في 10 سبتمبر 2017، عاد أكثر من مليون طالب إلى مقاعد الدراسة في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يبلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة 93,8% وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وحيث يُنفق ما نسبته 20,5% من الميزانية الاتحادية على التعليم. وفي إطار رؤية الإمارات 2021، التي أطلقت عام 2010، يجري تنفيذ العديد من الإصلاحات لتحقيق “نظام تعليمي من الدرجة الأولى.”
ومن أجل تحقيق رؤية الإمارات 2021، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن ثماني ركائز للتنمية: أن تكون الإمارات من بين أفضل 20 دولة ذات أعلى أداء في البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (PISA)؛ وأن تكون من بين أفضل 15 دولة ذات أعلى أداء في الدراسة الدولية لتوجيه مستويات الأداء في الرياضيات والعلوم (TIMSS)؛ وضمان أن يكون المعلمون في جميع مدارس الامارات العربية المتحدة (الحكومية والخاصة) من حملة المؤهلات التربوية العليا؛ وضمان أن تمتلك جميع المدارس (الحكومية والخاصة) إدارة ذات فعالية عالية؛ وضمان أن 90% من طلاب الصف التاسع من المدارس الحكومية والخاصة يتمتعون بدرجة عالية من الكفاءة في اللغة العربية؛ ورفع متوسط التخرج من المدارس الثانوية إلى 98%؛ وتوفير التعليم في سن مبكرة لـ95% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين أربع وخمس سنوات من خلال شروط التعليم الحكومي والخاص في مرحلة ما قبل المدرسة؛ وإلغاء حاجة الطلبة الإماراتيين إلى إنهاء دورة تأسيسية للتأهل لدخول الجامعة.
وتجدر الإشارة إلى أن النظام التعليمي في الإمارات العربية المتحدة يعتمد على عمل وزارة التربية والتعليم الوثيق مع مجلس أبوظبي للتعليم ومجلس دبي للتعليم. ومن أجل العمل بكفاءة أفضل ولتحقيق الأهداف الوطنية، أعلنت وزارة التربية والتعليم ومجلس أبوظبي للتعليم في الثالث من ديسمبر 2017 عن النظام التعليمي الموحد لتوحيد التدريس والتعليم. وسيتم تعميم نموذج المدرسة الإماراتية على المدارس الخاصة (التي تطبق منهاج وزارة التربية والتعليم) والمدارس الحكومية في الإمارات السبع في العام الدراسي 2018-2019.
وسيستند المنهاج على بناء مهارات التفكير النقدي، وتطوير الابتكار والعمل الجماعي بين الطلاب، واستخدام تكنولوجيا المعلومات في حل المشاكل. وقالت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسة العامة، الدكتورة ناتاشا ريدج، لفَنَك “أشعر بأن نظام التعليم يتغير حقاً.” وأضافت “هناك تركيز كبير على مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وأيضاً على المهارات الحياتية مثل التفكير النقدي، والأعمال التجارية وريادة الأعمال. [الإمارات] بحاجة إلى المزيد من الخريجين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لزيادة أعداد المواطنين في القطاع الحكومي، وبخاصة بالنسبة للقطاع النووي الذي هو قيد التطوير. وفي الوقت الراهن، تعتمد البلاد على المهنيين الأجانب.”
وبالنسبة لريدج، فإن نظام التعليم في الإمارات العربية المتحدة “دولي ومتنوع جداً، حيث توجد مناهج ومعلمين من جميع أنحاء العالم.” وقالت إحدى المعلمات التي تعمل في مدرسة دولية في دبي، والتي فضلت عدم الكشف عن هويتها لفَنك، “يسمح لك العمل في مدرسة دولية حقيقية تطوير مهاراتٍ مختلفة، وتطوير عقلية دولية ومنفتحة بسبب تعاملك مع طلاب ومعلمين وأولياء أمور من ثقافاتٍ مختلفة.” كما أنها تتطلع إلى نجاح رؤية الإمارات 2021 ذلك أن “المبادرات التي تتخذها الحكومة تعطي الأولوية للتعليم، وتهدف إلى الحصول على نظام تعليمي من الدرجة الأولى، وقد تم وضع العديد من الإصلاحات الرائعة لتحقيق هذه المهمة.”وأشارت ريدج إلى أنه “لا تزال الدراسة مكلفة جداً، ولا يوفر النظام الحكومي جودة كافية لما يحتاجه الأولاد، الذين لا يمثلون سوى 20% من التعليم العالي، مما يعود بالفائدة على الفتيات، الذين تدعمهم الحكومة بشكلٍ كبير.” وتعتبر أكاديمية جيمس العالمية في أبوظبي واحدة من أكثر المدارس تكلفةً في البلاد، إذ يبلغ متوسط الرسوم السنوي 53,400 درهم (14,538 دولار)، في حين أن مدرسة الخليج الهندية الثانوية في دبي من بين الأقل تكلفةً، حيث يبلغ الحد الأدنى للرسوم 3,449 درهم (939 دولار).
تكلفة التعليم ما أزعج كريم (الذي لم يُفصح عن اسم عائلته)، وهو طالبٌ سابق في مدرسة جرامر أبو ظبي سكول كندا وخريج الجامعة الكندية دبي، إذ قال “التعليم هنا باهظ التكلفة، سواء على مستوى الدراسة الثانوية أو الجامعة. وهو يدور حول تجارة التعليم عوضاً عن التعليم نفسه.” واعترف أن “بعض الايجابيات تتمثل بوجود أسماء معينة لجامعات دولية هنا، إذ أن الحصول على شهادة جامعية من الجامعات المذكورة يمكن أن يكون له قيمة مضافة،” إلا أنه تمنى “توفير المزيد من الخيارات للتعليم، وأن تتم ترجمة التعليم ونقله على أرض الواقع وبشكلٍ سليم إلى سوق العمل، إذ لا يوجد تقديرٌ من سوق العمل للشهادات الجامعية التي نحصل عليها هنا.”
كما أن المدارس الحكومية وتكلفة التعليم من الأمور التي تشغل الدكتورة راكيل وارنر، وهي أستاذة مساعدة بكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية. “تاريخياً، مُنحت البنية التحتية والتطوير المهني للموظفين والنهج التربوية الأولوية على حساب التقاليد. ومع تحسن التحصيل من المدارس الخاصة، أصبحت الأضواء المسلطة على المدارس الحكومية أكثر وضوحاً. كما أن التكلفة الباهظة لرسوم بعض المدارس الخاصة من التحديات الأخرى المستمرة التي تواجه التعليم في الإمارات العربية المتحدة. فقد ذكر أحد التقارير أن الآباء ينفقون ما يتجاوز المليون درهم (حوالي 272 ألف دولار) لتعليم طفل في النظام الخاص. ينبغي معالجة هذا الأمر. ومن أجل المصلحة العامة، ينبغي أن يسلم التعليم من قوى السوق التي تزيد التكاليف على الوالدين.”
وقالت ريدج ان هناك مشكلة أخرى تؤثر على نظام التعليم، ألا وهي ضعف مستوى الطلبة فى اللغة العربية. “لست متأكدة إذا ما كان هذا نتيجةً لعدد المدارس الدولية. أعتقد أن الأمر يتعلق بحقيقة أن المنهج العربي لم يتغير منذ 20 عاماً. ينبغي أن يكون أكثر جاذبية للشباب؛ أن يكون أكثر متعة. فالطلاب اليوم لا يرونه ممتعاً ومثيراً للاهتمام، وخاصة مع الارتباك الحاصل بسبب الاختلافات بين اللغة الفصحى واللهجات.” فخارج المنزل والمدرسة، الطلاب أيضاً أكثر عرضة للغة الإنجليزية من العربية بسبب تعدد اللغات الموجودة في الإمارات.
فعلى سبيل المثال، قال لنا كريم “لم أحصل على أي نوع من مهارات التواصل باللغة العربية في الجامعة، وحتى على المستوى المهني، ذلك أن تعليمي بأكمله كان باللغة الانجليزية.” كما اشتكت مواطنة لبنانية مقيمة في دبي وأم لفتاة تبلغ من العمر 10 سنوات وصبي يبلغ من العمر خمس سنوات من مستوى اللغة العربية التي تدرس في المدرسة، على الرغم من أن أطفالها كانوا في مدرسة فرنسية خاصة. “إن نظام التعليم في دبي متوسط بالمقارنة مع لبنان، حيث أن المشكلة الرئيسية هي اللغة العربية. فأطفالي بالكاد يعرفون القراءة والكتابة باللغة العربية على الرغم من حرصي على استخدام اللغة العربية كلغة رئيسية في المنزل، ولكن هنا يتحدث الجميع بالإنجليزية، لذا يتحدثون مع بعضهم البعض ومع أصدقائهم باللغة الإنجليزية… أردت العودة إلى لبنان في سبتمبر، ولكن ابنتي الكبرى فشلت في اختبار اللغة العربية. لو أنهم يتحدثون العربية، سيمارسون قواعد النحو بشكلٍ طبيعي تماماً كما هو الحال في لبنان.”
بالنسبة لوارنر فإن قضية اللغة العربية ليست ذات أهمية لأن “اكتساب اللغة يبدأ من المنزل، وغالباً ما يتنازل الآباء عن هذه المهمة للمدارس.” غير أنها اعترفت بضرورة أن تلبي المدارس الخاصة احتياجات جزء كبير من السكان. “تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بمعادلة ديمغرافية فريدة تضم أكثر من 80% من المغتربين و20% من المواطنين الإماراتيين. وفي الغالب يكون المغتربون عابري سبيل، وتغادر معظم الأسر بعد انتهاء عقود عملهم. وبسبب الضرورة، سيختار هؤلاء المغتربون تعليم أطفالهم في نظام تعليمي مألوف لتسهيل الانتقال إلى وطنهم. تدخل القطاع الخاص واستجاب لهذه الحاجة من خلال تقديم العديد من المناهج الدراسية المختلفة في دولة الإمارات العربية المتحدة. إن التركيز الواضح على التعليم الدولي أمر أساسي ذلك أنه الخيار المتاح لغالبية السكان. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن حكومة الإمارات العربية المتحدة تقضي وقتاً كبيراً جداً في مراجعة وتنقيح المناهج المستخدمة في المدارس الحكومية لجعلها ملائمة للغرض. وفي العصر الذي نعيشه حيث العالم أصغر والمواطنة العالمية هي معيار النجاح، لا تمتلك البلاد خياراً آخر سوى التركيز على التعليم الدولي لمنح جميع المقيمين والمواطنين نجاحاً يمكن تحقيقه بعد جهدٍ كبيرٍ في المستقبل.”
إذا ما كان من الضروري معالجة هذه القضايا ليصبح النظام التعليمي في الإمارات العربية المتحدة من “الدرجة الأولى،” قد يُنتج تنوع الجنسيات والثقافات في مدارسها شباباً أكثر انفتاحاً وقدرةً على التكيف، وهو الأمر الذي تبرز الحاجة إليه في كل مكان.