في خضم تقلص مساحات الأراضي التي تُسيطر عليها جماعات المتمردين في سوريا، لا تزال الأراضي التي يُسيطر عليها الجيش السوري الحر في أبريل 2018 أصغر من ذلك.
فالمعارضة المسلحة، التي لم تكن يوماً قوة موحدة بل فصيلاً حراً، تفقد سيطرتها أمام كلٍ من النظام السوري وجماعات المتمردين الأخرى، بما فيها هيئة تحرير الشام المرتبطة بالقاعدة (والتي كانت تُعرف بالسابق بجبهة النصرة).
وبعد أن خسر الجيش السوري الحر تمويل الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت تركيا اليوم الداعم الدولي الرئيسي الوحيد له. ونتيجةً لذلك، لم يشن الجيش السوري الحر عملياته الأخيرة ضد النظام السوري بل خدمةً لتركيا ضد الجماعات الكردية في عفرين شماليّ سوريا. وبشكلٍ متزايد، باتت الجماعة تفقد أهميتها، وبالتأكيد تضاءل أي أملٍ بتوفيرها بديلاً موثوقاً لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد.
فقد كتب رضوان زيادة، أحد كبار الباحثين في المركز العربي واشنطن دي سي، أن الجماعة “فشلت في الحفاظ على هيكل ثابت أو التأكيد على روح العمل الجماعي المؤسسي.”
وأضاف “الخلافات الشخصية والتناحر بين قادته، وتدخل القوى الإقليمية في دعم وتمويل عملياته، حكم على مهمته بالفشل.” وتابع قوله “من ناحية أخرى، استهدف التدخل الروسي [الذي بدأ] في سبتمبر 2015 وحداته على وجه التحديد منذ أن مثلَّ الفصائل المعتدلة في المعارضة.”
ومن الجدير بالذكر أنه تم تشكيل الجيش السوري الحر في بداية النزاع في عام 2011 من قبل ضباط وجنود الجيش المنشقين، إلا أنهم لم يكن لديهم قط قيادةٌ مركزية أو هيكلٌ موحد، كما انفصلت بعض الجماعات التابعة للجيش السوري الحر في وقتٍ لاحق عنه وانضمت إلى مجموعات أخرى مثل الجبهة الإسلامية، وهي تحالفٌ وطني يضم الفصائل الإسلامية التي تأسست في نوفمبر 2013.
ومع ذلك، ونظراً لأن الجيش السوري الحر كان يُنظر إليه باعتباره معارضةً علمانية أو معتدلة ضد الأسد، تلقى دعماً محدوداً من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى وكذلك من دول أخرى معارضة للنظام السوري، بما في ذلك تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر. وبعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” خاضت فصائل الجيش السوري الحر قتالاً مع الجماعة المتطرفة للسيطرة على الأراضي في بعض المناطق وكذلك مع جبهة النصرة وخليفتها، هيئة تحرير الشام. وفي الوقت نفسه، وصلت بعض الأسلحة والمساعدات المخصصة لمقاتلي الجيش السوري الحر إلى داعش وجبهة النصرة، وانشق بعض مقاتلي الجيش السوري الحر إلى تلك الجماعات أو نسقوا معها.
وفي مقالٍ نُشر على موقع War on the Rocks الإلكتروني، وهو منصة مختصة بقضايا السياسة الخارجية والأمن القومي، أشار المحلل الأمريكي المختص بالشأن السوري، سام هيلر، إلى أن “المتمردين كانوا أكثر اهتماماً بمواجهة نظام الأسد- حتى وإن عنى ذلك القتال في صفوف الجهاديين أو تحت إمرتهم- بدلاً من مواجهة الجهاديين. كما عنى الخلل المتعصب والتورط الشخصي للمتمردين أن الجهاديين كانوا أكثر مركزية وقوة داخل المعارضة المسلحة من واشنطن وغيرها من الدول الداعمة للمتمردين الذين يتم تقديرهم أو الاعتراف بهم.”
فقد أنهت واشنطن دعمها للجيش السوري الحر في صيف عام 2017، حيث انتقد الرئيس دونالد ترمب هذا الأمر باعتبارها “مدفوعات ضخمة وخطيرة وغير فعالة،” وحوَّل المزيد من اهتمامه وتمويله لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في شرق سوريا. وعلى الرغم من أن المساعدات المقدمة من الولايات المتحدة لم تكن ذات أهمية بالقدر الكافي لتحويل مسار النزاع، إلا أن خسارتها ما زالت تمثل ضربةً للجيش السوري الحر الذي يعاني بالفعل. فقد عانت الجماعة بالفعل من انتكاسةٍ كبيرة في عام 2016، عندما تدخلت روسيا لمساعدة النظام في استعادة حلب، التي كانت آنذاك أهم المناطق الي يُسيطر عليها المتمردون.
وفي الوقت نفسه، سيطرت هيئة تحرير الشام على غالبية إدلب، التي كانت آخر محافظةٍ تحت سيطرة المتمردين. فقد ضمن الحضور القوي للجماعة المتطرفة في المحافظة رد فعلٍ صامت من قِبل المجتمع الدولي عندما شنت القوات السورية والروسية حملةً جوية متصاعدة هناك في أوائل عام 2018.
وفي الآونة الأخيرة، شكل استيلاء النظام السوري على أجزاء كبيرة من الغوطة الشرقية، آخر معاقل المتمردين بالقرب من العاصمة دمشق، هزيمةً ساحقة أخرى للجيش السوري الحر. فقد كان فيلق الرحمن، التابع للجيش السوري الحر، فصيل المتمردين الرئيسي المُسيطر على المنطقة في الغوطة، إلا أن الفصائل كانت مشتته وتحاربت فيما بينها، مما منح النظام فرصة إعادة السيطرة على المنطقة. وفي نهاية المطاف، وافق فيلق الرحمن، بموجب صفقةٍ بوساطةٍ روسية، على إجلاء مقاتليه إلى إدلب.
ومع انهيار صفوفه، ناشد قادة الجيش السوري الحر الولايات المتحدة الأمريكية استئناف المساعدات التي تم سحبها. وأفادت وكالة رويترز بأن وفداً من المسؤولين في الجيش السوري الحر قد سافروا إلى واشنطن في يناير 2018 للاجتماع مع مسؤولي البيت الأبيض وأعضاء من الكونغرس لتبني قضيتهم. وقال مصطفى سيجري، وهو مسؤولٌ كبير في الجيش السوري الحر، لرويترز إن مساعدة المتمردين سيساعد في “مواجهة الهيمنة الإيرانية في المنطقة.”
ومن غير الواضح بعد مدى الدعم الذي سيحصلون عليه من خلال منشادتهم هذه. وفي غضون ذلك، تعتبر تركيا الرهان الوحيد المؤكد للجيش السوري الحر، وآخر الداعمين الماليين والعسكريين المتبقين لهم، مما يمنحها فرصةً للبقاء لاعباً ذو صلة في ساحة الصراع السوري المزدحم.
ونتيجةً لذلك، تقرّب الجيش السوري الحر أكثر فأكثر من تركيا، كما انضم آلاف المقاتلين من الجيش السوري الحر إلى الهجوم التركي ضد الجماعات التركية في عفرين والمنطقة المحيطة بها في شمال سوريا. فقد أثار هذا الهجوم جدلاً كبيراً، حيث اتهم سكان بعض المناطق التي سيطرت عليها القوات التركية وحلفاؤها من قوات المتمردين السوريين، مقاتلي الجيش السوري الحر بنهب المتاجر والمنازل.
بيد أنه بالنسبة للجيش السوري الحر، أتاحت هذه العملية الفرصة لاستعادة مساحاتٍ كبيرة من الأراضي بعد فقدانهم السيطرة على الكثير من المساحات في حلب وإدلب وأماكن أخرى. بل إن السيطرة على الأراضي المحيطة بعفرين يمكن أن توفر أيضاً قاعدةً لشن هجماتٍ على هيئة تحرير الشام في إدلب وإستعادة السيطرة على الأراضي هناك. ومجدداً، مع عودة الغوطة إلى يد النظام، من المرجح أن تصبح إدلب الهدف التالي لقوات النظام وروسيا.
ومع وجود هيئة تحرير الشام من جهة، والنظام السوري من جهةٍ أخرى، يبدو أن الجيش السوري الحر يواجه وضعاً يتعذر الدفاع عنه في إدلب، إلا إذا ما قامت تركيا بتدخلٍ شاملٍ هناك أيضاً. فلا تزال المرحلة الأخيرة من لعبة الشطرنج هذه غير واضحة، إلا أن ما هو واضحٌ وضوح الشمس أن آمال الجيش السوري الحر بالإطاحة بالأسد باتت في عداد الموتى.