وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المملكة العربية السعودية تستعرض سياستها الخارجية

السياسة الخارجية Crown-Prince-Mohammed-bin-Salman-Foreign-Minister-Adel-Jubeir-in-Paris-June-2016
ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ( في الوسط )ووزير الخارجية عادل الجبير (يمين) خلال اجتماع مع الرئيس لفرنسي هولاند (ليس في الصورة) في باريس 27 حزيران. Photo Kamil Zihnioglu/AP Photo. 2016

في الثالث من شهر يناير من العام 2015، تم مبايعة خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبد العزيز ملكاً للملكة العربية السعودية. وقد شهد عهده تعيين عادل الجبير وزيراً للخارجية بعد أن شغل منصب سفيراً للمملكة في الولايات المتحدة الأميريكية. وقد إعتبر البعض أن السياسة الخارجية في عهد الملك سلمان لن تشهد تتطورات مهمة، إلا أنه اليوم بات لا يخفى على أحد أن القرارات التي إتخذتها المملكة بما يخص سياستها الخارجية بدت أكثر حزماً وجرأة وإستباقية من السابق. إصرار المملكة العربية السعودية الجديد، الواضح على سبيل المثال في انخراطها بالحرب على جارتها اليمن، تم ربطه، في المقام الأول، بالتأثير المتزايد لإبن الملك وولي عهده البالغ من العمر ثلاثين ربيعاً، محمد بن سلمان. فالأمير محمد يقوم بشحذ سُلطته منذ تعيينه وزيراً للدفاع مباشرةً بعد تولي والده العرش. كما هيمن أيضاً على السياسات الاقتصادية، هازاً عالم السلع عندما أعلن عن إنشاء صندوقٍ ضخم بقيمة 2 تريليون دولار للحد من اعتماد بلاده على النفط.

وقد اعتبرت عدة تقارير صحفية أن التحول في السياسة الخارجية السعودية على إرتباط وثيق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية. فقد أدى سعي الرئيس الأميركي باراك أوباما للتوصل لإتفاق نووي مع إيران إلى زيادة التوتر بين الحليفين منذ فترة طويلة. فالمملكة تعتبر إيران منافساً إقليمياً خطيراً لها في المنطقة، فتخوف السعودية الواضح من رفع العقوبات عن إيران الذي سيزيد بدوره بحسب مصادر سعودية من نفوذ الأقليات الشيعية في المنطقة مما سيؤثر بالمقابل على أمن المملكة ذات الأغلبية السُنيّة.

إذاً قراءة تاريخية سريعة للعلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية كافية لإبراز التحولات الجذرية في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية.

فالعلاقة الودية التي تجمع الطرفين تعود للعام 1931، وجاء ذلك جراء سياسة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود التي هدفت إلى إرساء علاقات دبلوماسية مع دول عديدة من دون الإتكاء على دولة واحدة والإعتماد عليها. وما جذب السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية يومها الى الولايات المتحدة الأميريكية رغم بعدها الجغرافي، خلو تاريخها آنذاك من فصول إستعمارية في المنطقة أسوة ببعض الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا.

فقد وقعت المملكة العربية السعودية في العام 1933 مع الولايات المتحدة إتفاقية تعاون بين البلدين بعد سنتان من المفاوضات كان خلالهما الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن قد أعطى حق التنقيب عن النفط لشركة سوكال الأميركية، كبداية للعلاقات الإقتصادية بين البلدين.

وعلاوة على ذلك، وقفت المملكة خلف الولايات المتحدة الأميريكية بقوة في مواجهة الإتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة، وفي مصر في عهد عبد الناصر، والعراق في حقبة صدام حسين المدعوم من الاتحاد السوفيتي.

فبالرغم من معارضة السعودية للغزو الأميريكي للعراق في العام 2003، ورفضها إستخدام أراضيها من قِبل الولايات المتحدة لشن الهجمات على جارتها، إلا أنها أمنّت الدعم المطلوب للولايات المتحدة الأميركية خاصة بعد انغماس الأخيرة في الحرب. وفي الوقت نفسه، اتهمت السعودية مراراً بدعم القبائل السُنيّة وقوى المعارضة لرئيس الوزراء العراقي آنذاك، نوري المالكي، وتنامي النفوذ الإيراني في البلاد، خوفاً من أن يضّر مثل هذا التأثير بأمنها.

وأتت هذه الخطوات الاستراتيجية لترمم العلاقة بين الرياض وواشنطن، التي بدأت بالاهتزاز عقب أحداث الحادي عشر من سبتمر من العام 2001. فبالرغم من أن الموقف الرسمي الأميركي يومها لم يُحَمِل المملكة العربية السعودية مسؤولية الهجمات إلا أنه ظهرت تيارات سياسية في أميركا شككت بالتحالف الأميركي -السعودي وطالبت بفك الإرتباط مع المملكة، خاصة أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن يحمل الجنسية السعودية ، كما ثبت تورط 15 سعودياً من أصل 19 من المتورطين بالهجمات.

ويعتبر الموقف من الربيع العربي من أولى بوادر تمايز المملكة العربية السعودية في سياستها الخارجية وتعارضها مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية. ففي الوقت الذي دعمت فيه الولايات المتحدة الأميريكية الثورات في العالم العربي على أساس أن ذلك سيساهم في نشر الديمقراطية بشكلٍ أكبر، خافت المملكة العربية السعودية من تمدد هذا الربيع ليهدد عرشها، خاصة بعد تخلي الولايات المتحدة الأميركية عن حليفيها التاريخيين في المنطقة، زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، اللذين أطيح بهما خلال الثورات في بلادهما. وقد ظهر هذا التعارض جلياً بين الطرفين في دعم المملكة العربية السعودية لثورة 30 يونيو 2013 في مصر، والتي أطاحت بالرئيس المنتخب وعضو الإخوان المسلمين، محمد مرسي، الذي كانت الولايات المتحدة الأميريكية قد سبق ودعمته على أساس أنه مُنتخب ديمقراطياً.

وقد أدى سعي الولايات المتحدة الأميريكية من خلال سياستها التقاربية مع إيران وتوقيع الإتفاق النووي بين إيران وقوى (5+1) الذي تم في أبريل 2015، إلى تكريس الإنقسام بين الرياض وواشنطن، ودفع السعودية نحو خطوات أكثر جرأة وعدوانية في المنطقة.

كان إحداها شن غارات جوية في مارس 2015 على المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين تعتبرهم الرياض عملاء لإيران، على الرغم من أنّ العديد من الخبراء الدوليين يعتقدون أن الدعم الإيراني محدود. وسرعان ما أعربت الولايات المتحدة عن موافقتها على الضربات، لأسبابٍ، ليست أقلها، حاجتها لأن تُثبت للسعوديين أن الاتفاق النووي مع إيران لا يعني بداية تطبيع العلاقات مع طهران.

وعلى صعيدٍ آخر، فإن التعارض في المواقف بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية في الملف الإيراني يقابله تعارض في الملف السوري. ففي الوقت الذي تواصل فيه السعودية دعمها للمعارضة السورية، يبدو موقف إدارة أوباما أقرب إلى التحالف الإيراني- الروسي. فمنذ بدء الأزمة السورية في 15 مارس 2011، كان هناك إتفاق سعودي أميركي للإطاحة بالرئيس السوري بشارالأسد. ومؤخراً، في يناير 2016، أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن “الرياض ستدعم العملية السياسية التي من شأنها أن تؤدي إلى رحيل الأسد، أو أننا سوف نستمر في دعم المعارضة السورية من أجل إزاحته بالقوة.” وأتى تصريح الجبير رداً على تهديد جون كيري– وزير الخارجية الأميركي- بوقف المساعدات عن المعارضة السورية إذ لم يشارك ممثلون عنها في محادثات السلام في جنيف في أبريل 2016. وقد كانت المعارضة السورية قد أبدت خشيتها بأن هذه المحادثات لن تسفر عن تشكيل حكومة انتقالية لا تتضمن الرئيس السوري.