دانا حوراني
لم يُسر ابن رضوى حسون البالغ من العمر 27 عامًا برؤية أخواته المراهقات يستخدمن الإنترنت لمتابعة دراستهن. وقالت حسون، وهي لاجئة سورية في منطقة البقاع بلبنان، إن سلوك ابنها صارعنيفًا بعد أن فقد وظيفته في مطعم في بيروت.
وتعيش هذه الأسرة في منزل متواضع مؤلّف من غرفتين حيث يعامل الأخ أخواته كالخادمات، بحسب ما وصفت الأم حالة بناتها في أسى وحسرة. ويرتاب الشاب في شقيقاته لا لشئ سوى أنهن يستخدمن هواتفهن، وغالبًا ما يعتدي عليهن نتيجة ذلك.
ورغم أنه كان لجائحة كورونا تأثير كبير على التعليم في جميع أنحاء العالم، فقد قال خبراء اجتماعيون في حديثهم لفنك إن الاضطرابات المختلفة التي أدت إلى تفاقم الأزمات المزمنة في العديد من البلدان، تسببت في تداعيات سلبية على الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، بخاصة الفتيات ، ويرتبط ذلك بالأعراف الجندرية وتدني جودة التعليم ومعدلات البطالة المرتفعة في المنطقة.
قالت رواد الزايد، وهي إخصائية اجتماعية مقيمة في لبنان، لفنك: “في أوقات الأزمات تترسخ هيمنة القوالب النمطية الجندرية. لقد أدركت ذلك بشكل شخصي أثناء تعاملي مع الطلاب، ورأيت بنفسي نضال الفتيات بطرق مختلفة”.
نضالات مختلفة في المنطقة
تفشت جائحة كورونا في الشرق الأوسط في وقت تعاني فيه المنطقة أزمات اقتصادية عديدة منها ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض النمو الاقتصادي السنوي، وانخفاض مشاركة المرأة في العمل، وقلة الوظائف الجيدة، وتزايد أعداد اللاجئين، بحسب ما صدر عن البنك الدولي، وقد أدى ذلك إلى تفاقم الفوارق القائمة في المجتمع بالفعل ومنها الفوراق والمشكلات الجندرية.
قبل تفشي الجائحة، كانت أعداد المتسربين من التعليم من بين الأطفال نحو 15 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و14 وفقًا لليونيسف. وفي عام 2021، أعلنت اليونسكو أن عدد المهددين بخطر التسرب من التعليم يُقدر بنحو 1.3 مليون شاب. ومع تحوّل التعليم إلى العالم الافتراضي، وجب توفير بعض اللوازم والأجهزة التكنولوجية مثل الإنترنت والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والتابلت فضلًا عن الكهرباء بالطبع، وغني عن البيان أن العديد من البلاد لا تستطيع الوفاء بما يفرضه التعليم الرقمي من التزامات.
وقالت جولييت توما، المديرة الإعلامية لمكتب اليونيسف الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لفنك إن المجتمعات الفقيرة والريفية تحديدًا هي الفئات الأكثر تضررًا من هذا التحوّل.
أمّا البلاد المضطربة مثل سوريا واليمن والسودان، فتجد أن أعداد المتسربين من التعليم فيها يرتفع باستمرار، والأمر نفسه ينطبق على حوادث العنف الجندري وتحوّل المدارس إلى مواقع عسكرية.
التمييز في بلدان الصراع
عادة ما تُكلّف الفتيات بمهام منزلية أكثر من الأولاد، على سبيل المثال كما جرى خلال تدابير الإغلاق في سوريا والسودان، ويرى أطفال سوريا الذين عانوا من الصراع المروّع أنّ إغلاق المدارس حاليًا مرتبط بالقصف والتهجير.
في السودان، تجبر الظروف الاقتصادية الطالبات على إعالة أسرهن، وتصحبهن العزلة والكد والتعب في رحلتهن. وبسبب زيادة حالات العنف وازدياد الضيق والسخط في ظل القيود المجتمعية الراسخة في مثل هذه البلاد، تُسلب الطالبات حقهن في التعليم ويُحرمن من استكماله.
وفي اليمن، يتسرب أكثر من مليوني طالب من المدارس معظمهم من الفتيات بسبب مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية. ويُضاف إلى ذلك أن الأدوار الجندرية المحافظة منتشرة في سائر أنحاء البلاد. إذ يُنتظر من المرأة في اليمن أن تعمل في “مهن نسائية” مثل السكرتارية والتعليم والتمريض أو أن تشغل الوظائف الكتابية. وزدْ على ذلك أن المجتمع لا يشجع الفتيات أبدًا على دراسة تخصصات مثل البرمجة والتسويق والهندسة، إذ تعتبر مثل هذه التخصصات ضمن “الأدوار الذكورية”، كما أن ارتفاع تكاليف التعليم والنقل تُعدّ من العوامل الرئيسة أيضًا.
وقالت طالبة يمنية لليونيسف: “عدد كبير من صديقاتي ترك المدرسة بسبب بعدها عن منازلهن، ومعظم الآباء لا يريدون أن يكون الذكور معلمين لبناتهم”.
زواج القاصرات
في لبنان والعديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تواجه الفتيات مشكلتين لا يتعرض لهما أقرانهن من الذكور: الحيض وزواج القاصرات.
فقد تسبب انهيار الاقتصاد والعملة المحلية في ارتفاع أسعار منتجات النظافة النسائية، وهو ما أثّر بدوره تأثيرًا كبيرًا على الفتيات من الطبقات الفقيرة اللائي أُجبرن على التغيب عن المدرسة في أيام الحيض. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت حالات زواج القاصرات أيضًا، إذ تعتبر في نظر كثيرين وسيلة لمواجهة الفقر.
وبحسب بيانات اليونيسف، يشهد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو 700 ألف حالة زواج يصنف باعتباره زواج قاصرات، علمًا بأن فتاة واحدة من بين كل خمس فتيات تتزوج قبل سن البلوغ.
وقالت الزايد لفنك: “شهدت في السنوات الأخيرة ارتفاعًا في عدد الفتيات اللائي يزّوجهن أهلهن في عمر يتراوح ما بين 13 و14عامًا. وأعتقد أن سبب ذلك هو احتياج العائلات إلى مصدر دخل إضافي أو الرغبة في حماية الفتيات من التحرش الذي ارتفعت معدلاته أيضًا”.
وتشير اليونيسف إلى أن أكثر النازحين تعرضًا لخطر زواج االقاصرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هن الفتيات السوريات اللاجئات.
كما تشهد الأردن ومصر أيضًا زيادة كبيرة في زواج القاصرات بعد تدفق اللاجئين السوريين إلى هذين البلدين حيث يعيش 80% منهم في فقر مدقع.
وبعيدًا عن أزمة اللاجئين، تبقى فكرة “الستر” مهيمنة على العقلية الأبوية في الأردن، إذ يرى الآباء في الزواج ضرورة لرعاية المرأة و”حمايتها من النحس” ولا يكون ذلك إلا بالزواج من رجل ثري.
ويسود ذلك العُرف بين كثير من الناس في الأردن، ويدّعون أن زواج القاصرات وسيلة يُضمن بها أمان الفتيات واليافعات.
التداعيات على الأطفال
وبحسب توما، كلما طال ابتعاد الأطفال عن المدرسة، قل احتمال عودتهم إليها.
وأضافت: “يصعب على الطفل تحصيل ما فاته من دروس بعد ترك المدرسة، بخاصة الأطفال في سن 12 عامًا أو ما فوق. وكلما كانوا أصغر، كانت قدرتهم على تعويض الوقت والمعارف التي ابتعدوا عنها أكبر”.
كما أكدت على أهمية المدارس للأطفال، فهي تؤدي دورًا مهمًا كونها البيئة المناسبة لهم للاختلاط بالمحيط الاجتماعي واللعب وممارسة حقهم في عيش طفولة طبيعية. وبحسب اليونيسيف، تشكّل النساء والفتيات نصف سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أي أن حرمانهن من حقوق أساسية مثل التعليم قد يكون له تأثير ضخم على المدى الطويل بخاصة في سوق العمل.
وفي هذا السياق قالت توما: “تعاني المنطقة ارتفاع معدلات البطالة وذلك بسبب تدني جودة التعليم. وعليه، فإن هذه المنطقة بحاجة ماسة إلى ضمان المساواة في فرص التعليم والوظائف للجنسين دون تمييز”.
وبيّنت توما مشكلة أخرى في نظام التعليم ببلاد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي أنه لا يجهزالشباب لسوق العمل. وبحسب رأيها فإن المهارات الحياتية مثل التحليل والتفاوض والتواصل والفوز والخسارة وحل المشكلات كلها أمور جوهرية لا تتطرق إليها المناهج الدراسية.
وترى توما أن “نظام التعليم لا يعتمد على التفكير النقدي ومهارات التحليل، وإذا لم يتعلم الأطفال مثل هذه الأساسيات فستكون حياتهم حافلة بالعقبات”.