وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

كأس العالم لكرة اليد لن يستر عورة نظام السيسي

كرة اليد
صورة تم التقاطها يوم ١٤ يناير ٢٠٢١ لـ “حورس”، تميمة بطولة كأس العالم لكرة اليد للرجال ٢٠٢١، وذلك على هامش مباراة جرت في المجموعة “F” بين الجزائر والمغرب في القاعة الرياضية بالعاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة. المصدر: KHALED ELFIQI / POOL / AFP.

نشر موقع الصحفي البارز جيمس دورسي مقالة في مدونته الشخصية وفي موقع “Play the Game” سلط فيها الضوء على ما يتطلع نظام السيسي لتحقيقه من مكاسب على المستوى الدولي عبر استضافة كأس العالم لكرة اليد. ويرى دورسي، وهو باحثٌ بارز في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية، أن استضافة البطولات الرياضية الكبرى فرصة لتحسين صورة الدولة المضيفة. بيد أن استضافة كأس العالم لكرة اليد، لعّدة أسباب، لن تجدي نفعاً يُذكر على مستوى علاقة مصر بالولايات المتحدة وإيطاليا ودول الخليج.

ويرى الجنرال والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن كأس العالم لكرة اليد للرجال 2021 الذي تستضيفه مصر في القاهرة والإسكندرية فرصة لبذل كلّ ما في وسعه في ظلّ اضطراب علاقات مصر مع شركائها الإقليميين والعالميين.

وبحسب دورسي، فإن حُسن تنظيم البطولة، وهي البطولة الأولى التي تضم 32 فريقاً بدلاً من 24 فريقاً، سيكون رداً على الانتقادات الموجهة لإدارة الحكومة لجائحة كورونا. وقد اعترفت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد مؤخراً بأن عدد المصريين المصابين بالفيروس أكثر من عدد الحالات التي رصدتها الحكومة. وإلى جانب ذلك، فإن حُسن تنظيم البطولة سيكون بمثابة تتويج للمصري حسن مصطفى المتربع على رئاسة الاتحاد الدولي لكرة اليد.

وكانت مصر قد اتخذت تدابير صحية احترازية صارمة في تنظيم البطولة لمواجهة الوباء منذ لحظة وصول الفرق والمسؤولين والصحفيين إلى مطار القاهرة الدولي. وتنطبق هذه الإجراءات على التدريبات والإقامة ووسائل الإعلام ووسائل النقل من وإلى الفنادق وأماكن المباريات الأربع المخصصة للبطولة. ويبدو من ذلك أن مصر عازمة على ضمان عدم تحول البطولة إلى بؤرة لنشر الوباء.

وعلى خلفية المخاوف المرتبطة بانتشار فيروس كورونا، فقد قرّر الاتحاد الدولي والسلطات المصرية في اللحظات الأخيرة إلغاء الحضور الجماهيري في الملاعب الأربعة وهي الصالة الرياضية باستاد القاهرة والقاعة الرياضية بالعاصمة الإدارية الجديدة، وصالة الدكتور حسن مصطفى الرياضية بالجيزة، والصالة الرياضية في برج العرب بالإسكندرية.

وفي معرض التعليق على هذا الموضوع، قال الاتحاد الدولي إن القرار تم اتخاذه “بالنظر إلى الوضع الحالي للوباء، وبسبب المخاوف التي أثارها اللاعبون أنفسهم وأشخاص آخرون”.

ويستنكر بعض النقاد سعي مصر إلى استضافة البطولة رغم عجزها عن تلبية المتطلبات الأساسية للعاملين في القطاع الصحي وخط الدفاع الأول ضد الوباء.

يُذكر أن الأطباء والممرضات احتجوا على ارتفاع عدد الإصابات في صفوفهم بسبب افتقارهم إلى معدات الحماية الكافية، كما أنهم هُددوا بالسجن إن تغيبوا عن العمل رغم ما في ذلك من خطر على حياتهم.

ومن تجليات قمع السيسي الوحشيلأي نوع من الانتقادات أن السلطات المصرية ألقت القبض على عدد من الأطباء بتهم الإرهاب لتعبيرهم عن مظالمهم.

ونظراً لضعف تأثير كأس العالم لكرة اليد مقارنة باستضافة حدث ضخم مثل كأس العالم لكرة القدم أو الألعاب الأوليمبية، فإن دورسي يستبعد أن تكون البطولة بمثابة ورقة التوت لنظام السيسي، سيّما وأن هذا النظام يقمع أي معارضة قمعاً صارماً حتى خلت الساحة لأنصاره المتملقين.

ويعتقد الكاتب أن هذا هو الواقع الذي تصدقه على الأقل الإدارة القادمة للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن. وقد وعدت هذه الإدارة بالتركيز على حقوق الإنسان في سياستها الخارجية، ولكنها هي الأخرى بحاجة أيضا إلى العمل على هذا الملف لإصلاح صورة الولايات المتحدة واستعادة مصداقيتها التي تضررت بشدة خلال ولاية ترامب. فقد اعتُبرت سنوات حكم هذا الأخير في رأي كثيرين رمزاً لحكم سلطوي قوّض أسس الديمقراطية.

وبالمثل، فإنّ تنظيم البطولة لن يغير شيئا في موقف إيطاليا ومعظم أوروبا التي تحمّل مخابرات السيسي وحكومته المسؤولية عن اختطاف وتعذيب وقتل جوليو ريجيني.

وريجيني طالب دراسات عليا في جامعة كامبريدج كان يُعد بحثاً عن النقابات المستقلة في مصر قبل أن يختفي في أواخر يناير 2016. وقد عُثر على جثته مشوهة، حتى أن والدته لم تتمكن من التعرف عليه إلا من أرنبة أنفه. وبحسب ما ورد، فإن ريجيني أُصيب بكسر في رقبته ورسغه وأصابع يده وقدمه وأسنانه قبل وفاته. كما نُحتت بعض الأحرف على جلده المصاب بحروق شديدة وكدمات.

وقد تدهورت العلاقات بين مصر وإيطاليا الشهر الماضي بشكلٍ أكبر عندما أغلقت النيابة العامة المصرية تحقيقها في مقتل ريجيني ورفضت نتائج النيابة الإيطالية التي اتهمت أربعة مسؤولين من قوات الأمن المصري بقتله.

ورغم أن سجل السيسي السيئ في مجال حقوق الإنسان لا يمثل مصدر قلق للإمارات والسعودية، فإن البطولة لن تجدي نفعاً في إصلاح الخلافات مع الدولتين الخليجيتين وهما الداعمان الماليان الرئيسيان للسيسي.

وفي خطوة لن تمر مرور الكرام، فقد اختارت مصر فندق “سانت ريجيس” القطري الذي افتُتح حديثاً على ضفاف نهر النيل في القاهرة ليكون إحدى النقاط اللوجستية الرئيسية للبطولة، بما في ذلك المركز الإعلامي.

وشهد الأسبوع الماضي وصول وزير المالية القطري علي شريف العمادي إلى القاهرة لافتتاح الفندق بعد ساعات من إلغاء قمة مجلس التعاون الخليجي المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية. وكانت هذه المقاطعة قد استمرت لثلاث سنوات ونصف بقيادة السعودية والإمارات، وهي المقاطعة التي شاركت فيها مصر والبحرين. ويُعد العمادي هو أول مسؤول حكومي قطري يزور مصر منذ المقاطعة عام 2017.

ويرى دورسي أن الهدف من افتتاح الفندق هو إرسال إشارة غير متوقعة إلى السعودية والإمارات مفادها أن مصر تتخوف من كون المصالحة مع قطر تنطوي على الكثير من التنازلات، بما في ذلك إسقاط المطالب المتعلقة بإغلاق شبكة تلفزيون الجزيرة التي تمولها الدولة والتوقف عن دعم جماعات سياسية مثل الإخوان المسلمين.

كما أُرغمت مصر على قبول رفع المقاطعة رغم إرادتها، مع أنها كانت تحافظ على استمرار الاستثمار القطري وإمدادات الغاز القطرية طوال فترة المقاطعة.

وبحسب دورسي، فإن مصر شعرت بالتهميش بسبب إقامة الإمارات والبحرين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وهو ما يعني حرمان مصر من دورها وسيطاً دبلوماسياً رسمياً رئيسياً بين إسرائيل والعالم العربي في الوقت الذي يسعى فيه نظام السيسي إلى بذل قصارى جهده لنيل ثقة إدارة بايدن.

وتتنامى مخاوف السيسي بسبب الدعم الإماراتي لإثيوبيا، علماً بأن هذه الأخيرة على خلاف مع مصر حول بناء سد على نهر النيل يهدد حصة مصر من المياه. ومن مخاوف السيسي تزايد النفوذ الإماراتي في السودان المجاور، فضلاً عن الخطط المزمعة لمد خط أنابيب بين الإمارات وإسرائيل ينافس مصر في بيع الغاز إلى أوروبا. كما أن الاهتمام الإماراتي بميناء حيفا قد يؤدي إلى توفير خيار آخر منافس لقناة السويس.

ومن شأن كل ذلك تقويض دور مصر كركيزة أساسية لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وربما تقتنع أمريكا بجعل الخليج نقطة محورية لسياستها الأوسع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقد سعى السيسي إلى تهيئة نظامه لقدوم إدارة بايدن من خلال إطلاق سراح بعض السجناء، وتسليط الضوء على علاقاته الجيدة مع المسيحيين المصريين، وتوظيف شركات علاقات عامة أمريكية لتسويق نظامه في البيت الأبيض والكونغرس.

ويختم دورسي مقالته بالتالي: “إن استضافة كأس العالم لكرة اليد مناورةٌ صغيرة في مهمة كبيرة تواجه نظام السيسي، الذي وصمه ترامب حين نعت السيسي بـ ’ديكتاتوري المفضل‘. وليس بوسع كأس العالم لكرة اليد أن يمحي هذه الوصمة”.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://playthegame.org في 13 يناير 2021.