المقدمة
جسر فرسك، من تصميم وبناء مهندسين نمساويين وألمان ودنمركيين خلال الحرب العالمية الثانية، في عهد رضا شاه. في نهاية الحرب أراد هتلر تدمير الجسر لأسباب استراتيجية Photo Shutterstock / اضغط للتكبير
في عشرينيات القرن العشرين، كان معظم سكان إيران يعيشون في الأرياف، وكانت وسائل النقل بدائية وعدد المصانع الكبيرة والحديثة قليل. كانت التجارة والإنتاج يستهدف الأسواق المحلية، باستثناء الصناعة النفطية المتنامية التي كانت تنتج النفط بشكل متزايد للسوق الدولية.
اعتباراً من عام 1925، باشر رضا شاه بهلوي بتحديث إيران بشكل سريع. فسعى إلى تشكيل حكومة مركزية قوية ودخول الأسواق الغربية. وشهد التصنيع تقدماً كبيراً، وشُقّت الطرقات والسكة الحديدية العابرة، وتم تغيير التشريعات المتعلقة بشركات النفط الأجنبية بهدف تأمين عائدات أكبر لإيران.
في عهد رضا شاه، ازداد عدد المصانع من 20 إلى 346، باستثناء تلك المعنية بمعالجة النفط. وبين 1926 و 1941، ازدادت القوى العاملة في مجال صناعة النفط من 20,000 إلى 31,000. وأدى النمو الصناعي الحديث إلى التحضر بشكل سريع: ازداد عدد سكان طهران من 196,000 تقريباً عام 1922 إلى حوالي 700,000 عام 1941.
خلال هذين العقدين، نمت الموازنة الوطنية في إيران من حوالي 15 مليون دولار إلى 166,5 ملايين دولار؛ غير أن الاستثمارات ركزت بالأكثر على تطوير الشركات ذات الكثافة الرأسمالية عوضاً عن الكثافة العمالية، ومعظم الإيرانيين الذين كانوا لا يزالون يعيشون في المناطق الريفية لم يستفيدوا من تلك التطورات بشكل مباشر.
بعد تولي السلطة عام 1941، تابع محمد رضا شاه بهلوي برامج التحديث التي اعتمدها والده. وعام 1947، تم إطلاق خطة تطوير حكومية كبرنامج مدته سبع سنوات. وهدفت الثورة البيضاء التي بدأت عام 1963 إلى تحويل إيران إلى قوة اقتصادية وصناعية عالمية. وشمل ذلك: استصلاح الأراضي وشق الطرقات الموسعة والسكك الحديدية والشبكات الجوية والسدود ومشاريع الري ودعم النمو الصناعي، إلخ.
ازدياد عائدات النفط
تزامن تركيز الاقتصاد مع زيادة في عائدات النفط. خلال السبعينيات، بقيت صادرات النفط والغاز المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي في إيران. وفي الستينيات والسبعينيات، شهدت إيران تطوراً سريعاً، غير أن التقدم كان غير متكافئ. وبسبب نقص العمال الإيرانيين التقنيين الكفؤ، تم استقدام عمال أجانب بشكل متزايد إلى إيران.
بالاعتماد على العائدات الناجمة عن الطفرة النفطية التي امتدت من عام 1973 وحتى منتصف عام 1977، شجع الشاه التصنيع وإنشاء قوات عسكرية حديثة؛ غير أن العملية جرت بسرعة فائقة، مما أدى إلى زيادة التضخم والفساد وارتفاع الهجرة الريفية إلى المدن إلى الحد الأقصى.
الاعتماد على الذات
بعد الثورة الإسلامية عام 1979، أصبح الاعتماد على النفس بدلاً من التغريب نقطة ارتكاز التنمية. في خطة التنمية الأولى (1983- 1988)، أعلنت الحكومة أن أهدافها تتمثل بالاكتفاء الذاتي من حيث المواد الغذائية وتأمين العمل للجميع وتحسين ظروف المعيشة وتقليص اعتماد الدولة على الصادرات النفطية.
في المقابل، تدهور القطاع الزراعي نظراً إلى المشاكل غير المحلولة لاستصلاح الأراضي وغياب الحوافز، والتحضر السريع. وفي حين تمكنت إيران تقريباً من تحقيق الاكتفاء الذاتي على صعيد الزراعة في الستينيات، إلا أنه تعيّن عليها استيراد 65% من المواد الغذائية عام 1979. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع الاعتماد على النفط مع ارتفاع سعر النفط إلى 40 دولار لكل برميل. وبقيت إيرادات الصادرات النفطية مرتفعة حتى منتصف الثمانينات.
الحرب العراقية الإيرانية
تسببت الحرب مع العراق (1980-1988) بأضرار كبيرة على الاقتصاد في إيران. ففي منتصف الثمانينيات، تم إنفاق نصف إيرادات إيران على استيراد الأسلحة؛ وتراجعت التنمية الصناعية والنفطية، كما تدهور القطاع الزراعي أكثر فأكثر. في ذلك الوقت، بدأت الإيرادات النفطية بالتراجع. ومع حلول عام 1985، بلغت الإيرادات مليار دولار في الشهر، ما يعادل تقريباً تكلفة الحرب مع العراق فقط. تم اقتطاع الإنفاق غير العسكري، مما أضر بالاقتصاد الوطني بشكل أكبر. تم توزيع المؤن الأساسية، مثل اللحوم والأرز والسكر ومنتجات الحليب، وازدهرت الأسواق السوداء.
بعد الحرب مع العراق، بدأت الحكومة بالعمل على إصلاح الاقتصاد. ورغب كل من الرئيسين هاشمي رفسنجاني (1989-1977) وخاتمي (1997-2005) بجعل الصناعة الإيرانية أكثر تنافسية على الصعيد الدولي. فسعيا إلى تقليص الإعانات وإنشاء نظام ضريبة دخل عادل وخصخصة الشركات الحكومية، غير أن المعارضة كانت قوية وأعيقت العديد من الإصلاحات. وفي حين كان تنويع الاقتصاد الهدف منذ أوائل القرن الواحد والعشرين، إلا أنه لم يحرز سوى القليل من التقدم.
في عهد أحمدي نجاد
من خلال إطلاق برنامج انتخابات شعبوي، وعد الرئيس أحمدي نجاد بتحسين الظروف المعيشية للفقراء. فقام برفع المستويات الدنيا للأجور – وسرعان ما تم إبطال ذلك بعدما قامت المؤسسات بطرد الموظفين بسبب التكاليف المرتفعة – ووعد برواتب تقاعد أعلى، كما اتخذ تدابير شعبوية أخرى، مثل القروض للمؤسسات الصغيرة في المناطق المتخلفة.
في المقابل، ساهم الإنفاق في زيادة معدل التضخم الذي بلغ 17,1% عام 2008 وتخطى الـ 15% عام 2010. وفي حين يعاني الاقتصاد في البلاد من الضغوطات الناجمة عن العقوبات، فإن الحكومة تنفق الأموال كما لو أنه ثمة موارد وافرة. وساهمت سياسات إصلاح الإعانات في زيادة معدل التضخم إلى حوالي 20% عام 2011.
يواجه اقتصاد إيران سلسة من التحديات الكبيرة. تتحكم الدولة بمعظم النشاطات الاقتصادية. وتعد الحكومة الإيرانية من أهم وأكبر أرباب العمل في البلاد، وتساهم الشركات المملوكة للدولة بشكل كبير في الموازنة الوطنية. ومنذ تولي أحمدي نجاد رئاسة الجمهورية، تم إيقاف عمليات الخصخصة الضرورية.
في الاقتصاد الحر، تنشأ العائدات بمعظمها عن الاستثمارات والضرائب، وتغطي معظم ميزانية الدولة. غير أن اقتصاد إيران غير شفاف، حيث أنه لا يمكن التوصل إلى معرفة كم يتقاضى كل موظف، كما أن العديد من اللاعبين الاقتصاديين (مثل بعض المؤسسات) يُعفون من تدقيق الحسابات والضرائب. هدفت خطة التنمية الاقتصادية الثالثة (2000-2005) إلى تقليص اعتماد الحكومة على عائدات النفط إلى أقل من 12 مليار دولار، غير انها ارتفعت في الوافع إلى أكثر من 40 مليار دولار عام 2006.
من بين المشاكل الرئيسية الأخرى: الدعم، وبخاصة في قطاع الطاقة. عام 2008، استوردت إيران حوالي 40% من احتياجاتها المحلية من النفط بسبب قدراتها المحدودة على التكرير. عام 2009، أنفقت إيران 11 مليار دولار على النفط المستورد. عام 2010، تراجعت الواردات النفطية إلى 30% من احتياجات السوق: 25 مليون لتر بنزين و 11 مليون لتر ديزل في اليوم. بالإضافة إلى ذلك، فإن اقتصاد إيران غير كفوء. ففي حين يتم تطوير المعلوماتية، إلا أن معظم الأعمال الإدارية لا تزال تتم على الورق. كما أن سمعة المؤسسات المملوكة للدولة سيئة بسبب بيروقراطيتها.
الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها تحسين الاقتصاد الإيراني هي إعادة هيكلته، ولكن من غير المرجح أن يحدث ذلك في القريب العاجل نظراً إلى وجود مجموعات ذات مصالح خاصة ومنشآت اقتصادية هامة تعارض ذلك. وتبقى ظروف الاستثمار في البلاد غير مغرية بالنسبة إلى الشركات الأجنبية، وقد تم تعليق العديد من المشاريع أو إبطاؤها. ونتيجة لتدني أسعار النفط، وتدني إنتاج النفط عام 2009، من المتوقع أن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل كبير.