بعد أربعة أشهرٍ من تتويج سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملكاً للمملكة العربية السعودية في 23 يونيو 2015، عيّن ابنه، محمد بن سلمان، ولياً لولي العهد- مما يضعه في المرتبة الثانية لتولي العرش- وهو منصبٌ استحدثه الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز إلى جانب هيئة البيعة السعودية، لتوضيح الخلافة في حال غياب وليّ العهد.
ومباشرةً بعد توليه العرش، عين سلمان ابنه محمد وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي. وعليه، أصبح محمد بن سلمان المنفذ المباشر لوالده، مما منحه صلاحياتٍ كبيرة. في ذلك الوقت، كان محمد بن سلمان أحد أفراد الأسرة المالكة البعيدة عن الأضواء، إذ لم يعرف سوى القليل عنه، كما أثار عمره، إذ بالكاد كان يبلغ الـ30 عاماً، مخاوف بشأن أهليته وكفاءته لتقلّد هذه المناصب.
ومع ذلك، لم تكن هذه هي المناصب الرسمية الأولى التي تولاها الأمير الشاب (المولود في 31 أغسطس 1985) في المملكة الغنية بالنفط. ففي أكتوبر 2011، عند وفاة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز، أصبح سلمان وزيراً للدفاع، ليخطو أولى خطواته في صعوده إلى السلطة. وبعد وفاة شقيقه، نايف بن عبد العزيز، في يونيو 2012، عيّن محمد بن سلمان ولياً للعهد. وطوال الوقت، كان محمد بن سلمان المستشار الخاص للملك سلمان. وفي هذا المنصب، اكتسب محمد بن سلمان خبرةً في المجال العام.
وفي مارس 2015، شنّ محمد بن سلمان، أصغر وزير دفاعٍ في العالم، تدخلاً مكلفاً بقيادة المملكة العربية السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن؛ بالقليل من التفكير، ولربما دون أن يمتلك أدنى فكرة، إلى ما ستؤول إليه الأمور. وفيما كان يُفترض أن يكون استعراضاً للقوة والجرأة، فشل الأمير في تنسيق التدخل عبر كامل الأجهزة الأمنية، أو بإبلاغ وزير الحرس الوطني السعودي الأمير متعب بن عبد الله، الذي كان خارج البلاد عند تنفيذ الضربة الجوية الأولى.
ومع ذلك، حتى الآن، عملت جرأة الأمير الشاب، إلى حدٍ كبير، لصالحه. ففي 29 يناير 2015، عُيّن رئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي أنشئ حديثاً، مما مكنه من وضع خطته “رؤية 2030،” وهو برنامج طموح للإصلاح مدته 15 عاماً يهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي بعيداً عن اعتماده على النفط والسيطرة مجدداً على الإنفاق العام. ويشمل البرنامج الخصخصة الجزئية لشركة النفط الحكومية، أرامكو السعودية. وقال جون سفاكياناكيس، مدير مركز أبحاث الخليج لرويترز “إن التغيير [في الخلافة] هو دفعة كبيرة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي… الأمير محمد بن سلمان هو مهندسها المعماري”.
فقد رافق الإصلاح الاقتصادي تخفيف التقاليد الإسلامية الصارمة في المملكة العربية السعودية. وعليه، تنص رؤية 2030 على أن “رؤيتنا هي بلد متسامح كدستور الإسلام ومعتدل كما منهجه.” وفي أكتوبر 2016، نجح الأمير محمد في تجريد الشرطة الدينية من نفوذها لاعتقال الأفراد، التي تعدّ خطوة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المملكة. فلم يعد يُسمح للضباط الدينيين باحتجاز الأفراد، وينبغي عليهم بدلاً من ذلك الإبلاغ عن المخالفين لضباط الشرطة أو فرق مكافحة المخدرات.
كما نأى بنفسه عن هيئة كبار العلماء السعودية، وهي مجموعة من كبار رجال الدين الذين يضعون السياسة الدينية الرسمية وغالباً ما ينشرون وجهات نظرٍ دينية تُثير سخط الجيل الشاب. كما قام بتعيين جيشٍ من المستشارين ومهندسي الصورة لتعزيز شعبيته بين المواطنين السعوديين. ويبدو أنّ الاستراتيجية أتت أكلها، فقد صعد بسرعة في هيكل السلطة في المملكة، الذي تم غالباً على حساب كبار أفراد العائلة المالكة السعودية المخضرمين، الذين، وفقاً للتقاليد، كانوا يملكون حظوظاً أوفر في الجلوس على العرش.
يعتقد العديد من السعوديين، الذين يرون فيه رجلاً ديناميكياً، طموحاً، مثابراً في عمله، أنه بالضبط ما تحتاجه المملكة. وقالت هدى الحليسي، عضو مجلس الشورى الاستشاري في المملكة، لصحيفة نيويورك تايمز “أنه يتحدث بلغة الشباب. فقد كانت البلاد منذ فترةٍ طويلة تنظر عبر عدسات الجيل القديم، ونحن بحاجة ألى أن ننظر إلى من سيحمل الشعلة للجيل القادم.”
ونقلت صحيفة الجارديان عن مسؤولٍ سعودي كبير قوله “يتم حالياً إنجاز المشاريع الخاصة، ودور السينما في طور الإعداد، وأقيمت الحفلات الموسيقية – على الرغم من أنها تقتصر على الرجال – وعادت قضية النساء الجوهرية، ألا وهي السماح لهنّ بقيادة السيارة، إلى طاولة النقاش مجدداً.”
ولكن، ليس الجميع متحمسين بهذا القدر. فقد وصف النقاد الأمير بالمتعطش للسلطة وأشاروا إلى قلة خبرته وقراراته المتسرعة في بعض الأحيان، مثل المشاركة العسكرية السعودية في اليمن، التي كلفت المملكة مليارات الدولارات، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر بسبب دعمها المزعوم للإرهاب.
وفي 21 يونيو 2017، قام الملك سلمان بتنصيب الأمير محمد ولياً للعهد، مما يضعه في المرتبة الثانية لخلافة عرش المملكة التي كان يحاول تشكيلها خلال العامين الماضيين. ومن خلال ذلك، استبدل الملك سلمان ابن أخيه ومنافس نجله الرئيسي، الأمير محمد بن نايف البالغ من العمر 57 عاماً، ليقلب بذلك ثمانية عقودٍ من العرف الملكي ويُعيد هيكلة دائرة السلطة في المملكة.
ومن خلال تهميش محمد بن نايف، الذي حظي باحترام المسؤولين الغربيين لجهوده في مكافحة تنظيم القاعدة خلال فترة ولايته كوزيرٍ للداخلية، قام الملك أيضاً بتهميش كادرٍ كبير من الأمراء الأكبر سناً، الذين تعلّم الكثير منهم في الخارج ويتمتعون بعقودٍ من الخبرة الحكومية التي يفتقر إليها الأمير الأصغر سناً.
وفي خطوةٍ ربما تهدف إلى تبديد الشائعات عن الانقسامات الداخلية، التقى محمد بن نايف مع محمد بن سلمان مباشرةً بعد تعيينه، حيث أعيد عرض مبايعته مراراً وتكراراً على وسائل الإعلام التابعة الدولة أثناء تعهده بالولاء لولي العهد الجديد.
ومع عدم وجود أي عقباتٍ في طريقه، قد يتحرك الأمير محمد على وجه السرعة لتنفيذ رؤيته، بينما سيمنح المملكة شيئاً لم تمتلكه منذ أكثر من نصف قرن: ملكٌ شابٌ مفعمٌ بالحيوية، الذي قد يحكم البلاد لعقود. وسواء نجح أم فشل، لن تعود المملكة العربية السعودية، التي نعرفها، إلى سابق عهدها مجدداً.