منذ أن أصبح معروفاً أن 15 من أصل 19 إرهابياً متورطين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة كانوا من الرعايا السعوديين، وجه العالم أنظاره نحو الثقافة، والدين، الذي أنتج هؤلاء الرجال.
فالإسلام الوهابي، أحد أشكال المذاهب المتشددة، هو العقيدة الرسمية للمملكة المحافظة والأساس الأيديولوجي لآل سعود، الذين يقدمون أنفسهم للعالم الإسلامي باعتبارهم أوصياء على العقيدة النقية للإسلام. في الواقع، الإسلام الوهابي هو تفسيرٌ مثيرٌ للجدل للشريعة الإسلامية، الذي يشوه سمعة ويعادي ليس فقط المذاهب الأخرى في الإسلام بل يعتبر أيضاً الأديان الأخرى باطلة. تكمن مثل هذه الأفكار وراء الكثير من العنف الذي يحصل باسم الإسلام والموجه ضد المسلمين وغير المسلمين على حد سواء في جميع أنحاء العالم.
فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتحت ضغطٍ متزايد من حلفائهم الغربيين، وعد الحكام السعوديون بالقضاء على التعصب من خلال إصلاح المناهج الدراسية.
ولكن بعد 15 عاماً، لا تزال الكتب المدرسية التي تعزز التعصب والتطرف قيد الاستخدام، وذلك وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش. فقد خلصت دراسة استقصائية أجرتها المنظمة الحقوقية في سبتمبر 2017 إلى أنه “يتعلم الطلاب حتى منذ الصف الأول أن يكرهوا كل من يُنظر إليهم على أنهم ينتمون إلى دين أو مدرسة فكرية مختلفة.” وأضافت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، “تزيد الكراهية في الدروس كل سنة عن سابقتها.”
ومن الصعب تصور كيف يمكن للدولة السعودية تغيير بعض العقائد الأساسية للوهابية دون تقويض شرعية آل سعود أنفسهم. لذلك لم يكن من الواضح أبداً ما الذي كان يعنيه ولي العهد محمد بن سلمان– الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية- عندما أعلن في أكتوبر 2017 أن المملكة ستعود إلى “الإسلام المعتدل،” ذلك أنه منذ أن أسس جده الدولة لم يُعرف أي إسلامٍ آخر هناك سوى الوهابية.
ومع ذلك، مضى محمد بن سلمان قدماً ببعض الإصلاحات الجريئة. فقد كان رفع الحظر الديني على قيادة النساء والسماح بإعادة افتتاح دور السينما في البلاد بعد حظرٍ استمر لعقودٍ من بين مناوراته الافتتاحية. كما حدّ أيضاً من صلاحيات الشرطة الدينية سيئة السمعة. بيد أن طريقته للقيام بذلك- من خلال التحدي والمواجهة- أثارت شكوكاً حول دوافعه الحقيقية، إذ وصف العديد من المعلقين مسيرته الإصلاحية بالمغامرة عالية المخاطر، وجزءٌ من مخططٍ أكبر لتعزيز سلطته داخل العائلة المالكة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية، تماماً كما حصل بالفعل في مساعيه لتحقيق نفوذٍ سعودي أكبر في الشرق الأوسط، وبخاصة في لبنان واليمن.
إن محور أجندة إصلاح محمد بن سلمان واسعة النطاق، التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد والحد من الاعتماد على النفط- المعروفة برؤية السعودية 2030– هو إصلاح النظام التعليمي، الذي يعتمد بشدة على التلقين والقليل أو الابتعاد كلياً عن التفكير النقدي- أي المهارات التي تبرز الحاجة لها لتحقيق اقتصادٍ حديث.
ووجدت دراسة استقصائية أجرتها اليونسكو عام 2011 عن النظام المدرسي السعودي أن التركيز على اللغة الإسلامية والعربية أكبر بكثير من المواد الأخرى، كما أن عدد حصص المواد المذكورة آنفاً ضعف تلك المخصصة للرياضيات والعلوم الطبيعية.
وبالمثل، خلصت دراسة استقصائية أجريت في عام 2015 من قبل شركة إيفوسيس، وهي شركة استشارية لتحليل البيانات، إلى أنه على الرغم من الطموح المعلن بتحويل المملكة العربية السعودية إلى مجتمعٍ قائم على المعرفة، فإن نظام التعليم لا يزال دون المستوى “من حيث تلبية الطلب في سوق العمل من الخريجين المؤهلين، والتوزيع غير المتوازن للطلاب عبر مختلف التخصصات، والفجوة بين البحوث التي يقوم بها العلماء واحتياجات المجتمع، مع نقص التمويل والتسهيلات للباحثين.”
يُفسر هذا أيضاً الاعتماد السعودي على العمالة الأجنبية في جميع مناحي الحياة الحديثة تقريباً، من العاملين في المنازل إلى الأطباء والطيارين.
وتهدف رؤية 2030 إلى جعل التعليم “يساهم في النمو الاقتصادي” و”سد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل.” كما تأمل في جعل الجامعات السعودية من بين أفضل الجامعات في العالم بحلول عام 2030. ومع ذلك، فإنها لا توضح بالتفصيل كيفية تحقيق ذلك في غضون 13 عاماً فقط.
وكما أشار العديد من المراقبين، فإن بعض جوانب رؤية 2030 كانت جزءاً من السياسة السعودية السابقة وخطط الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. فقد كتبت جين كينينمونت من تشاتام هاوس، وهي مؤسسة فكرية مستقلة مقرها لندن:
“تستأنف رؤية 2030 بشكلٍ أساسي، وعلى نحوٍ مكثفٍ وموسع، السياسات التي كانت موجودةً في البلاد منذ بضعة عقود. حققت هذه بعض النجاحات في توليد نموٍ غير نفطي وتشجيع بعض السعوديين على العمل في القطاع الخاص، إلا أن التنفيذ لم يرتقي مراراً للأهداف الطموحة التي وضعت، ونتيجةً لذلك لا يزال الاقتصاد السعودي يعتمد بشكلٍ كبير على الإنفاق الحكومي المعتمد على النفط.”
ولمكافحة البطالة المتنامية، وبخاصة بين الشباب، اعتمدت المملكة سياسةً تُشجع أرباب العمل في القطاعين العام والخاص على استبدال العمال الأجانب تدريجياً بالمواطنين السعوديين، أو ما يُسمى بالسعودة، وهي سياسة وضعت منذ أكثر من 30 عاماً. غير أن الافتقار إلى العمالة المؤهلة دفعت بالشركات إلى الإلتفاف على قوانين استقدام العمال الوافدين بدلاً من الاعتماد على القوى العاملة المحلية قليلة التدريب.
واليوم، لا تزال البلاد تعتمد على حوالي 11 مليون من العمالة الوافدة للحفاظ على سير الاقتصاد، من إجمالي القوة العاملة البالغة 13 مليون. وفي الوقت نفسه، تواصل نسب البطالة بين الشباب ارتفاعها، حيث بلغت أكثر من 12%، وذلك وفقاً للأرقام الصادرة عن السلطات السعودية في يوليو 2017.
وبالتالي، يعتبر وضع أهداف سامية أمر، إلا أن تحقيقها أمرٌ مختلفٌ تماماً. وأقل ما يمكن أن يُقال، فإن وضع الجامعات السعودية على قائمة أفضل الجامعات في العالم بحلول 2030 أمرٌ طموح. فعلى مدى عقود، استثمرت المملكة العربية السعودية مليارات الدولارات لتوسيع نظامها التعليمي. فعلى سبيل المثال، في عام 2009، أطلق الملك الراحل الملك عبد الله الثاني واحداً من أكثر مشاريع التعليم تطوراً في المملكة: جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (المعروف أيضاً بـKUAST) على البحر الأحمر، وخصص ريعاً للإنفاق على الجامعة، ووفقاً للتقارير، وبعد أن بلغت تكلفتها حوالي 10 مليارات دولار، باتت واحدة من أغنى الجامعات في العالم. فقد بُنيت في غضون عامين وتحتوي على بعض أكثر تقنيات التعليم والبحث تقدماً. تم تصميمها لتكون بمثابة عنصر الجذب للمواهب المحلية والعالمية، ولكن من السابق لأوانه رؤية تأثير هذا المشروع على المجتمع السعودي، إن وجد.
ومع ذلك، فإن الاستثمار في البنية التحتية وحدها لن يحرر المجتمع السعودي من أغلال عقلية القرون الوسطى التي تحكم جميع جوانب الحياة: العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الرجال والنساء وبين العمالة المحلية والوافدة. فالتفكير العلمي يتطلب بيئةً خصبة اجتماعياً وفكرياً للازدهار، ولا تزال هذه البيئة جديدة العهد في المملكة العربية السعودية.