وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في سوريا، الأسد يحقق النصر مع سحب الولايات المتحدة دعمها للمعارضة المعتدلة

 على الرغم من أن النتيجة النهائية للنزاع في سوريا لم تظهر بعد في أغسطس 2017، إلا أنّ تغيّر مواقف القوى العالمية المنخرطة بحربٍ بالوكالة في البلاد منح الرئيس بشار الأسد انتصاراً على المتمردين.

سوريا
جنود سوريون يرفعون إشارات النصر خلال عملية عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في صحراء محافظة السويداء، سوريا، 12 يوليو 2017. Photo Eyevine

دخلت الحرب التي دامت ست سنوات في سوريا مرحلةً أخرى، مع سحب الولايات المتحدة الأمريكية دعمها للمعارضة المعتدلة التي تقاتل نظام الرئيس بشار الأسد، وتكثيف هجماتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وفي الوقت نفسه، باتت روسيا تلعب دوراً حاسماً على نحوٍ متزايد في المناطق يتواصل فيها القتال بين المتمردين وقوات النظام. كما تضطلع روسيا بدورٍ قيادي في تنفيذ اتفاقٍ جديد لوقف إطلاق النار في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في شمال حمص، كما هو الحال في اتفاقات وقف إطلاق النار الأخيرة.

ففي يوليو 2017، قررت إدارة ترامب وقف الدعم بحوالي مليار دولار أمريكي عن برنامجٍ للاستخبارات المركزية قدمه الرئيس السابق باراك أوباما، والذي تم بموجبه تقديم أسلحةٍ وتدريبٍ لجماعات المعارضة المعتدلة الذين يقاتلون ضد الأسد منذ عام 2013. وفي تغريدةٍ له، وصف ترامب أنه ينهي “دفعات ضخمة وخطيرة من الأموال المهدورة لمصلحة المتمردين السوريين الذين يقاتلون الأسد.” وفي بعض الحالات، انتهت المعدات التي قدمتها الولايات المتحدة إلى المعارضين المعتدلين بين أيدي الجماعات المتطرفة، بما في ذلك جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة.

ويؤكد إنهاء البرنامج على العلاقة المتغيرة بين الولايات المتحدة وروسيا. فبعد أن شنت روسيا هجوماً عسكرياً لدعم النظام السوري في عام 2015، وضع دعم الولايات المتحدة للجماعات المعارضة القوتين العالميتين في دائرة الصراع. وقال مسؤولٌ تحدث إلى رويترز عن إنهاء البرنامج أنه “إشارة إلى بوتين بأن الإدارة [الأمريكية] تريد تحسين العلاقات مع روسيا،” على الرغم من أن المسؤول اعترف بأنه لم يكن تنازلاً كبيراً ذلك أن قوات الأسد كانت بالفعل تحقق انتصارات.

وفي حديثه عن الموضوع نفسه، قال تشارلز ليستر، الخبير في الشأن السوري من معهد الشرق الأوسط، لصحيفة نيويورك تايمز، أن الولايات المتحدة “لم تعطهم أبداً الموارد اللازمة أو المساحة اللازمة لتحديد ديناميات ساحة المعركة. كانوا يُغذون جماعات المعارضة بالقليل القليل، بما يكفي للبقاء على قيد الحياة، ولكن ليس بما يكفي ليصبحوا فاعلين مسيطرين.”

وقال معارضون من ساحة المعركة لصحيفة فايننشال تايمز أن الدعم يتناقص منذ أشهر، إلا أنه لم تصلهم أي أقوالٍ رسمية بوقفه. وقال أحد قادة الثوار أنه على الرغم من محدودية فعالية الدعم الأمريكي، “لا أريد أن يغادر الأمريكيون، لأن هذا يعني أن سوريا قد استسلمت – من جهة إلى الأتراك وجماعات الإخوان المسلمين التي تدعمها في سوريا، ومن الجانب الآخر إلى روسيا والنظام.”

وتدعم كلٌ من روسيا وإيران الأسد، بينما تدعم تركيا الجماعات المتمردة. ووقعت الدول الثلاث اتفاقاً في مايو 2017 يدعو إلى إنشاء أربع مناطق “لتخفيف التصعيد” في سوريا. ولم تكن الولايات المتحدة طرفاً في الإتفاق. ومع ذلك، في يوليو 2017، أعلنت الولايات المتحدة وروسيا، إلى جانب الأردن، اتفاق وقفٍ لإطلاق النار في المحافظات الجنوبية الغربية من درعا والقنيطرة والسويداء. وقال وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون “أعتقد أن هذا أول مؤشر على قدرة الولايات المتحدة وروسيا على العمل معاً في سوريا.”

وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن إسرائيل – التي لم تكن طرفاً رسمياً في وقف إطلاق النار – شاركت في محادثاتٍ سرية حول الصفقة المقترحة، أثار خلالها مسؤولون إسرائيليون مخاوف من أنها لم تتناول وجود إيران وميليشيات حزب الله اللبناني المدعوم من إيران في المنطقة. وحسب ما أفادت به صحيفة هآرتس، يشعر الإسرائيليون بالضيق لأن الاتفاق النهائي ذكر بعباراتٍ عامة فحسب أنه ينبغي منع الأطراف المسلحة الأجنبية من دخول مناطق تخفيف التصعيد.

وقال المرصد السوري لحقوق الانسان الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له أنه “تسبب في انخفاضٍ كبير في عدد القتلى في المحافظات الثلاث، وخصوصاً بين المدنيين الذين قتلوا بقصف الطائرات الحربية.” فقد قتل شخصان فقط جراء القصف في الشهر الأول من الإتفاقية، مقابل 84 شخصاً في الشهر السابق. غير أن المرصد أبلغ أيضاً عن وقوع انتهاكاتٍ متعددة للاتفاق. وبعد وقتٍ قصير من توقيع الاتفاق، أعلنت روسيا وسوريا اتفاقاً لوقف إطلاق النار في منطقة الغوطة الشرقية في دمشق، على الرغم من أن المرصد السوري أفاد بأن القصف والقتال استمر أيضاً في تلك المنطقة.

وفي الآونة الأخيرة، أعلنت وزارة الدفاع الروسية والمتمردين في شمال حمص في أوائل أغسطس 2017 اتفاقاً لوقف إطلاق النار في تلك المنطقة. وقد أقامت روسيا نقاط تفتيشٍ لمراقبة وقف اطلاق النار الذي تم خرقه بشكل شبه مباشر، كحال الاتفاقات الأخرى، من جانب الأطراف المتحاربة. ولم تكن الحكومة السورية جزءاً رسمياً من الإتفاق، وكذلك هو حال الولايات المتحدة.

وفي تطورٍ حديثٍ آخر لم تظهر عواقبه بعد، سيطرت جماعة ذات علاقة بتنظيم القاعدة على إدلب في خضم قتال فصائل المتمردين. وتُسيطر الجماعة التي كانت تُعرف بالسابق باسم جبهة النصرة على التحالف الذي أعلن انتصاره في إدلب، المعروف بهيئة تحرير الشام. وقد نقل مؤخراً عدة آلافٍ من مقاتلي النصرة وأسرهم وغيرهم من اللاجئين إلى إدلب من المنطقة الحدودية الشرقية من لبنان، وذلك بموجب اتفاقٍ بين حزب الله وهيئة تحرير الشام، بعد أن هزم حزب الله الجماعة السورية في عمليةٍ عسكرية.

وفي الوقت نفسه، استمر هجوم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش في الرقة، مدفوعاً إلى حدٍ كبير بحلفاء أكراد يدعمون قوات سوريا الديمقراطية على الأرض. وقد تم إستعادة حوالي 45% من الأراضي من داعش، ولكن على حساب عددٍ كبيرٍ من القتلى المدنيين. وقال أليكس هوبكنز، وهو منتج على شبكة الإنترنت مع Airwars، وهو موقعٌ يوثق الغارات الجوية والإصابات بين المدنيين في المعركة ضد داعش، أن 59% من الحوادث التي استعرضت في سوريا في مايو 2017 نفذها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وخلص إلى أنه “بمراجعة هذه الحوادث يوماً بعد يوم، لا يسعني إلا أن أشعر بأن حماية قوات التحالف للمدنيين غير كافية على الإطلاق.”

وعليه، إن ما سيحدث لحلفاء الولايات المتحدة الأكراد بمجرد طرد داعش من معاقلها في سوريا، سؤالٌ آخر ينتظر الإجابة. فقد ازداد التنسيق بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية، مما أدى إلى زيادة التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا، التي تشعر بالقلق إزاء احتمال إنشاء دولةٍ كردية في شمال سوريا. ولا تزال هناك أسئلة تُطرح أيضاً بشأن من سيتولى إدارة الرقة بمجرد طرد داعش. وقال تيلرسون للصحفيين أن الولايات المتحدة مهتمة أساساً بمحاربة داعش الآن، ولا تريد الخوض أكثر في الصراع بين الجماعات الأخرى فى سوريا.

وقال في هذا الصدد “يجب على الفاعلين في سوريا تذكر أن معركتنا هي مع داعش،” وأضاف “ندعو جميع الأطراف، بما في ذلك الحكومة السورية وحلفاؤها، وقوات المعارضة السورية وقوات التحالف التي تخوض المعركة لدحر داعش، تجنب الصراع مع بعضها البعض والإلتزام بالحدود الجغرافية المتفق عليها لتجنب النزاعات العسكرية وبروتوكولات تخفيف التصعيد.”

بيد أن نتيجة المعركة مع داعش قد تشرع أيضاً أبواب المنافسة على جبهاتٍ أخرى. ففي دير الزور، على سبيل المثال، إذا ما هزمت الميليشيات المدعومة من إيران داعش، قد تمهد السيطرة على المنطقة سبيلاً سهلاً لإيران داخل سوريا، وثم إلى لبنان، قاعدة حليفها، حزب الله، وهي نتيجةٌ من المحتمل أن تؤجج التوترات بين إيران ووكلائها، واسرائيل، حليفة أمريكا.