وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عباس يخرج من مؤتمر فتح أقوى من أي وقتٍ مضى

 مؤتمر فتح خطاب محمود عباس
محمود عباس أثناء القائه كلمةً في اليوم الثاني لمؤتمر فتح السابع في رام الله، فلسطين، 30 نوفمبر 2016. Photo Flash90

في يوم التاسع والعشرون من شهر نوفمبر2016 ولغاية الرابع من ديسمبر 2016، كانت مدينة رام الله في الضفة الغربية مع الحدث الفلسطيني المهم بانعقاد المؤتمر العام السابع لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”. لم يكن عبثاً اختيار محمود عباس هذا اليوم بالذات لانعقاد المؤتمر، فتاريخ 29 نوفمبر هو يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني.

فالجميع يدرك بأن هذا المؤتمر لم يكن كغيره من المؤتمرات، فمن ناحية سوف يتحدد فيه النهج والبرنامج السياسي لحركة فتح، التي تعتبر حاملة المشروع الوطني بأكمله، وبالتالي برنامجها السياسي سوف يعتبر البرنامج السياسي لمنظمة التحرير متعددة الأحزاب، التي تعتبر فتح أكبر فصيل فيها، وللسلطة الوطنية الفلسطينية.

إن عقد المؤتمر بحد ذاته يعتبر إنجازاً مهماً بسبب الكم الكبير للتحديات والصعوبات التي أحيطت بالمؤتمر الأخير عام 2009. فعلى الصعيد السياسي مع إسرائيل، لم يكن بحوزة الرئيس الفلسطيني ورئيس حركة فتح، محمود عباس، أي إنجازٍ سياسي حقيقي يستطيع أن يقدمه في المؤتمر، فالمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية مجمدة منذ أكثر من سنتين، والاستيطان الاسرائيلي يلتهم يومياً أراضٍ فلسطينية جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية. كما مر على اتفاقية أوسلو أكثر من 22 عاماً، ولا تزال “التسوية السلمية الدائمة والشاملة،” التي وعدت بها بعيدة المنال. ولعل أخطر شيء يضاف على الصعيد السياسي هو تراجع أهمية القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، بعد أن حلت قضايا جديدة على السطح استحوذت على اهتمام المجتمع الدولي مثل قضية الإرهاب وتدفق اللاجئين إلى أوروبا والحرب في سوريا واليمن.

أما على المستوى الداخلي، فما زال الانقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس، التي تحكم قطاع غزة، مستمراً منذ عشر سنوات، وجميع المحاولات لإنهاء الانقسام باءت بالفشل.

ولكن لعل أهم التحديات التي واجهت حركة فتح في عقد مؤتمرها الاخير هي المشاكسات الكثيرة من قبل السياسي الذي تم فصله من الحركة في يونيو 2011، محمد دحلان، والذي يعتبر الخصم اللدود للرئيس الفلسطيني محمود عباس على مدى السنوات الخمس الماضية. دحلان لم يرضخ لقرار الفصل، وظل في مناكفاتٍ مستمرة مع عباس، وازدادت حدة الاتهامات من قبل الطرفين لبعضهما البعض حتى وصلت ذروتها بداية شهر مارس لعام 2014 بالتخوين من قبل عباس لدحلان، وبالفساد السياسي والمالي من قبل دحلان لعباس. ولم تفلح المحاولات الكثيرة لرأب الصدع بين الطرفين على الرغم من تدخل قوى إقليمية لها ثقلها السياسي والمالي على السلطة الفلسطينية. فقد تشكلت لجنة رباعية عربية (السعودية، الاردن، مصر، والامارات) وقدمت خطة للرئيس الفلسطيني عباس لتفعيل وتحريك الملف الفلسطيني، وتهدف الى تحقيق مصالحتين.

الاولى “فتحاوية داخلية”، تعيد المفصولين بزعامة النائب في المجلس التشريعي محمد دحلان الى الحركة الام، والثانية بين فتح في الضفة وحركة حماس في قطاع غزة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي. وعلى الرغم من أن اللجنة الرباعية هددت بوقف الدعم المالي عن السلطة في حالة رفض عباس للمقترحات، أصر عباس على موقفه ورفض التدخل العربي بالشأن الداخلي الفلسطيني بشكل حازم. رفض عباس للمصالحة الفتحاوية لم يثني دحلان عن موقفه، ولم يقف دحلان موقف المتفرج عندما بدأت تلوح في الأفق معالم انعقاد المؤتمر بشكل جدي بداية شهر اكتوبر من 2016، حيث استطاع دحلان اقناع الادارة المصرية بوجوب عقد مؤتمرات لقيادات وشخصيات فلسطينية سياسية، ومن رجال الاعمال، والمجتمع المدني، والمخاتير من قطاع غزة في القاهرة بالتعاون مع المركز القومي المصري لدراسات الشرق الأوسط، وذلك من اجل استمالة مواقف تلك الشخصيات الفلسطينية الغزاوية لصالح دحلان ضد محمود عباس. وعليه تم عقد مؤتمرين في منتجع “العين السخنة” على ساحل خليج السويس المصري في البحر الأحمر، تحت عنوان “مصر والقضية الفلسطينية،” حيث أعتبر أنذاك منعطفاً بارزاً في العلاقة بين مصر والسلطة الفلسطينية، التي ترى فيه من ناحيتها تجمعاً للمعارضة.

خطاب الرئيس عباس في مؤتمر حركة فتح

ما كان يؤرق عباس قبل انعقاد المؤتمر أن يتم وصفه بأنه “إقصائي” وأنه أحدث انقساماً وشرخاً عميقاً داخل حركة فتح. لذا حرص عباس على أن يتم دعوة عدد كبير من الاعضاء للمؤتمر، حيث بلغ عدد الاعضاء للمؤتمر أكثر من 1411 عضواً، يمثلون أقاليم الضفة الغربية والقدس، وقطاع غزة، واقاليم الدول العربية، وخاصة الاردن ولبنان وسوريا ومصر، حيث التجمع الفلسطيني الأكبر في الشتات، بالإضافة الى مندوبين من الدول الاوروبية والامريكيتين. وعلاوة على ذلك، تم دعوة جميع الاحزاب والحركات السياسية الاخرى، بمن فيها حركة حماس، ناهيك عن توجيه الدعوة الى عدد كبير من الدول العربية والاجنبية، حيث حضر المؤتمر ما يقارب من 60 وفداً من 28 دولة.

وبخلاف المؤتمرات السابقة لحركة فتح، التي كانت تتميز جميعها بخلافٍ شديدٍ بين الاعضاء على البرنامج السياسي واستراتيجية التحرير، لم يتم التركيز في المؤتمر السابع على مناقشة النهج والبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو حتى الاستراتيجية الوطنية، وإنما ركز على توزيع عضوية الثوري والمركزية.

وبعكس الطريقة غير المفهومة التي استخدمت في انتخاب حركة فتح لمحمود عباس رئيساً لها لخمسة أعوام برفع الايدي، حتى من دون أن يعلن عن ترشحه، أو امكانية وجود منافس له، كان خطاب عباس في اليوم الثاني والذي استغرق أكثر من ثلاث ساعات واضح المعالم، حيث وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالنهج السياسي تجاه إسرائيل، وفيما يتعلق بالعلاقة الوطنية وخاصة مع حركة حماس، بشكل واضح لا لبس فيه.

مضمون خطاب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الفلسطينية ورئيس حركة فتح، محمود عباس، أن أسلوبه ونهجه السياسي المتبع منذ أكثر من اثنا عشر عاماً لن يتغير في الخمس أعوام القادمة، هي فترة انتخابه للدورة الحالية. وفي هذا الإطار شدد عباس على مجموعة من المبادئ الأساسية التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، واستخدام المقاومة السلمية المشروعة وتطويرها من أجل إنهاء الاحتلال، كما شدد على أهمية توسيع قنوات الحوار والتواصل مع مختلف مكونات المجتمع الإسرائيلي بما يخدم ويعزز فرص تحقيق السلام المستند إلى الشرعية الدولية وتحقيق حل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار الأممي 194 وكما ورد في مبادرة السلام العربية.

وعلى الصعيد الوطني، شدد عباس في خطابه على أنه لا دولة دون غزة، ولا دولة بغزة لوحدها، وعلى ضرورة استكمال إعادة إعمار ما دمره الاحتلال في حروبه العدوانية على قطاع غزة. كما تطرق بإسهاب إلى ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني وإنجاز المصالحة الوطنية، وفي هذا الصدد شكر رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، على كلمته التي القاها في المؤتمر نيابة عنه أحد قادة حماس في رام الله، حيث رفض في ذات الوقت أن يسمى الاحداث الدامية التي شهدتها قطاع غزة منتصف عام 2007 “بالانقلاب”، وهو ما فسر على أنه تطورٌ مهم وكبير تجاه المصالحة الفلسطينية الداخلية.

وكان هناك في خطاب عباس انتقادا واضحا لدحلان دون أن يذكر إسمه، حيث أكد عباس التزامه بمبادئ العمل السياسية على الصعيد العربي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة، مع الرفض الحازم والصارم لأي تدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، والتأكيد على الحفاظ على القرار الوطني المستقل.

ومن الملاحظ في خطابه أنه تحدث كرئيس دولة أكثر منه كرئيس حزب، وتوجه بكلامه الى جميع الفئات، ليس فقط لأعضاء المؤتمر وحركة فتح، فقد وجه حديثه للشعب الفلسطيني، والمجتمع الدولي، ولإسرائيل، ولحركة حماس، وليس فقط لفتح وحضور المؤتمر الآخرين. ملاحظة أخرى تتعلق بالأسلوب الخطابي الذي القاه عباس، حيث لبس “عباءة” عرفات اثناء القاء خطابه، وهو الأسلوب الذي لم يستخدمه اطلاقاً طيلة مسيرته.

مخرجات المؤتمر

لعل أهم توصية خرجت من المؤتمر على الصعيد السياسي هو وجوب عقد المجلس الوطني الفلسطيني خلال فترة ثلاثة أشهر، من أجل تفعيل دوائر منظمة التحرير الفلسطينية، حيث من المرجح أن يدخل في المنظمة تلك الحركات والأحزاب الفلسطينية غير المنطوية بعد داخلها، وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بالإضافة الى المبادرة الوطنية الفلسطينية برئاسة مصطفى البرغوتي، وذلك فقط إن تم لغاية تلك الفترة انجاز المصالحة الداخلية بين حركتي فتح وحماس.

أما على صعيد الانتخابات للجنة المركزية وللمجلس الثوري، فمن الملاحظ انه كان هناك اندفاع كبير من الاعضاء للترشح سواء للمركزية او الثوري، حيث بلغ عدد المرشحين أنفسهم لعضوية اللجنة المركزية حوالي 70 عضواً لاختيار 18 عضواً، وبلغ عدد المرشحين للمجلس الثوري أكثر من 450 عضواً ليتم اختيار 80 عضواً منهم.

وبنظرة سريعة على نتائج اللجنة المركزية، التي ينظر إليها على أنها السلطة التنفيذية وأعلى هيئة قيادية في حركة فتح، نجد أن 12 عضواً من المقربين لعباس قد احتفظوا بمقاعدهم، ودخل 6 أعضاء جدد، جميعهم من الموالين لعباس. ومن الملاحظ أيضاً ان ناصر القدوة هو الوحيد الذي احتفظ بمقعده من أعضاء غزة، حيث خسر الثلاثة الأخرين مقاعدهم، وأن اللجنة تضم بين أعضائها امرأة واحدة فقط.

أما بالنسبة لانتخابات المجلس الثوري، فقد فاز في اغلبيتها قيادات من الضفة الغربية، ولم يحظى قطاع غزة الا بحوالي 15عضواً، وتم انتخاب 11 امرأة في المجلس.

من الملاحظ بأن المؤتمر نجح شكلياً، ولكن المهام الصعبة آتية في الطريق لا محال. فقد وصف عباس في كلمته في نهاية المؤتمر بأن المؤتمر تخطى الجهاد الأصغر وأمامه الجهاد الأكبر.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles