المقدمة
في عهد الحكم الاستعماري في الجزائر، ضمنت السُلطات الفرنسية أنّ البيئة الإعلامية عكست المصالح الفرنسية وحاولت كبح إمكاناتها كوسيلة من وسائل الإتصال الجماهيري. فعلى سبيل المثال، مع إنتشار البث الإذاعي في ثلاثينيات القرن الماضي، وإنشاء المحطة الوطنية، راديو الجزائر، قيّدت الحكومة الفرنسية، بفعالية، بث أجهزة الراديو في جميع أنحاء البلاد وصممت برامجها بشكلٍ متعمد لمناشدة النخبة الجزائرية. وبالمثل، نُشرت أولى صحف البلاد حصراً باللغة الفرنسية، وكانت تستهدف بشكلٍ بحت أقلية الطبقة العليا من الشعب.
ومع ذلك، فقد لعب الإعلام في نهاية المطاف دوراً غاية في الأهمية في تعبئة الجماهير في حرب الاستقلال الجزائرية، من خلال استخدام جبهة التحرير الوطني الجزائرية المؤيدة للاستقلال منشوراتٍ سرية، المجاهد، لتحدي الاحتكار الاستعماري. فقد نشرت لأول مرة في عام 1956، وتمت طباعة 91 نسخة إلى أن حققت البلاد استقلالها عام 1962. وخلال هذه الفترة، ساعدت المجاهد في حشد القوى المؤيدة للاستقلال في الجزائر من خلال الدفاع عن النضال من أجل استقلال البلاد، وإيراد تفاصيل أنشطة وقتال جبهة التحرير الوطني ضد السلطات الفرنسية، والمساعدة على الترويج لرؤية ما ستبدو عليه الجزائر بعد الاستقلال.
ومنذ استقلال البلاد وحتى عام 1990، كانت جميع الوسائل الإعلامية المحلية بما في ذلك التلفزيون والصحافة والراديو مملوكة للدولة. وخلال هذه الفترة، كانت وسائل الإعلام إلى حدٍ كبير تنطق بلسان حال جبهة التحرير الوطني، التي كانت آنذاك الحزب الوحيد في الحكومة. وفي عام 1987، سُمحت القنوات الفضائية، وبعد صدور قانون الإعلام عام 1990، انهت الحكومة احتكارها على الصحافة المطبوعة. وفي ضوء ذلك، شهدت التسعينيات ظهور العديد من الصحف المملوكة للقطاع الخاص، إلى جانب السماح للقنوات الفضائية الأجنبية بدخول البلاد، إلا أن القليل من وسائل الإعلام المحلية اعتبرت مستقلة. وفي عام 2011، سمحت الدولة ببث القنوات التلفزيونية المملوكة للقطاع الخاص، وفي عام 2014، سمحت لهم بالحصول على تراخيص في البلاد. زاد هذا التنافس على المشاهدين المحليين، على الرغم من أنّ القنوات الفضائية الأجنبية لا تزال الأكثر شعبية. ولا يزال البث الإذاعي تحت سيطرة هيئة الإذاعة والتلفزيون المملوكة للدولة.
حرية التعبير
وعلى الرغم من الضمانات الدستورية وإعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في عام 2014 أنه “لن يدخر جهداً لتعزيز وتوسيع حرية التعبير،” لا تزال البيئة الإعلامية في الجزائر تتعرض لمراقبةٍ شديدة وتحتل المرتبة 129 في الترتيب العالمي لحرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود عام 2016. وقد ألغى قانون الإعلام الصادر عام 2012 عقوبة السجن من الجنح الصحفية، إلا أن الغرامات شائعة ويمكن أن تؤدي إلى عقوبة السجن إن لم تسدد. وتسلط الأبحاث التي أجرتها لجنة حماية الصحفيين الضوء على أنه بالرغم من أنّ القانون ينص على “حرية العمل” للصحفيين، إلا أنه أيضاً يُصّر على احترام “الهوية الوطنية،” و”أمن الدولة،” و”متطلبات النظام العام،” في الجزائر أو مواجهة العقوبة. وبالإضافة إلى هذه الأحكام المعرفة بشكلٍ واسع، يحظر القانون أيضاً، على وجه التحديد، إجراءات مثل إهانة قيادي أو دبلوماسي أجنبي. في واقع الأمر، تدعي لجنة حماية الصحفيين أنّ 32 مادة على الأقل من المواد الـ133 للقانون الجديد يمكن اعتبارها تعدٍ على حرية التعبير. وتواصل الدولة فرض رقابتها على وسائل الإعلام الخاصة، كما أنّ الرقابة الذاتية هي السائدة. وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة هي المسؤولة عن جميع مبيعات الإعلانات، مما يسمح لها، بشكلٍ فعّال، من الحدّ من تمويل وسائل الإعلام الخاصة.
وعلى صعيدٍ متصل، يتواصل تعرض وسائل الإعلام والصحفيين للعنف والمضايقات والاعتقال من قِبل سُلطات الدولة في السنوات الأخيرة. وتُقدر لجنة حماية الصحفيين تعرّض 60 صحفياً للقتل في الجزائر منذ عام 1992. وتتضمن الأمثلة البارزة على اضطهاد الدولة للإعلام في الجزائر، قيام الشرطة بإغلاق محطة الوطن التلفزيونية الخاصة عام 2015، بعد أن اختلفوا مع السلطات ببث مقابلةٍ مع منتقدي الحكومة. ومن الأمثلة الأخرى أيضاُ قيام السُلطات مؤخراً في عام 2015 باعتقال رسام الكاريكاتير طاهر جحيش لنشره رسوماً على الفيسبوك اعتبرت مُهينةً للرئيس بوتفليقة، فضلاً عن إغلاق الصحيفة الفرنسية Mon Journal والنسخة العربية منها، جريدتي، عام 2013 “لنشرها معلوماتٍ حول “تدهور” صحة الرئيس بوتفليقة.” في ديسمبر 2016، توفي الصحفي الجزائري- البريطاني، محمد تامالت، بعد إضرابه عن الطعام لمدة ثلاثة أشهر (ودخوله فيما بعد بغيبوبة لمدة ثلاثة أشهر) احتجاجاً على الحكم الصادر بحقه بالحبس عامين لمشاركته قصيدة على موقع فيسبوك اعتبرت مسيئة للرئيس بوتفليقة.
التلفاز
يعتبر التلفزيون إلى حدٍ ما أكثر الوسائل شعبية للوصول إلى المحتوى الإعلامي. فالقنوات الفضائية باتت واسعة الانتشار على نطاقٍ واسع، واعتباراً من عام 2014، أصبح من الممكن ترخيص المحطات الفضائية المملوكة للقطاع الخاص في الدولة، وإن كانت تخضع لشروط الحكومة. يتمثل أحد هذه الشروط في تقييد بث القنوات الخاصة المخصصة للبرامج الإخبارية، مما يحد من فعالية قدرتها على توفير التغطية المستقلة. فقد نمت شعبية القنوات الفضائية العربية مثل قناة الجزيرة وقناة العربية بشكلٍ متزايد في السنوات الأخيرة، وبخاصة منذ الربيع العربي عام 2011. وعلى الرغم من أن القنوات العالمية تحظى بأعلى نسب مشاهدة، إذ احتلت شبكة MBC وحدها ما نسبته 33% من حصة الجمهور عام 2013، إلا أنّه يمكن تصنيف القنوات المحلية الجزائرية الأكثر شعبية كالآتي:
القناة | نسبة المشاهدة |
A3 | 15.5% |
تلفزيون النهار | 13.3% |
تلفزيون الشرو | 13.1% |
الجدول (1): قنوات التلفزيون المحلية الأكثر مشاهدة حسب حصة الجمهور لعام 2014. المصدر: Sigma Conseil.
المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري (ENTV)- وهي هيئة الإذاعة والتلفزيون الوطني وهي مسؤولة عن ثلاث قنوات تلفزيونية وطنية. وتعتبر قناة A3 القناة الأكثر شعبية من قنوات المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري، إذ تحظى بمعظم الاستثمارات، فضلاً عن كونها تعتبر من القنوات التي تمتلك “أحدث” إنتاج.
الشروق– تعتبر واحدة من أكثر القنوات التلفزيونية شعبيةً، وتتبع هذه المحطة الخاصة صحيفة تحمل نفس الاسم.
الإذاعة
عمل جميع المحطات الإذاعية من خلال هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية، الإذاعة الجزائرية، بصرف النظر عن تلك التي تبث حصرياً عبر شبكة الانترنت. ومع ذلك، في عام 2010، وصفت مجموعة أكسفورد للأعمال المحطات الإذاعية باعتبارها أحد أكثر الوسائل الإعلامية شعبيةً في الجزائر، بسبب دورها التاريخي في حرب الاستقلال، وحقيقة أنه يمكن الوصول إليها من قِبل المجتمعات الريفية في البلاد.
الصحافة
بعد أن تخلت الدولة عن احتكارها، ظهرت العديد من الصحف والمطبوعات الدورية في السوق، ابتداءً من عام 1989. وكما ذكرت التقارير، هناك أكثر من 80 من المطبوعات متوفرة حالياً في الجزائر لوحدها، على الرغم من أن قليلاً منها مستقلة. وكما هو شائع في أنحاء المغرب العربي، تجذب الصحف الناطقة باللغة العربية الشريحة الأكبر من القرّاء، بينما يُنظر إلى الصحف الناطقة بالفرنسية باعتبارها حكراً على النخبة من الشعب. المنشورات المطبوعة الرئيسية في الجزائر كما يلي:
اللغة العربية
الخبر– أحد أكثر الصحف قراءةً باستقلالٍ ملحوظ. وهي خاضعة لعرض استيلاء في عام 2016 من أغنى رجلٍ في الجزائر، يسعد ربراب، الذي تم حظره من قِبل الحكومة. فقد عارض ربراب الرئيس بوتفليقة في السابق.
الشروق– صحيفة شعبية مستقلة ولكن نادراً ما تنتقد ويعتقد أنها قريبة من مصادر حكومية. كما أن لهذه الصحيفة موقف ملحوظ ضد الحركات الإسلامية الجزائرية.
النهار- تتم قراءتها على نطاقٍ واسع، وتدعي استقلالها إلا أنه يعتقد قربها من الحكومة، سيما في القضايا المتعلقة بالأمن.
الشعب– صحيفة يومية شهيرة مملوكة للدولة، تُنشر منذ عام 1962.
اللغة الفرنسية
الوطن– صحيفة تتم قراءتها على نطاقٍ واسع باللغة الفرنسية الرسمية. نأت بنفسها عن الحكومة في السنوات الأخيرة، إذ كانت في السابق مقربة من مصادر عسكرية.
لا تريبون- صحيفة تتم قراءتها بشكلٍ أقل من الصحف الفرنسية الأخرى إلا أنها تحظى باحترام.
لوسوار دالجيري- صحيفة تعتمد الإثارة في أسلوبها الإخباري إلى جانب سمعتها بموقفها القوي المعارض للحكومة.
لو كوتيديان دوران– يعتقد المراقبون أنها أكثر المصادر استقلالاً وثقةً في الجزائر.
الصحيفة | متوسط التداول |
الشروق | 500,000 |
الخبر | 400,000 |
الوطن | 100,000 |
ليبرتي | 90,000 |
لوسوار دالجيري | 60,000 |
لو كوتيديان دوران | 40,000 |
الجدول (2): الصحف الأكثر شعبية من حيث التداول اليومي (2012). المصدر: The Report: Algeria 2013, Oxford Business Group.
المجاهد– صحيفة مملوكة للدولة تم تعميمها للمرة الأولى بين المقاتلين المناهضين للاحتلال الفرنسي خلال حرب الاستقلال عام 1962، وبالتالي أصبحت الناطق الرسمي الرئيسي باسم جبهة التحرير الوطني الجزائرية.
وسائل التواصل الاجتماعي والمنشورات على الانترنت
لم يكن لوسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر نفس التأثير باعتبارها أداةً للتعبير عن الآراء بحرية، أو الدعوة للعمل الجماعي كما حدث في دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا الأخرى. ويرجع ذلك إلى حقيقة أنّ 18% فقط من الجزائريين يمتلكون وصولاً منتظماً لشبكة الانترنت. فانتشار الانترنت أكبر في الدول المجاورة بسبب تأثير الحرب الأهلية في الجزائر، الأمر الذي أدى إلى انخفاضٍ في استثمارات البُنية التحتية والتكنولوجيا في تسعينيات القرن الماضي. فقد انتشر الجيل الثالث للاتصالات اللاسلكية الخلوية في عام 2013 فقط، لذا من المحتمل أن تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً أكثر بروزاً في المشهد الإعلامي المستقبلي في الجزائر. ويعتبر موقع فيسبوك أكثر مواقع التواصل الاجتماعي شهرةً في البلاد.
وبالإضافة إلى المنشورات المطبوعة الرئيسية التي تمتك كلٌ منها وجوداً على شبكة الانترنت، ظهرت العديد من وسائل الإعلام الموجودة حصراً على الشبكة العنكبوتية في السنوات الأخيرة، مثل موقع Algérie-Focus والجزائر تايمز المناهضة للحكومة. ومع ذلك، ينص قانون مكافحة الجرائم الالكترونية الذي صدر في البلاد عام 2009، على أنه يمكن حظر المواقع الالكترونية إذا ما تم اعتبارها “مخالفةً للنظام العام والآداب،” إلى جانب فرض متطلبات الرقابة الحكومية على مقدمي الخدمات ومقاهي الانترنت. ولذلك، فإن بيئة وسائل الإعلام الالكترونية تحمل بصماتٍ مشابهة للمشهد العام المفروض على الصحافة والتلفزيون، حيث تحافظ الحكومة على رقابة مشددة. وفي عام 2016، حظرت الدولة مؤقتاً الوصول إلى الفيسبوك وتويتر وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي خلال امتحانات الثانوية العامة لمنع الغش.
الإعلام باللغة الأمازيغية
نسخة وكالة الأنباء الجزائرية باللغة الأمازيغية. المصدر: وكالة الأنباء الجزائرية
نمت الموارد الإعلامية لسكان الجزائر الأصليين في الجزائر، الأمازيغ، بشكلٍ مطرد في السنوات الأخيرة. ففي عام 2009، أطلقت قناة الجزائرية الرابعة الأمازيغية، والتي بثت أخباراً ومقاطع ثقافية باللغة الأمازيغية. وفي عام 2015، أطقلت وكالة الأنباء الجزائرية نسختها باللغة الأمازيغية.
أحدث المقالات
فيما يلي أحدث المقالات التي كتبها صحفيون وأكاديميون مرموقون بشأن موضوع “الإعلام” و “الجزائر”. تم نشر هذه المقالات في ملف البلد هذا أو في أي مكان آخر على موقعنا على الإنترنت: