وفقاً لهيومن رايتس ووتش، بات ما يقرب من مليوني طفل سوري اليوم خارج صفوف الدراسة، إلى جانب تعرض ثلث مدراس البلاد للتدمير أو التلف أو استخدامها لأغراض عسكرية أو غيرها من الأغراض كاستخدامها على سبيل المثال كملاجىء.
يعتبر الأطفال في الغوطة الشرقية آخر الأمثلة على ما وصفته الأمم المتحدة بـ”الأزمة.” ففي مارس 2018، عندما تعرضت المنطقة التي يسيطر عليها المتمردون خارج دمشق لهجومٍ عنيفٍ من قِبل الجيش السوري، أغلقت المدارس أبوابها لأسباب تتعلق بالسلامة وتم افتتاح مدارس غير رسمية. ومع ذلك، تم قصف هذه أيضاً. وفي الأسبوع الأخير من شهر مارس، أسفرت غارة جوية عن مقتل حوالي 15 طفلاً وشخصين بالغين كانوا يحتمون في إحدى هذه المدارس.
فقد قال محمد نزار عربش، وهو أحد سكان مدينة دوما، لـABC الإخبارية: “القصف الذي لا يتوقف على الإطلاق وعدم الاستقرار وعدم توافر الإنترنت والكهرباء، ماذا أكثر من هذا، مصيرك، مصيرك المجهول الذي لا تعرف عنه شيء- جميع هذه الأمور مجتمعة تجعل من الدراسة أمراً مستحيلاً.”
ففي ظل هذه الظروف، من الصعب الذهاب إلى المدرسة أو حتى الحفاظ على وصولٍ آمن للتعليم. فقد قدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنه اعتباراً من 17 سبتمبر 2017، كان هناك 319 ألف معلم/معلمة وموظف في مجال التعليم، فضلاً عن 5,77 مليون طفل تتراوح أعمارهم ما بين 5 و17 عاماً بحاجة إلى مساعدة تعليمية.
أولى الضحايا هم الفتيات، اللواتي من المرجح انقطاعهن عن المدارس لأسباب تتعلق بالسلامة أو لأسباب مالية. وفي الوقت الذي لا يوجد فيه أي تفريقٍ بين الجنسين في الالتحاق الحالي بالمدراس في سوريا، فإن “الفتيات أكثر عرضة مرتين ونصف تقريباً لعدم إكمال دراستهن” في مناطق النزاع، وفقاً لتقرير اليونسكو الصادر في يونيو 2015.
وقالت شابة تدعى وتين إن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” منع الفتيات في مدينتها من الذهاب إلى المدراس. فقد أجبرها هذا، إلى جانب القصف العنيف، على السفر إلى تركيا لاستكمال تعليمها.
وعليه، طورت منظماتٌ محلية ودولية أساليب مختلفة لمواصلة إتاحة التعليم. فعلى سبيل المثال، تعاونت مؤسسة كرم، وهي منظمة غير حكومية مقرها شيكاغو، مع المنظمة غير الحكومية السورية تعليم، لإعادة بناء المدارس التي تضررت من البراميل المتفجرة والضربات الجوية ودعم المدارس التي يتم أنشاؤها تحت الأرض.
وقالت ليلى خوجة، منسق برنامج التعليم العالي في مؤسسة كرم، لفَنَك، “التعليم الذي ندعمه في سوريا هو في المقام الأول التعليم في المدراس الإبتدائية وفي جميع أنحاء سوريا، إلا أننا نركز في الغالب على شمال البلاد.”
وتابعت القول: “يريد الناس أن يذهب أبناؤهم إلى المدراس. سواء كانوا داخل سوريا أو نازحين داخل تركيا أو الأردن، فهم يريدون أن يذهب أطفالهم إلى المدرسة. وبالنسبة للأهل، تتمثل أكبر المخاوف بسلامة أطفالهم داخل هذه المدراس. كان هناك الكثير من الهجمات والغارات الجوية على المدراس منذ عام 2011، مما دفع بالأهل إلى التساؤل، وهو أمرٌ مشروع، عما إذا كان أطفالهم سيكونون أفضل حالاً في منازلهم مع عائلاتهم. وفي ظل هذه الظروف باتت المدراس التي يتم إنشاؤها تحت الأرض ناجحة. فالذهاب إلى المدرسة تصرفٌ طبيعي. يضمن التعليم أن يكون هؤلاء الأطفال قادرين على أن يكونوا بالضبط: أطفالاً، في بيئةٍ تريد لهم الإزدهار والتطور.”
عندما اندلعت الحرب في عام 2011، كان يذهب ما يقدر بنحو 97% من الأطفال في سن الدراسة الابتدائية إلى المدرسة، وكذلك هو حال 67% من الأطفال في سن الدراسة الثانوية، وفقاً لليونيسف. فقد كانت معدلات محو الأمية في جميع أنحاء البلاد مرتفعة، والتي تخطت ما نسبته 90% لكلٍ من الرجال والنساء. وعلاوة على ذلك، كان الاستثمار الوطني السوري في التعليم مرتفعاً باطراد، فقد ازدادت ميزانية التعليم الحكومية من 15% إلى 19% من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2004 و2009. كما كان التعليم مجانياً وإجبارياً حتى الصف التاسع. وكدولةٍ عربية، كان المنهج صارماً ويميل نحو أيديولوجية قومية للغاية.
فقد أخبرت مونيكا بوليجر فَنَك، وهي صحفية أجرت أبحاثًا حول كتب التاريخ السورية قبل الحرب، “كان على الأطفال حفظ العديد من الأمور عن ظهر قلب، مثل الشعارات، واللحظات التاريخية، ولم يتم تشجيعهم على طرح الأسئلة.” وأضافت “أتذكر طفلاً في الـ14 من عمره عرفت أنه كان يعاني من مشاكل في امتحانه لأنه حاول الإجابة باستخدام كلماته الخاصة بدلاً من نسخه الكلمات المذكورة في الكتاب المدرسي. كان العديد من الأطفال يسخرون من الشعارات الأيديولوجية التي أجبروا على حفظها عن ظهر قلب، إذ لم تكن ذات صلة بواقعهم.”
وعلى صعيدٍ متصل، يوجد حوالي 2,5 مليون طفل سوري من النازحين بسبب الحرب ممن يعيشون في كلٍ من تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر. فقد اتخذت هذه البلدان المُضيفة خطواتٍ لرفع نسب الإلتحاق في المدراس، مثل تقديم التعليم الحكومي المجاني وإدخال نظام “الفترة الثانية” ما بعد الظهيرة لاستيعاب المزيد من الأطفال في المدراس. ومع ذلك، فإن حواجز مثل متطلبات التوثيق المرهقة، والصعوبات اللغوية، وعدم توفر وسائل نقل بأسعار مناسبة، تواصل بالدفع بالأطفال خارج أسوار المدارس، وذلك وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش. حتى أن الأطفال الذين وصلوا إلى أوروبا لم يحصلوا دائماً على إمكانية الوصول المستمر إلى التعليم الرسمي.
على الرغم من المخاوف المتزايدة بشأن “جيلٍ ضائع،” فإن تجارب الأطفال المتنوعة هذه بالإضافة إلى تجربتهم في بلدانٍ مختلفة وأنظمة تعليم مختلفة قد تؤدي في الواقع إلى رؤية جديدة للتعليم وأساليب التعليم، على أمل أن تكون آمنة، لأجيالٍ قادمة.