وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحركة الوطنية الجزائرية

الحركة الوطنية الجزائرية
استعراض لمناصري نجم شمال إفريقيا في مصالي الحاج في الأربعينات / Photo HH

رداً على الاستعمار، ظهرت حركات مقاومة جديدة في أوائل العشرينيات. شملت هذه الحركات مجموعة متنوعة من التيارات الإيديولوجية وظهرت من طبقات اجتماعية متعددة. تراوحت أفكار هذه الحركات حول تحسين وضع الشعب الجزائري ما بين الإصلاح ضمن النظام الفرنسي والاستقلال التام كدولة جديدة. وخلافاً للثورات السابقة التي حدثن في المناطق الريفية على الأغلب، كانت هذه الحركات حديثة وحضرية.

يعود ذلك بشكل كبير إلى التناقض الكبير في عمل النظام الاستعماري: في حين تم استثناء عدد كبير من المسلمين الجزائريين، إلا أن السماح لأقلية بالانخراط في الجيش الفرنسي والوصول الجزئي إلى نظام التعليم والحصول على فرص للعمل في فرنسا أدى إلى خلق شعور جديد بالوطنية. أدى ذلك إلى ظهور مجموعات اجتماعية طفح بها الكيل من الاستعمار وشكلت أساس حركة الاستقلال.

كان قسم كبير من الحركة يتألف من عمال جزائريين كانوا يعملون في فرنسا، حيث تأثروا بالأفكار الاشتراكية والشيوعية وتبادلوا آراءهم مع الناشطين الفرنسيين وغيرهم. وضع ذلك الأساس للتوجه الاشتراكي للدولة الجزائرية المستقلة بعد عام 1962.

وكانت منظمة “نجم شمال إفريقيا” التعبير المنظّم الأول لحركة العمال المهاجرين. تأسست منظمة نجم شمال إفريقيا، المستلهمة من النظام الاشتراكي، عام 1926 على يد الحاج علي عبد القادر حفيد زعيم المقاومة في القرن التاسع عشر؛ كان “مصالي الحاج” من بين أبرز أعضائها. وكما يتضح من اسم المنظمة، كان هدف الحركة في الأساس توحيد الجزائر مع سلطات محميات المغرب وتونس الفرنسية. ونظراً إلى اختلاف الأوضاع في هذه الدول، حيث لم يكن الاستيطان الفرنسي في الجزائر كما في الدول الأخرى، لم يكن بمقدور حركة تضم كامل شمال إفريقيا من الاستمرار في السنوات اللاحقة.

الحركة الوطنية الجزائرية
فرحات عباس

منذ البداية، كانت الحركة الوطنية الجزائرية تتميز بارتباطها بالإسلام الذي لم يكن فقط ديانة الأكثرية وإنما أيضاً وساماً يميزهم عن المستعمرين الأوروبيين. نعت الفرنسيون المواطنين الجزائريين الأصليين بالـ “مسلمين”. وكما هو عليه الحال في العالم العربي والإسلامي، اقتنع عدد من الروّاد بأن الإسلام قد يشكل قوة مضادة للاستعمار فقط في حال ابتكار ردود فعل على التأثيرات الاجتماعية والثقافية للاستعمار. في الأربعينيات، أنشأوا جمعية العلماء الجزائريين. لم تطالب الجمعية بالاستقلال، إنما سعت إلى تعزيز الهوية العربية الإسلامية.

إلى جانب “الانحطاط الأخلاقي” الناجم عن الأعراف والعادات الأوروبية، هدفت الجمعية إلى مناهضة العادة التقليدية المنتشرة على نطاق واسع: تبجيل “الأولياء” (المرابطين) المحليين وقبورهم. في المقابل، عزز العلماء العودة إلى الأصول الإسلامية المحددة في القرآن والحديث. ونظراً إلى أن معظم الجزائريين كانوا أميين وبالتالي غير قادرين على الاطلاع على هذه المصادر، استثمر العلماء بشكل كبير في التعليم.

فبدلاً من الاكتفاء بإنشاء مدارس تعليم القرآن، عزز العلماء اعتماد طرق تعليم حديثة تشمل مواد مختلفة، مثل اللغات والرياضيات. ومع أن العلماء لم يدعوا إلى دولة مستقلة، إلا أن هذه النشاطات أدت إلى نشوء وعي سياسي متنام في صفوف المجموعات الاجتماعية الكبرى.

أصبح تشكيل حزب الشعب الجزائري على يد مصالي الحاج عام 1937 التعبير الأوضح للمطالبة بالاستقلال التام عن فرنسا. كان هذا الحزب البديل لمنظمة نجم شمال إفريقيا المحظورة، والتي أسسها مصالي الحاج أيضاً، إلا أن مطالبته بالاستقلال كانت أقل راديكالية، وفق فرحات عباس.

خلال حرب الاستقلال، ترأس فرحات عباس الحكومة الجزائرية المؤقتة في مدينة تونس، وتولى منصب أول رئيس للدولة الجزائرية المستقلة لبضعة أشهر. واجه ناخبوه من إسلاميي الطبقة الوسطى معارضة شديدة من قبل المستعمرين. في أيار/مايو عام 1945، وقبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، تأزم الوضع في الجزائر.

اندلعت أعمال شغب معادية للفرنسيين، وكانت ردة فعل جيش الاستعمار ارتكاب مجزرة قتل فيها آلاف الجزائريين في سطيف وغيرها من المدن. وبالتالي، حاولت باريس تخفيف الضغط من خلال تقديم وعود بإصلاحات، غير أن السلطات الاستعمارية، في الوقت ذاته، جعلت من المستحيل على الجزائريين الارتقاء بمطالبهم إلى مستوى التعبير السياسي. وتم التلاعب بالانتخابات عن طريق التزوير والترهيب بهدف الحفاظ على النظام القائم، ولاقى النداء إلى المقاومة المسلحة قبولاً واسعاً.