طبّعت كلٌ من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة علاقتهما بالكامل في 13 أغسطس 2020، مما أضاف عقبةً رئيسية أخرى في وجه سعي الفلسطينيين إقامة دولتهم. فقد تبنى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وساطة الصفقة التي يروّج لها باعتبارها إنجازاً رئيسياً في السياسية الخارجية قُبيل ما يُبشر بكونها واحدةً من أهم الإنتخابات في التاريخ الأمريكي.
من جهتها، تزعم الإمارات العربية المتحدة أن إتفاق السلام هذا يمد يد العون للفلسطينيين من خلال إلزام إسرائيل بتأجيل خطط ضم الضفة الغربية؛ الخطوة التي من شأنها تقويض الإجماع العالمي حول حل الدولتين. ويعدّ هذا الإتفاق أيضاً إنجازاً رئيسياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو الذي لطالما جادل أن السلام مع الفلسطينيين لن يتحقق سوى بتطبيع إسرائيل علاقاتها مع دولٍ عربية أولاً.
لكن بالنسبة للفلسطينيين، فشل إتفاق التطبيع هذا في معالجة بناء المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وبالتالي أضفى الشرعية على الاحتلال العسكري الإسرائيلي وحكم الفصل العنصري. كما يضيف النقاد أن الإتفاق يقوض بشدة مبادرة السلام العربية، التي باتت الإطار الأساسي للتفاوض على إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في عام 2002.
وبحسب مبادرة السلام العربية، يتوجب على إسرائيل الإنسحاب من حدود الـ67 والسماح بإقامة دولةٍ فلسطينية مستقلة مقابل تطبيع العلاقات مع العالم العربي. وعليه، كررت المملكة العربية السعودية، في ظل حكم الملك سليمان، دعمها لمبادرة السلام العربية بعد فترةٍ قصيرة من إبرام إتفاق التطبيع الأخير، بينما هنأت كلٌ من البحرين وسلطنة عُمان إسرائيل والإمارات العربية المتحدة على “اتخاذهما خطواتٍ نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط.”
وعلى صعيدٍ متصل، أعرب وزير الاستخبارات الإسرائيلي، إيلي كوهين، في حديثٍ له مع إذاعة الجيش الإسرائيلي عن اعتقاده قيام كلٍ من البحرين وعُمان إنشاء علاقاتٍ رسمية مع إسرائيل قريباً. ومن الجدير بالذكر أن العاهل البحريني، حمد بن عيسى آل خليفة، سبق وقدم مبادرات إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة تحت ستار تعزيز التسامح الديني، وكحال جيرانها الخليجيين، اشترت البحرين تقنية برمجياتٍ إلكترونية متطورة من شركات واجهة إسرائيلية لمراقبة واضطهاد غالبية سكانها الشيعة.
علاوةً على ذلك، فقد سبق ودعا السلطان العُماني الراحل، السلطان قابوس بن سعيد، نتنياهو إلى العاصمة مسقط قبل عامين، وأشار الاجتماع إلى أن الزعيمين يعملان على إقامة اتصالات مفتوحة وعلاقات رسمية في المستقبل القريب. كما تضغط الولايات المتحدة والإمارات على السودان للتوصل إلى سلام مع إسرائيل مقابل رفع اسم الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب – وهو تصنيف يشل اقتصاد السودان ويعيق انتقاله إلى الديمقراطية.
وفي هذا الصدد، قال سام بحور، المستشار السياسي لمركز الأبحاث الفلسطيني المستقل، الشبكة، لنا في فَنَك، إنه يعتقد أن الإمارات العربية المتحدة لم تشرع بإقامة علاقاتٍ رسمية مع إسرائيل ما لم تتعهد دولٌ عربية أخرى باللحاق بركبها. وأضاف أن الإتفاق بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة لا يعكس سوى فشل ترمب وصهره جاريد كوشنر في تنمرهما على الفلسطينيين للتوقيع على خطتهما للسلام في الشرق الأوسط.
“يريد ترمب أن يقول للأمريكيين ‘أنظروا نحن نحرز تقدماً‘ بهذا الإتفاق، إلا أن التقدم الحقيقي لا يحصل سوى بالعمل مع الفلسطينيين،” على حد تعبير بحور عبر مكالمة فيديو مع فَنَك.
ومع ذلك، وعلى الرغم من العلاقات السرية التي تجمع إسرائيل بدول الخليج، إلا أن بعض القادة قد يفكرون ملياً قبل إرساء علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل، إذ ينبع خوفهم بطبيعة الحال من إندلاع اضطرباتٍ إجتماعية في بلادهم في حال تم اتخاذ مثل هذه الخطوة بتطبيع العلاقات. لنأخذ البحرين على سبيل المثال التي شهدت تشكيل ائتلافٍ مكوّن من 23 جماعة سياسية ومدنية ممن أعلنوا معارضتهم تطبيع العلاقات مع إسرائيل في أعقاب إعلان ترمب. أما في الكويت، أصدر 29 حزباً سياسياً ومجموعة من مجموعات المجتمع المدني بياناتٍ دعت بشدة إلى اتخاذ موقفٍ موحد ضد التطبيع، بينما أصدر المفتي العام لعُمان بياناً يدعو فيه إلى تحرير المسجد الأقصى وتحرير ما حوله من أي احتلال.
ومع ذلك، تحرص دول الخليج على رؤية ما إذا كان إتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات سيصمد، ولربما سيستنتج بعض الزعماء العرب أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل لن يجلب لهم المزيد من المزايا ذلك أنهم يحصدون بالفعل ثمار التعاون الأمني مع إسرائيل، إذ تعدّ مجموعة إن إس أو- وهي شركة استخبارات إلكترونية إسرائيلية، مثالاً على ذلك، فالخليج العربي القطاع الأكثر دراً للأرباح لمجموعة إن إس أو التي تعتمد على ممثلين إسرائيليين للترويج للاجتماعات التي تُعقد بين مديريها التنفيذيين، أي مسؤولي الإستخبارات الإسرائيلية، والدول العربية.
ومما لا يُثير الدهشة أن مثل هذا التعاون ليس بالأمر المستغرب بالنظر إلى أن إسرائيل والطغاة العرب القمعيين يجمعهما عدو مشترك في المنطقة، ففيما يتعلق بالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين وإسرائيل، يعتقدون جميعاً أن إيران تهدد هيمنتهم الإقليمية. كما أن التحالف مع الإسرائيليين سيساعد دول الخليج على تشكيل محورٍ أقوى وأكثر تطرفاً في وجه جماعة الإخوان المسلمين، التي تحظى بدعمٍ من الخصماء الإقليميين قطر وتركيا.
فقد أبرمت الإمارات العربية المتحدة الإتفاق مع إسرائيل، من بين جملة أمورٍ أخرى، لتضع يدها على طائرات إف-35 المتطورة التي لطالما حرمتها الولايات المتحدة منها لحماية التفوق العسكري الكبير لإسرائيل في المنطقة. وعليه، أنكر نتنياهو، الذي يُزعم أنه وافق على السماح للإمارات بالحصول على طائرات إف-35، قبوله بمثل هذا الإمتياز بعد أيامٍ فحسب من إعلان إتفاق التطبيع مما دفع الإمارات إلى إلغاء إجتماعٍ ثلاثي مع مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين كان من المزمع عقده في 24 أغسطس.
ألقى هذا الخلاف بظلالٍ من الشك حول صمود الإتفاق المبرم أخيراً، إلا أن المبعوث الأمريكي لإيران، براين هوك، أخبر الموقع الإخباري الأمريكي أكسيوس، أن الولايات المتحدة ستجد طريقة لتعزيز أنظمة الدفاع الإماراتية دون المساس بالتزاماتها الأمنية مع إسرائيل.
وقال هوك “يوجد [الإتفاق الإماراتي الإسرائيلي] مساحةً لمزيد من التعاون الأمني،” وأضاف “سيتم إجراء المحادثات المرجوة حول التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.”
في غضون ذلك، عبر العديد من الفلسطينيين عن استيائهم لعدم استعداد قيادتهم بشكلٍ جيد لإعلان ترمب. فقد أخبر أحمد مجدلاني، وزير التنمية الإجتماعية بالسلطة الفلسطينية، قناة الجزيرة أن لا أحد من دائرته كان على علمٍ مسبق بإبرام الإتفاق.
من جهته قال بحور من الشبكة إن تفاجؤ السلطة الفلسطينية من الإتفاق غير مبرر على الإطلاق، فمن وجهة نظره كان ينبغي على السلطة الفلسطينية أن تدرك منذ سنوات أن حلفائها الخليجيين سيتخلون في نهاية المطاف عن القضية الفلسطينة للأبد، وأضاف أنه ينبغي الآن على الفلسطينيين التحرك لمحاسبة قيادتهم.
وبحسب ما قاله بحور لنا في فَنَك، “أصبح الفلسطينيون الآن يتحدثون بجرأة عن عجز السلطة الفلسطينية إقامة دولة أو حتى المصالحة مع الفصائل الفلسطينية الأخرى.” وأضاف “يفكر الفلسطينيون في الوقت الراهن في كيفية إعادة تنظيم القيادة الفلسطينية.”