كان التدخل الروسي في سوريا منذ عام 2015 حاسماً في تحويل مسار الحرب لصالح النظام. وبعد ثلاث سنوات، ومع شروع روسيا، ظاهرياً، بتقليص وجودها العسكري في البلاد، يواصل الكرملين الإمساك بالأوراق السياسية. وفي الوقت نفسه، تتعارض أهداف روسيا بشكلٍ متزايد مع حلفائها في الصراع.
تجري روسيا محادثات سلامٍ خاصةٍ بها في سوتشي في أواخر يناير 2018- وذلك بشكلٍ منفصل عن المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف – بين النظام السوري وجماعات المعارضة، إلى جانب إيران التي تدعم أيضاً النظام السوري، وتركيا التي تدعم المعارضة. وقد رفضت العديد من جماعات المتمردين والمعارضة محادثات الوساطة الروسية، ذلك أن موسكو لن تمارس ضغوطاً على الرئيس السوري بشار الأسد للتنحي من منصبه.
بيد أن محادثات الأمم المتحدة لم تحقق تقدماً يذكر. وفي الوقت نفسه، وبعد محادثات أستانا المنفصلة في خريف عام 2017، وافقت كلٌ من روسيا وتركيا وإيران على إنشاء أربعة “مناطق لتخفيف التصعيد” في سوريا، بنتائج متباينة. ووسط هجومٍ متجدد من قبل الجيش السوري على إدلب التي تسيطر عليها المعارضة، استدعت تركيا مؤخراً سفراء روسيا وإيران واتهمت النظام السوري بانتهاك اتفاق أستانا من خلال هجومه، وفشل روسيا وإيران في ممارسة الضغط لوقفه. وتعتبر تركيا نفسها الدولة الضامنة لجماعات المعارضة المعتدلة في سوريا، ولكن بغض النظر عن ذلك، تشعر تركيا بالقلق من أن استمرار القتال في إدلب سيؤدي إلى تدفقٍ آخر للاجئين عبر الحدود التركية.
وبدورها، احتجت روسيا لدى تركيا من هجمات الطائرات من دون طيار على القواعد العسكرية الروسية في سوريا، قائلةً أن الطائرات بدون طيار خرجت من مناطق تُسيطر عليها المعارضة المدعومة من تركيا.
ومع ذلك، تشترك جماعات المعارضة داخل سوريا بالتصور المشترك واسع الانتشار بأن روسيا المسؤولة عن اتخاذ القرارات. ففي منطقة الغوطة الشرقية المحاصرة في دمشق على سبيل المثال، يتفاوض المتمردون مباشرةً مع روسيا وليس مع النظام السوري.
فقد قال وائل علوان، المتحدث باسم فيلق الرحمن، لرويترز “أفضل التفاوض مع من بيده الأمر، ألا وهي روسيا، من التفاوض مع النظام… وبالتالي، تضطر الفصائل إلى الجلوس معهم… هذا هو الواقع.”
ولكن، على المدى الطويل، لربما ما تريده روسيا وما يريده النظام أمران مختلفان تماماً. فعلى الرغم من تدخل روسيا لإنقاذ الأسد من أن تتم الإطاحة به، إلا أن الروس يحرصون اليوم على رؤية تسويةٍ سياسيةٍ للحرب الأهلية، الأمر الذي من شأنه أن يسمح لهم بالحد من تورطهم العسكري.
ففي 11 ديسمبر 2017، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الحرب في سوريا انتهت بالفعل وأن روسيا ستبدأ بسحب قواتها، على الرغم من أن القواعد الروسية الدائمة ستبقى في مدينتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين. وقال إن الوقت قد حان للتوصل الى تسويةٍ سياسية، والتي يأمل الروس في التوصل اليها من خلال محادثات سوتشي.
وعلى صعيدٍ متصل، يبدو أن محادثات سوتشي تأتي في الوقت المناسب قبل الانتخابات الرئاسية الروسية في مارس 2018. وعلى الرغم من أن إعادة انتخاب بوتين تبدو أمراً مفروغاً منه، إلا أنه يريد أن تكون نسبة الإقبال مرتفعة وأن يكون فوزه لا لبس فيه. وعليه، فإن التسوية السياسية التي ستسمح له بإعلان إنتهاء الحرب في سوريا بشكلٍ كامل ستساعد شعبيته في الداخل.
ومع ذلك، قد لا تتماشى الرؤية الروسية للتسوية السياسية مع أهداف الأسد. فقد كتب ديميتري ترينين، مدير مركز كارنيغي موسكو، أن “روسيا تدرك أن استعادة [الأسد] للسيطرة على سوريا بأكملها أمرٌ مستحيل وغير مرغوب فيه، ذلك أن الجماعات الأخرى، من المعارضة السنية إلى الأكراد، ترفض رفضاً قاطعاً هذه النتيجة.” وقال إن الروس يعتقدون أن “ترتيب تقاسم السلطة الطائفي بشكلٍ أقرب لما هو الحال في لبنان يمكن أن يكون وصفة للاستقرار” في سوريا. فعلى سبيل المثال، قد ينطوي ذلك على حكومة ائتلافية تشمل جماعات المعارضة.
ولكن الأسد، كما يتضح من هجوم إدلب، لا يزال يهدف إلى تحقيق هزيمةٍ عسكرية ضد الجماعات المتمردة المتبقية، وجعل معظم الأراضي السورية، إن لم يكن كلها، تحت سيطرته. فالنظام حتى الآن لا يرغب في قبول فكرة وجود حكومة لا مركزية وتقاسمٍ للسلطة بين مختلف الجماعات السياسية والعرقية والدينية.
كما توجد أيضاً قضايا أخرى يمكن أن تعرقل عملية السلام. فقد أدرج تحليلٌ لأولويات السياسة الخارجية التي تواجه روسيا في عام 2018 من قبل مجلس الشؤون الدولية الروسي، وهو مركزٌ بحثي مقره موسكو، ضمن التحديات المحتملة “تعطل أو ركود عملية السلام نتيجة للتناقضات داخل سوريا وبين اللاعبين الخارجيين على حد سواء (الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة، وموقف تركيا من القضية الكردية، ومسألة النفوذ الإيراني في المنطقة).”
وفيما يتعلق بالنفوذ الإيراني، أفادت وكالة الأنباء الروسية، سبوتنيك، في الصيف الماضي، عن خلافاتٍ بين الروس والإيرانيين حول مستقبل سوريا، إذ ذكرت إن روسيا ترى في سوريا دولة علمانية تتمتع فيها مختلف الجماعات الدينية بحقوقٍ متساوية، في حين تريد إيران “فرض إرادتها على دمشق وإرساء قاعدةٍ سياسية وأيديولوجية لزيادة توسيع النفوذ الشيعي في المنطقة.”
وبالمثل، فإن نقطة الخلاف الأكثر وضوحاً بين روسيا وتركيا هي درجة الاستقلال الذاتي الذي سيمنح للمناطق الكردية. فقد كان مشروع الدستور الذي اقترحته روسيا يهدف الى منح الأكراد مزيداً من الحكم الذاتي على شكل حكومة أكثر لا مركزية. إلا أن تركيا ترى في الأكراد تهديداً لها، كما أنها أدرجت وحدات حماية الشعب التي يقودها الأكراد، والتي كانت لاعباً رئيسياً في الكفاح ضد تنظيم الدولة الإسلامية، على قائمة الجماعات الإرهابية.
وأياً كانت العثرات السياسية المحتملة، إلا أن روسيا تعتمد على حقيقة أنه سيكون لها دورٌ قيادي في جهود إعادة إعمار سوريا، فضلاً عن الاستفادة منه. وكان مجلس الشؤون الدولية الروسي قد أدرج “إعادة إعمار سوريا بالتعاون مع المنظمات والجمعيات الدولية الرائدة،” ضمن الفرص الرئيسية لروسيا في عام 2018.
ومن المؤكد أن روسيا لن تكون اللاعب الدولي الوحيد الذى يتنافس على قطعةٍ من قالب حلوى جهود إعادة الاعمار. فروسيا نفسها لا تمتلك الأموال اللازمة لدفع تكاليف إعادة الإعمار، التي قدرت الأمم المتحدة تكلفتها بما لا يقل عن 250 مليار دولار. كما تحاول روسيا إقناع الولايات المتحدة وأوروبا دفع الأموال لإعادة الإعمار، إلا أن الحكومات الغربية لا تزال مترددةً بسبب كراهيتها، ظاهرياً، للأسد. ومع ذلك، فمن المؤكد أنها ستساهم في ذلك في نهاية المطاف، كما ستستفيد الشركات الغربية أيضاً من عقود إعادة الإعمار، ومن المحتمل أن تشارك الصين أيضاً في تمويل إعادة الإعمار. ومع ذلك، ونظراً لدورها في الصراع حتى الآن، وطالما بقيّ الأسد في السلطة، فقد ضمنت روسيا لنفسها مكاناً على الطاولة.