالغة 61 مقعداً.
وبموجب القانون الإسرائيلي، يتمتع الرئيس بثلاثة خيارات: مطالبة الحزب الذي يمتلك أفضل فرصة جمع 61 مقعداً (عادة أكبر حزب)؛ إذا فشل ذلك، فيمكنه اللجوء إلى ثاني أكبر حزب؛ وإذا فشل كلا الخيارين، يلجأ لأي فرد في الكنيست يمكنه جمع المقاعد اللازمة.
وعليه، منح الرئيس ريئوفين ريفلين لحزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، بمقاعده الـ32 (مقارنة بـ 33 مقعداً لحزب أزرق أبيض برئاسة بيني غانتس)، فرصة تشكيل ائتلاف. ومع ذلك، لم يتمكن نتنياهو من جمع أكثر من 55 مقعداً. وفي 21 أكتوبر، أعاد نتنياهو التفويض إلى ريفلين الذي كلف بدوره غانتس.
في ضوء الميول المنقسمة نحو الوسط ويمين الوسط التي عبر عنها الناخبون، اقترح ريفلين أصلاً تشكيل حكومة وحدة وطنية من كلا الحزبين الرئيسيين، ورؤساء وزراء بالتناوب. وبما أن غانتس تعهد بالفعل بعدم المشاركة في حكومةٍ مع نتنياهو إذا تم توجيه الاتهام إلى زعيم الليكود – الذي يواجه تهم فساد متعددة – فإن خطة ريفلين كانت أن يتنحى نتنياهو مؤقتاً إذا تم توجيه الاتهام إليه.
رفض غانتس الخطة ودعا إلى إنشاء ائتلاف ليبرالي، يُفسر على أنه يعني استبعاد الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة بمقاعدها الـ16 مجتمعة. كما طفا خلافٌ بين غانتس ونتنياهو حول من سيخدم كرئيس للوزراء أولاً.
ولعدم قدرته على تشكيل حكومةٍ بحلول الموعد النهائي في 24 أكتوبر، كان بإمكان نتنياهو طلب تمديد المهلة. ومع ذلك، نظراً لاحتمالية رفض ريفلين التمديد، أعاد نتنياهو التفويض إلى الرئيس قبل أيام قليلة.
ويبدو أن غانتس لن ينجح أيضاً، مما يُعيد أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع السابق وزعيم حزب إسرائيل بيتنا، إلى الصورة. من خلال مقاعد حزبه الثمانية، أي أكثر بثلاثة مقاعد مما حصل عليه في أبريل، يحمل ليبرمان مفتاح ائتلافٍ مستقر ويطالب بحكومة وحدة وطنية مؤلفة من حزبه، وحزب أزرق أبيض والليكود. ومع ذلك، صرح بأنه لا يقبل بنتنياهو رئيساً للوزراء.
توقفت المفاوضات بسبب العديد من العطلات والأعياد التي أعقبت الانتخابات، مما يترك تهديد خوض جولة انتخابية أخرى يلوح في أفق البلاد.
العامل الحاسم الآخر هو جلسات الاستماع السابقة للمحاكمة التي حضرها نتنياهو في أوائل شهر أكتوبر، والتي حاول خلالها تجنب لائحة اتهامٍ بالفساد. سيقرر المدعي العام في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، وربما في غضون أيام، ما إذا كان سيتم توجيه الاتهامات له.
من الناحية التقنية، قد يظل رئيس الوزراء الحالي في منصبه حتى وإن تم توجيه إتهامٍ له، لكن كان هناك تكهنات بأن نتنياهو يعتقد أن التهمة الأكثر خطورة بالرشوة ستُسقط إذا كان بالفعل رئيس الوزراء المنتخب حديثًا. وعليه، تحرك بسرعة ليحشد الدعم لصالحه، بما في ذلك الحصول على التزاماتٍ مكتوبة من حزبه والأحزاب اليمينية المتطرفة بعدم التخلي عنه أو عن الليكود في عملية بناء الائتلاف.
وإذا لم يكن غانتس قادراً على تشكيل ائتلاف، فيمكن أن يُطلب من أي عضو في الكنيست قادر على الحصول على 61 مقعداً تشكيل حكومة. ولربما كان ليبرمان يأمل في الاستفادة من مثل هذا الاحتمال، ولكن ليحصل هذا، فلا بد من تعليق التعهدات التي قطعها لنتنياهو؛ إذ يجب أن تكون هناك انشقاقات من الكتلة اليمينية أو تمردٌ في الليكود لتنصيب شخصٍ آخر غير نتنياهو لقيادة الحزب. في ظل هذا السيناريو، من المحتمل أن يصبح غانتس قادراً على تشكيل حكومة أو على الأقل الموافقة على حكومة وحدة وطنية. ومع ذلك، فإن مثل هذه الانشقاقات تبدو غير مرجحة.
تعدّ هذه عمليةً معقدة وغير مسبوقة بالنسبة لإسرائيل، كما أن موقف نتنياهو القانوني غير المستقر يزيد الأمر تعقيداً. ومع ذلك، عكست كلتا الانتخابات نفس الرواية: فعلى الرغم من المعارضة واسعة النطاق لحكم نتنياهو المستمر (عشر سنوات وما زال مستمراً)، بيد أنه لا يوجد تفضيل علني واضح لأي شخص آخر. في الواقع، لم يقدم تحالف أزرق أبيض الذي أنشىء في محاولة لإسقاط نتنياهو أي سياسات مختلفة اختلافاً كبيراً، وبالتأكيد لم تكن بديلاً مقنعاً بما فيه الكفاية لحزب الليكود.
بمعنى آخر، يفضل الجمهور قيادة يمينية أو على الأقل قيادة يمين الوسط. ومع ذلك، فإن أكبر الخاسرين في كلتا الانتخابات هما ميرتس وحزب العمل. يمكن أن يطلب غانتس من ميرتس الانضمام إلى الإئتلاف – في الحقيقة سيحتاج إلى كل من ميرتس وحزب العمل – ولكن ليس من المؤكد موافقة ميرتس التواجد في حكومةٍ مع ليبرمان.
من جهتها، أبلت القائمة العربية المشتركة بلاءً حسناً في هذه الانتخابات وتشكل اليوم ثالث أكبر حزب، مما يدل على أن الناخبين العرب يريدون أن يكونوا جزءاً حقيقياً من المشهد السياسي. فقد عبرت معظم أحزاب القائمة المشتركة، وإن لم تكن كلها، عن استعدادها لدعم حكومة ائتلافية بقيادة غانتس، بيد أنه لا يزال بحاجة إلى سبعة مقاعد إضافية للظفر بالأغلبية.
من الناحية النظرية، كان بإمكان غانتس (أو أي شخصٍ آخر) تشكيل تحالف أقلية بدعمٍ من العرب من خارج الحكومة، كما فعل إسحاق رابين في التسعينيات. ومع ذلك، صرح غانتس في الماضي إنه لن يعمل مع الأحزاب العربية، ومن المرجح أن يرفض ليبرمان، بالنظر إلى مواقفه القومية (والعنصرية في كثير من الأحيان)، مثل هذه الحكومة أيضاً. وهكذا، يبدو هذا الخيار بعيد المنال ومن غير المرجح أن يدعمه ليبرمان والعديد من الأعضاء الآخرين في الكنيست.
في وقت كتابة هذا المقال، تبدو الجولة الثالثة من الانتخابات حتمية تقريباً. يترك هذا البلاد مع حكومة تصريف أعمال لا تراوح مكانها ودون ميزانية، على الرغم من أن أعضاء الكنيست المنتخبين في 17 سبتمبر قد أدوا اليمين الدستورية.
ولا تزال هناك الكثير من الأسئلة المطروحة، ولربما يكون أكثرها إلحاحاً هو ما إذا كانت ستتم إدانة نتنياهو. سؤالٌ آخر يلوح في الأفق هو ما إذا كانت حكومة بقيادة غانتس ستطبق سياساتٍ مختلفة إلى حدٍ كبير. فالناخبون يعتبرون غانتس أكثر صدقاً وأقل ميلاً لمهاجمة المؤسسات الديمقراطية في البلاد مثل المحكمة العليا، كما كان نتنياهو وحلفاؤه سيفعلون.
وفيما يتعلق بالاحتلال والسلام، فإن سياسات حزب أزرق أبيض لا تختلف كثيراً. في الواقع، شملت المواقف التي طرحها في الفترة التي سبقت كلتا الانتخابات “القدس الموحدة” كعاصمة أبدية لإسرائيل، وغور الأردن كحدودٍ شرقية لضمان أمن إسرائيل، وسيطرة إسرائيل على الأمن في “أرض إسرائيل” بأكملها. فقد كانت هذه المواقف عقباتٍ أمام إبرام اتفاق سلامٍ في الستينيات مع الأردن وحتى يومنا هذا مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى السيطرة الدائمة على مرتفعات الجولان المتنازع عليها وتعزيز التجمعات الاستيطانية.
وعلى الرغم من الإشارة إلى إجراء مفاوضاتٍ مع الفلسطينيين، إلا أن حل الدولتين كان غائباً عن أي من تصريحات غانتس أو زملائه، الذين عارض بعضهم، مثل رئيس الأركان السابق موشيه يعلون، صراحةً إنشاء دولة فلسطينية.
في حال اضطرت إسرائيل إلى إجراء انتخاباتٍ ثالثة، فلا يوجد أي سبب وجيه للاعتقاد أن النتائج ستختلف عن الإنتخابات الأخرى التي أجريت هذا العام. ويبدو أن نتنياهو يُفضل إجراء انتخاباتٍ جديدة، بالرغم من أنه يلقي باللوم على غانتس لمطالبته بها.
يتمثل العامل الحاسم هنا فيما إذا كان سيتم توجيه تهمة واحدة أو أكثر من لائحة التهم الموجهة لنتنياهو. وفي حين أن العديد من أنصاره لربما سيستمرون في تقديم الولاء له في إنتخاباتٍ أخرى، إلا أن خيار تجنب إجراء إنتخاباتٍ أخرى ربما لا يزال قائماً إذا ما قرر حزب نتنياهو الانضمام إلى ائتلافٍ مع حزب أزرق أبيض؛ وسيكون هذا ممكناً فحسب في حال استبدل الليكود نتنياهو، ولكن في الوقت الراهن، يبدو هذا احتمالاً ضعيفاً. ومع ذلك، تظل هذه آفاقاً مجهولة قد يحصل فيها ما هو غير متوقع.