يشتمل نظام التعليم العام في المغرب على المرحلة الابتدائية والمرحلة الثانوية ومرحلة التعليم العالي. فبعد استقلال المغرب عام 1956، كان لهذا النظام دورٌ أساسي في إنتاج نخبةٍ حضرية تتقن اللغتين العربية والفرنسية والتي ساعدت في بناء مؤسسات البلاد. في الواقع، كثيراً ما يُذكر أن العصر الذهبي للمدارس العامة في المغرب كان ما بين عاميّ 1956 و1970. ومع ذلك، حدثت أزمة هيكلية خطيرة بحلول نهاية السبعينيات، حيث تجلى ذلك لأول مرة في العدد الكبير من المتسربين، إذ كان سبعة من أصل عشرة أطفال يتركون المدرسة قبل مرحلة البكالوريا، فضلاً عن القليل من التدريب أو انعدامه فيما يخص العمل، وتزايد أعداد المدارس الخاصة التي تعود بالفائدة على الأغنياء.
وفي العقود التالية، أصبح نظام التعليم العام مختبراً لسلسلة من “خطط الطوارىء” الفاشلة. فعلى سبيل المثال، وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها وزارة التعليم في عام 2012، فإن 30 فقط من كل 100 من أطفال المدارس الابتدائية يكملون تعليمهم للحصول على شهادة البكالوريا. ومن النسبة المتبقية البالغة 70%، يترك 50% منهم مقاعد الدراسة مبكراً لأسباب تشمل “عدم حبهم للمدرسة” أو “أن يقرر الآباء تعليم أطفالهم” أو “تعرضهم لمشاكل النقل.” وعليه، تستمر الأزمة حتى يومنا هذا، حيث لا يحصل غالبية المغاربة إلا على التعليم العام.
أسباب الأزمة متعددة ومعقدة. أولاً، لا تعتبر الدولة التعليم العام أولوية، فالموازنة المخصصة لهذا القطاع أبعد ما تكون عن كونها كافية. بل حتى المسؤولين يعتقدون أن الدولة تمول الأغنياء. فقد قال رشيد بلمختار، وزير التعليم العام السابق، “تدفع الدولة درهماً لطفلٍ من خلفية ثرية (20% من التلاميذ)، [لكنها] لا تدفع سوى 0,7 درهم لما نسبته 20% من الأطفال من ذوي الخلفيات الأفقر. وفي المدرسة الثانوية، الفجوة أكثر وضوحاً، حيث تبلغ النسبة 9 دراهم للفئة الأولى مقابل درهم واحد فقط للثانية.
أجرت الحكومات المتعاقبة إصلاحاتٍ في الأعوام 1975 و1985 و2000-2009، مع نجاحٍ محدود. فقد كانت تهدف إصلاحات عام 1975 إلى بناء مدارس جديدة وتوفير تدريب للمعلمين، لا سيما في التعليم الابتدائي. وفي الوقت نفسه، كانت إصلاحات عام 1985 تهدف إلى تلبية متطلبات برنامج التكيف الهيكلي من خلال تعزيز التعليم الخاص والتدريب المهني بالإضافة إلى الحد من المنح الدراسية الأجنبية. كما سمحت إصلاحات عام 1985 أيضاً بإنشاء أكاديمياتٍ وإعادة تنظيم نظام الامتحانات في التعليم الثانوي. ومع ذلك، كانت النتائج سيئة، مما دفع بالملك الحسن الثاني إلى إنشاء اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين (COSEF) عام 1999. واعترفت اللجنة بالتعليم والتدريب كأولويةٍ وطنية للفترة 2000-2009 وأعلنت زيادة سنوية قدرها 5% في الموارد المالية العامة. وشملت الأهداف الأخرى على تحقيق تعميم إلتحاق بالتعليم للذين تتراوح أعمارهم ما بين 4 إلى 16سنة بحلول عام 2007، والأهم من ذلك، تحسين نوعية ومحتوى البرامج التعليمية لتلبية احتياجات سوق العمل.
وعلى الرغم من هذه الجهود، والتي شملت مبالغ طائلة من المال، يواصل التعليم العام تراجعه. فمعدلات الأمية مرتفعة بشكلٍ مزعج: حوالي 50% لدى النساء و30% لدى الرجال. وفي الوقت نفسه، لا يزال الاستثمار في البنية التحتية العامة منخفضاً كما أن الموارد البشرية المؤهلة نادرة. ويعوق هذا إمكانات التنمية الاقتصادية، لا سيما في المناطق الريفية، ويساهم في المشاكل الأكبر التي تواجهها البلاد، ولا سيما الفقر والتطرف الديني.
فمعدلات الفقر أكبر بكثير في المناطق الريفية من المناطق الحضرية، كما أنها أكثر ارتباطاً بالنساء من الرجال. فعلى سبيل المثال، في نوفمبر 2017، قُتل ما لا يقل عن 17 شخصاً، 15 منهم من النساء، وجُرح أكثر من 40، بعضهم في حالة خطيرة، أثناء تدافعٍ خلال توزيع مساعداتٍ غذائية في سيدي بوعلام، بإقليم الصويرة. وفي عام 1998، تم تصنيف 16,3% من المغاربة على أنهم “فقراء.” وعلى الرغم من أن هذه النسبة قد انخفضت بنسبة النصف إلى 9,8% في عام 2007 وتم تخفيضها إلى 4,2% في عام 2014، إلا أن أكثر من 18% من المغاربة في المناطق الريفية يعتبرون “فقراء.”
وفي محاولةٍ للحد من التطرف الديني وتعزيز الانفتاح، دعا الملك محمد السادس إلى “تبسيط وتحديث التعليم الإسلامي الإلزامي في مدارس الدولة.” وتلقى هذه الدعوة دعماً متزايداً من قبل المثقفين المغاربة الذين يعتقدون أن الأساليب الشاملة والمتعددة الأبعاد للتدريس الديني هي الضمانة الوحيدة لحلٍ دائم لتصاعد نزعة التطرف الديني.
يعتبر التعليم أساس تطور أي بلد، وإن إخفاق المغرب المستمر في معالجة أوجه القصور المزمنة في نظام التعليم العام لديه يعمل على توسيع الفوارق الاجتماعية ويقلل من الفرص المتاحة للأطفال الذين هم في أمس الحاجة إليها.