المقدمة
من المحتمل أن يكون الإنسان البدائي قد سكن الجزائر لمليوني عام، أما الإنسان المعاصر فسكنها منذ أكثر من 40,000 عام. تعود النحوتات الحجرية والرسوم الصخرية في المنطقة الصحراوية في طاسيلي ناجر بالقرب من جانت إلى أكثر من ستة آلاف سنة. وساهمت التغيرات الكبيرة في المناخ، الذي أصبح أكثر جفافاً وحرارة، في تضاؤل عدد سكان المنطقة التي تعرف اليوم بالصحراء الكبرى.
ومنذ حوالي 300 عام قبل الميلاد، كانت سهول البحر الأبيض المتوسط الشمالية تشكل جزءً من إمبراطورية نوميديا البربرية، التي كانت تشمل منطقة كبيرة من شمال إفريقيا. اشترك زعماء الإمبراطورية في لعبة تحالفات معقدة مع القوتين العظميين في منطقة البحر الأبيض المتوسط في تلك الحقبة: روما وقرطاج. وكان جزء مما يعرف اليوم بالجزائر مدمجاً في الإمبراطوريتين الفينيقية والقرطاجية فيما يعرف اليوم بتونس، وذلك قبل احتلالها من قبل الرومان.
ومع أن الكثير من النوميديين خدموا في الجيش القرطاجي، إلا أن ماسينيسا، ملك نوميديا (240–148 ق.م)، أقام تحالفاً مع الإمبراطورية الرومانية. أدى ذلك إلى إقامة دولة بربرية كبيرة، وبشكل أساسي اتحاد مجتمعات مستقرة. وأراد يوغرطة (160–104 ق.م)، حفيد ماسينيسا، تحقيق استقلالية أكبر عن روما، فنشأ نزاع تسبب بمقتل الملك البربري. وحتى يومنا هذا لا يزال الناشطون الثقافيون البربر يشيرون إلى هذه الحقبة كمثال تاريخي عن سابقتها.
بالنسبة إلى الرومان، كانت الأراضي التي تعرف اليوم بشمال الجزائر جزءً هاماً من الإمبراطورية، نظراً إلى موقعها الاستراتيجي ودورها في تزويد الإمبراطورية بالمواد الغذائية. ولا تزال آثار تيمقاد وجميلة وتيبازة تشهد على الحقبة الرومانية. وبقيت جماعات عديدة في أقصى الجنوب والمناطق الجبلية غير خاضعة للإمبراطورية، الأمر الذي استمر خلال فترتي حكم العرب والعثمانيين وامتد لعقود حتى حقبة الاستعمار الفرنسي. وكانت مدينة قسنطينة، والتي استمرت أكثر من 2500 عاماً، مسقط رأس الفيلسوف المسيحي القديس أوغسطينوس (354-430).
مجيء الإسلام
أعقبت نهاية حكم الموحدين في أوائل القرن الثالث عشر فترة من الهدوء النسبي في عهد سلالة الزيانيين التي حكمت غرب الجزائر من عاصمتهم تلمسان. وعادت منطقة
شمال إفريقيا نوعاً ما إلى الوضع السياسي الذي كان سائداً في الفترة الرومانية، مع قيام ثلاث إمبراطوريات بربرية على الأراضي التي تعرف اليوم بالجزائر والمغرب وتونس على التوالي. ونظراً إلى عدم وجود إمبراطورية إسلامية قوية تواجهها، سعت القوى الأوروبية المتنامية إلى تعزيز نفوذها في منطقة البحر الأبيض المتوسط. تزامن ذلك مع فترة اضطراب نتيجة غزو القوات الأوروبية للمغرب العربي وحكم زعماء محليين جعلوا معيشتهم من الإغارة على السفن التجارية في البحر الأبيض المتوسط. وسعت إسبانيا بشكل خاص إلى نشر حكمها في شمال إفريقيا وتورطت في صراع قوي مع الإمبراطورية العثمانية الناشئة. وتدريجياً، احتل العثمانيون الأتراك أجزاء كبيرة من العالم العربي (باستثناء المغرب) ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.
طالب سكان مدينة الجزائر السلطان العثماني بالحفاظ على النظام، وبالتالي أصبحت مدينة الجزائر جزءً من الإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر. فأصبح لممثلي الإمبراطورية المحليين في مدينة الجزائر يتمتعون باستقلالية واسعة. سيطر القادة الأتراك على المدن الساحلية بشكل خاص، وكانوا أقل نفوذاً في المناطق الداخلية التي شهدت اندلاع ثورات محلية قامت بها مجموعات قبلية. وبقيت الانقسامات الإقليمية قائمة، حيث لم يكن هناك هوية جزائرية في ذلك الوقت.
في نهاية القرن الثامن، فتحت القوات العربية، تحت لواء دين الإسلام الجديد، أجزاء كبيرة مما يعرف بالجزائر اليوم. ولم تهيمن الثقافة العربية إلا في القرن العاشر بعد موجة ثانية من المهاجرين القادمين من الشرق، وتركت اللغة والثقافة العربية بصمة دائمة في البلاد. أدت الفتوحات العربية إلى نشوء نزاعات مع البربر. وفي فترة لاحقة، اندمج العرب، الذين طالما كان عددهم قليلاً، مع السكان البربر الذين يرجح أنهم قدموا إلى البلاد من الشرق الأوسط في فترة سابقة.
في القرون اللاحقة، شكلت البلاد جزءً من عدة إمبراطوريات عربية وبربرية مسلمة. وفي القرن العاشر، أسست سلالة الزيريين مدينة الجزائر. في الأساس، كان الزيريون متحالفين مع الحكام الفاطميين الشيعة في مصر، غير أنهم عادوا ليتبنّوا الإسلام السنّي وسعوا إلى حكم أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا. وسادت فترة من المواجهات مع مجيء الجيوش العربية المنافسة من الشرق وبروز إمبراطورية المرابطين التي حكمت مدينة الجزائر في القرن الحادي عشر. وبدورها، فقدت هذه السلالة البربرية، ومقرها مراكش، سلطتها على الأراضي الجزائرية التي سيطر عليها الموحدون بقيادة عبد المؤمن من ندرومة غرب الجزائر. ونتيجة لهذه الفتوحات، ارتبطت الجزائر بشكل وثيق بأراضي المغرب العربي المجاورة، بما في ذلك الأندلس، شبه جزيرة إيبيريا الحالية.