دانا حوراني
لم ترَ الناشطة النسوية والصحفية اللبنانية مريم ياغي ابنتها أميديا البالغة من العمر 7 سنين منذ ثلاثة أعوام ونصف.
وطليقها هو منتظر الزيدي الصّحفي العراقي المشهور برميه رئيس الولايات المتحدة الأسبق جورج بوش بالحذاء عام 2008. هذا المشهد جعله بطلًا بين ليلة وضحاها، لكن مريم تراه متسلطًا سيئًا خلال فترة زواجهما القصيرة. وهي الآن تتهمه بخطف طفلتها من لبنان إلى العراق محاولًا إلحاق الأذى بها وقطع ما بينها وبين طفلتها من روابط.
وطبقًا لقوانين الشيعة الدينية تفقد الأم حضانة ابنتها عندما تبلغ 7 سنين. لذلك فقدت مريم الشّيعية حضانة ابنتها طبقًا لقانون الأحوال الشّخصية اللبناني المستند إلى الشريعة. ومن ثمّ قررت ياغي أن تناضل من أجل حضانة ابنتها في العراق، حيث يمنح القانون هناك الحضانة للأم حتى بلوغ طفلتها 15 عامًا.
أما منتظر الزيدي فيزعم أن ياغي هي من تنازلت عن حضانة أميديا، لذلك طلب منها أن تأتي إلى العراق لتثبت نيتها ولمّ شملها مع طفلتها، وهو ما فعلته. إلا أنها تفاجأت فور وصولها أن طليقها قدم طلبًا قانونيًا يطالب الأم بالتعهد بعدم نشر أي صور لطفلتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم حرمانهما من التقاط الصور مع بعضهما البعض.
لكن ياغي رفضت الطلب، فأنكر الأب حق الأم في الزيارة ومنع أميديا من الذهاب إلى المدرسة حتى يحول دون تواصل أمها معها. وما محنة ياغي إلا واحدة من انتهاكات عديدة تواجهها النساء في لبنان والعراق نتيجة العادات القبلية والأبوية الظالمة.
وقالت ناشطات نسويات لفنك إن النساء سيبقين في معاناة ما لم يحدث التغيير الجذري الشامل وذلك بتعديل القوانين التمييزية التي ترسخ التفاوت بين الجنسين وتطبّع العنف الجسديّ والمعنويّ والنفسيّ.
وقالت ياغي لفنك: “يعزّ على طليقي أن يراني امرأةً حرّةَ تخلصت وتحررت من قيوده الأبوية. وهو يريد أن يتحكم فيّ تمامًا كأنني أحد ممتلكاته. لذلك تراهُ يحاول أن يشعرني دائمًا بالمعاناة بإبعاد طفلتي عني، إنها طريقته الوحيدة حتى يشعر أنّه المتحكم والمسيطر”.
خلفية موجزة
حقوق المرأة العراقية هي منصة على وسائل التواصل الاجتماعي ومنظمة غير حكومية أسستها تمارا عامر الناشطة العراقية الدنماركية التي سافرت إلى الدنمارك منذ 20 سنة قبيل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وقالت تمارا لفنك إن تأصلَ العنف ضد المرأة في المجتمع هو أحد أكبر الصّعوبات الّتي تواجهها. وهو ما ينعكس في قانون العقوبات الذي يتيح للرجال الاعتداء الجسدي على النساء لأجل “تأديبهن”. فالمادة 128 تذكر استثناءات عديدة فقد تخفّض الغرامات أو تلغيها، ومنها إذا كان الاعتداء بدافع “حماية شرف” القبيلة وسمعتها، وهما لهما الأولوية القصوى في المجتمعات الأبوية.
وترى تمارا أن النساء يُوضعن دائمًا في قالب ربات البيوت والأمهات بدل أن يكن متخصصات أو قادة في حقول مختلفة. وتتمتع النساء في المناطق الجنوبية بفرص أكبر في الالتحاق بالتعليم من اللاتي في المناطق البدوية الصحراوية الغربية حيث تسود العادات الأبوية.
وأوضحت تمارا أن الأبوية تفضل النساء في الزواج عنهن في العمل. لذلك يُتحايل على القانون الذي يمنع زواج القاصرات بالمادة الثامنة من القانون نفسه، إذ تتيح زواج الفتاة في سن الخامسة عشر إذا قضى القاضي بذلك.
وعلاوة على ذلك، تفيد إحصاءات الأمم المتحدة بارتفاع معدلات الأمية بين النسّاء في المناطق الريفية، ما يحول بينهن وبين المشاركة في سوق العمل ويقلل معدلات توظيفهن.
وقالت تمارا: “تتزوج النسّاء الأميات برجالٍ أميين، فلم يعرفن يومًا كيف يصبحن مستقلات ماديًا. لذلك نراهم يعتمدن بكلية مطلقة على الرّجال في إعالة الأسرة وسيادة البيت”.
مجتمع مفكك
كان العراق واحدًا من أكثر دول الشرق الأوسط تطورًا، إلا أنّه عانى أزمات كثيرة في السنوات السابقة منها الحروب، والاحتلال العسكري، والعقوبات الاقتصادية، والديكتاتورية العسكرية، وفقدان الأمن، والاضطراب السياسي، والهجمات الإرهابية، وعلى ذلك كلّه تلقي تمارا وخبراء غيرها بلائمة تدهور حال البلاد.
وقالت تمارا: “كانت القوانين تُطبق بصرامة قبل حرب 2003، وكان الرجال أكثر خوفًا من عواقب أفعالهم منهم اليوم. فالحكومة اليوم فاسدة تعامل المحظيين من الأفراد والقبائل معاملة خاصة”.
وضربت تمارا مثلًا بمحامية ناجحة ماديًّا هي ابتهال الفرطوسي التي قررت الاستقلال عن عائلتها. وزعمت أن إخوتها الذين لهم علاقات في البرلمان قد أقنعوها بالعودة إلى المنزل وتوفير الأمان لها.
لكنهم سرعان ما نكثوا عهودهم، وأظهرت صور انتشرت على نطاق واسع تعرضها للضرب وحلاقة شعر رأسها، بعد أن أُجبرت على الاعتذار لإخوتها على التلفزيون الرّسمي. فضلًا عن تعرضها لشتى أنواع العنف، حتى أُجبرت على التنازل عن ميراثها، في حادثة ليست الأولى من نوعها.
معاناة المهمشات
وأشارت تمارا إلى أنّه رغم شغل النساء 97 مقعدًا في البرلمان من أصل 329 مقعدًا في انتخابات 2020، فإن هؤلاء النساء يتعرضن للضغط السياسي من أقرانهن الرجال، أو لا يعبّرن عن القضية النسوية.
وأوضحت ضرورة تغيير القوانين التمييزية حتى يتغير المجتمع بدوره. وقد قابلت الحكومة محاولة منظمتها تعديل بعض أجزاء قانون العقوبات التي تسمح بالقتل من أجل الشرف بالرفض الفوري.
وقد لاحظت تمارا تصاعد حالات الإبلاغ عن الانتهاكات على صفحات المنظمة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال ذروة فترة الإغلاق بسبب جائحة كورونا. وهذه المرة اعترض العنف المتزايد الطريق العثر لمن نجت من المجموعات الإيزيدية المهمشة ومجتمع الميم في العراق.
فقد شهدت المناطق الشمالية الغربية في سنجار عنفًا منزليًا متزايدًا ومستويات من الاكتئاب خلال فترة الإغلاق. ويأتي ذلك في أعقاب هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية الذي عرّض النساء الإيزيديات للعنف الجنسي لسنوات عدّة.
وكذلك تخشى دائمًا نساء الكوير والمتحولات جنسيًا من الاستهداف والقتل، إذ لا تتوفر حماية قانونية لهن.
ومع ذلك، فإن تمارا متفائلة بمستقبل أفضل، إذ تشعر بأنّ الجيل الجديد من النسويات سيحملن شعلته. لكن حتى ذلك الحين، فإن الرّجال ما زلوا ممسكين بزمام السلطة والحكم في العراق.
وقالت: “يعتمد الرجال العراقيون على النساء الأبويات، ومن دونهن لا تدور ساقية الانتهاك. فكراهية النساء للنساء حقيقة ويجب تتبعها إذا أردنا تغييرًا حقيقيًا ومستديمًا”.
وفي هذه الأثناء، تساعد منظمة تمارا عامر مريم ياغي في معركة حضانتها بتوفير المحامين، والتواصل بينها وبين المنظمات الداعمة، ونشر قصتها على منصاتها لحشد الدعم العام. ويبقى أن نترقب خروجها منتصرة.