وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الجيران الأعداء: اسرائيل وحزب الله

جندي اسرائيلي بالقرب من الحدود الاسرائيلية السورية – Copy Rights AP -HH, 2016

ذكرت تقارير وقوع سلسلةٍ من الغارات الجوية منذ أواخر 2016: على مطارٍ في دمشق أو على قافلةٍ للأسلحة تابعةٍ لحزب الله أو على موقعٍ للجيش السوري. ولم تُعلن أي جهةٍ مسؤوليتها عن الهجمات، بالرغم من أنها تُعزى، على نطاقٍ واسعٍ، لإسرائيل. ومن حيث المبدأ، لم ترد إسرائيل على هذه الإدعاءات.

ولأسباب تتعلق بأمن الدولة، لا يُسمح لوسائل الإعلام الإسرائيلية سوى بالإشارة إلى التقارير الأجنبية بشأن التفجيرات، إلا أنهم يأخذون وقوف إسرائيل خلفها بجدية.

وهذا لسببٍ وجيه، فالتفجيرات تتفق بسلاسة مع الاستراتيجية العسكرية التي وضعها الجيش الإسرائيلي في وثيقةٍ استراتيجية صدرت منتصف عام 2015. الكلمة الدالة في الوثيقة: الردع.

فاسرائيل تمتلك القليل من الأسباب لخشية الجيوش النظامية المعادية، إلا أنّ جميع الأسباب تدفعها للخوف من الجهات الفاعلة “داخل الدولة،” الأكثر تطرفاً وعدائية والمسلحة تسليحاً جيداً. أبرزها، حزب الله، الميليشا الإسلامية الشيعية، التي تتخذ من لبنان المجاور مقراً لها، وتدعم نظام الأسد في سوريا.

ويستطيع حزب الله، الذي يُقدر امتلاكه لمئات الآلاف من الصواريخ، أن يأتي على الأخضر واليابس في اسرائيل. ووفقاً للجيش الاسرائيلي، فإن التهديد الذي يشكله الحزب يتزايد في الحجم والسرعة والنطاق والدقة كل يوم.
وإذا ما كانت اسرائيل ستخوض حرباً تقليدية ضد حزب الله، تقول الوثيقة العسكرية أن اسرائيل ستكون في وضعٍ استراتيجي غير مواتٍ. سيختبىء مقاتلو حزب الله في المناطق السكنية، وستسبب الهجمات على هذه االمناطق خسائر في صفوف المدنيين، الأمر الذي سيترتب عليه عوائق قانونية، وإنسانية وجماهرية.

فقد واجهت اسرائيل بالضبط هذا السيناريو عام 2014، عندما حارب حماس في قطاع غزة لسبعة أسابيع.

وعلى الرغم من افتقار حماس، وهي جماعة سُنية مسلحة، للقوة العسكرية التي يمتلكها حزب الله، إلا أنّ الرد العسكري الاسرائيلي كان بقصف المنازل والشقق وفي بعض الأحيان، الحي السكني بأكمله. وسجلت الأمم المتحدة استشهاد 1,462 مدني، مما عرّض اسرائيل لانتقاداتٍ واسعة. بل إن اسرائيل نفسها لم تعتقد أنّ أعداد المدنيين الذين قتلوا ضخم.

وتبين الوثيقة الاستراتيجية أن إسرائيل تتخذ خطواتٍ لتجنب مثل هذه الحروب التقليدية، من خلال استخدام “حملة بين الحروب.” وهذا يعني أن عملياتٍ سرية تنفذ لتحييد تهديدات العدو، سيما قدرته على التعامل مع أسلحة معينة، وبالتالي تجنب الصراع المفتوح.

وفي حالة حزب الله، هناك عامل صعب: فالحزب ليس مدعوماً فحسب من قِبل إيران، ولكن بفضل علاقة الأسد، فإن الحزب بات مدعوماً بشكلٍ غير مباشر من قبل روسيا. كما أنه يلعب دوراً سياسياً بارزاً في لبنان، حيث أنه جزء من الحكومة.

للوهلة الأولى، لا يبدو أن حزب الله مهتم بقرع طبول حربٍ جديدة مع اسرائيل. فالحزب المنخرط بالفعل في الحرب في سوريا، سيضطر إلى القتال على جبهتين مختلفتين في نفس الوقت. وعلاوة على ذلك، يُشكل وجود مليونيّ لاجىء سوري في لبنان مصدر قلقٍ كبير آخر، إذ يبدو أن الحزب لديه شؤونٌ أخرى تدعو للقلق.

ومع ذلك، تستمر المناوشات. ففي مارس 2017، أطلقت سوريا نيرانها على طائراتٍ مقاتلة اسرائيلية، بل ادعت اسقاط إحداها، على الرغم من أنها مجرد مزاعم غير مؤكدة. وعلى أي حال، لم يُبلغ عن وقوع أي إصاباتٍ من الجانب الاسرائيلي. ووفقاً للجيش السوري، استهدفت الطائرات الاسرائيلية أهدافاً عسكرية بالقرب من تدمر.

كما ذكرت اسرائيل أن عدة صواريخ مضادة للطائرات أطلقت على قوتها الجوية من سوريا مما تسبب في اطلاق صافرات التحذير من الصواريخ فى المستوطنات الاسرائيلية فى غور الاردن. وقال متحدثٌ عسكري اسرائيلي أن شهود عيان سمعوا انفجارين بعد ذلك بوقتٍ قصير، بيد أنه لم تتعرض سلامة المدنيين الاسرائيليين للخطر، في أي وقتٍ من الأوقات.

فلماذا تركز اسرائيل على حزب الله بدلاً من استهداف تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي السُني؟ أحد الأسباب الواضحة هو أن حزب الله يشكل تهديداً أكثر نشاطاً وتنظيماً. وفي مقال نشرته مجلة بوليتكو في مايو 2017، نقل محرر الأمن القومي بريان بيندر عن الجنرال رام يافن، رئيس القسم الاستراتيجي للقوات الإسرائيلية، قوله: “إذا ما تحدثت بصراحة، فإن المحور المتطرف الذي ترأسه إيران أكثر خطورة من محور الجهاد العالمي. فهو أكثر إطلاعاً، وأقوى، ويمتلك ترسانة أكبر.”

وعلاوةً على ذلك، يُشير بيندر إلى أن الأسد اليوم يحقق “نصراً دون أدنى شك،” بمساعدة حزب الله، الذي ضحى بما يُقدر بـ1700 مقاتل. وكما قال أحد المسؤولين في الجيش الاسرائيلي “إذا ما انتصر الأسد، لن يتواجد حزب الله على حدودٍ واحدة فحسب، بل حدودين.”

يُثير هذا سؤالاً آخر: فهل يمكن مواصلة اعتبار حزب الله قوةً مسلحة غير حكومية، أم ينبغي اعتباره، نظراً لقوته المتراكمة، دولةً قائمة بحد ذاتها؟ ففي خطابٍ ألقاه العميد شارون آفيك، المدعي العسكري العام في الجيش الإسرائيلي، في مؤتمرٍ عقد في مستوطنة رمات غان في أبريل 2017، أن “انخراط حزب الله في مؤسسات الدولة [في لبنان] يثير تساؤلاتٍ حول مسؤولية الدولة.”

وبشكلٍ عام، يزداد الخطاب الاسرائيلي حول حزب الله جرأةً. فعلى سبيل المثال في مارس 2017، هدد وزير التربية، نفتالي بينيت، من حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف، بإرسال لبنان إلى العصور الوسطى إذا أثار حزب الله حرباً أخرى.

فخلال الحرب الأخيرة على لبنان في عام 2006، استهدفت اسرائيل رسمياً أهدافاً لحزب الله فقط، من أجل تجنب الاصطدم مع الطوائف اللبنانية الأخرى مثل المسيحيين المارونيين والسُنة. ومع ذلك، فإن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية المدنية، بما في ذلك مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، كانت كبيرة.

وفي أعقاب الحرب، أعلن مسؤولون في الجيش أنه في حالة نشوب صراعٍ جديد، لن تحصر اسرائيل نفسها باستهداف أهدافٍ لحزب الله. وعلى حد قولهم، إذا ما كان حزب الله مؤثراً في المجتمع اللبناني، فإن لبنان ككل هدفٌ مشروع للهجمات الاسرائيلية بما في ذلك البنية التحتية للمجموعات السكانية اللبنانية الأخرى.

يُعرف هذا التفكير العسكري “بعقيدة الضاحية.” فهو يجعل تدمير البنى التحتية المدنية للأنظمة العدائية هدفاً في حد ذاته، كوسيلةٍ لردع استخدام المقاتلين لتلك البنية التحتية، كما يؤيد استخدام “القوة غير المتكافئة” لتحقيق هذه الغاية. وقد سميت العقيدة باسم حي الضاحية الجنوبية في بيروت، الذي تضرر بشدة من الضربات الإسرائيلية في عام 2006. ووفقاً لأستاذ القانون المؤثر ريتشارد فولك، فإن استخدام مثل هذه العقيدة يرقى إلى “إرهاب الدولة” من قبل اسرائيل.

وفي غضون ذلك، تواصل اسرائيل العمل على دفاعها. ففي نوفمبر 2016، قال ضابطٌ عسكري لصحيفة هآرتس أن هناك خططاً لإجلاء 78 ألف مواطن على طول الحدود اللبنانية في حالة نشوب حربٍ مع حزب الله. وقالت الصحيفة أن هذا انحرافٌ صارخ عن العقيدة التي تنص على عدم إجلاء اسرائيل للمدنيين. الهدف: عدد أقل من الضحايا المدنيين ومنطقة يمكن الدفاع عنها بشكلٍ أفضل.

ولكن في الوقت الحاضر، لم تُثر عمليات القصف المنسوبة إلى اسرائيل أي أعمالٍ انتقامية كبرى، بالرغم من أنّ الخبراء يقولون أن حزب الله قادرٌ على إطلاق 1500 صاروخ في اليوم الواحد على اسرائيل لفترةٍ طويلة. وإذا ما استدعى الأمر، يمكن لاسرائيل استهداف عدة آلافٍ من الأهداف في اليوم الواحد.

ومنذ عام 2008، خاضت اسرائيل ثلاث حروبٍ في غزة، إلا أن الحدود الشمالية مع لبنان لا تزال تشكل التهديد الأكبر.

Advertisement
Fanack Water Palestine