أثرت أربعة عقودٍ من العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية على جميع أوجه الحياة في إيران، ولكن على الرغم من العقبات، ازدهرت العلوم والبحوث. ووفقاً لتقرير اليونسكو للعلوم حتى 2030، ” العقوبات… سرعت الإنتقال من الاقتصاد القائم على الموارد إلى اقتصاد المعرفة، وذلك عن طريق تحدي صناع السياسات للنظر لأبعد من الصناعات الاستخراجية… فخلال عامي 2006 و2011 وصل عدد الشركات العاملة في أنشطة البحث والتطوير إلى أكثر من الضعف.”
وأبرز التقرير نفسه أنه في عام 2017، احتلت إيران المرتبة السابعة عالمياً في عدد الأوراق العلمية المتعلقة بتكنولوجيا النانو. ومع ذلك، سيكون من الخطأ اعتبار العقوبات قوةً إيجابية للعلوم والبحث في إيران. وعلى الرغم من أن العقوبات المُعطِلة دفعت النظام التعليمي ليكون أكثر إبداعاً، إلا أنها خلقت العديد من التحديات أمام الطلاب والباحثين. فعلى سبيل المثال، ونتيجة للعقوبات المفروضة على النظام المصرفي الإيراني، فقدت العديد من الجامعات اشتراكاتها في المجلات الأكاديمية الدولية، لمجرد أنها لم تتمكن من تحويل الأموال لدفع ثمن الوصول إلى المجلات.
وعلى الرغم من هذه التحديات، تم إحراز تقدمٍ كبير في قطاع التعليم العالي في السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، ازداد الناتج العلمي بين عامي 1996 و2008 بمقدار 18 ضعفاً، من 736 ورقة منشورة إلى 13,238 ورقة. وفي عام 2011، نما الناتج العلمي 11 مرة أسرع في إيران من المتوسط العالمي وأسرع من أي بلد آخر في العالم. وتضم إيران اليوم عدداً ضخماً من طلبة العلوم والهندسة – أكثر من مليوني شخص، أي بزيادة قدرها 161% منذ عام 2004. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن 70% من هؤلاء الطلبة من النساء.
وفي الأشهر الأخيرة، حددت بيانات تحليل الاستشهادات المرجعية الجديدة طهران بأنها ذات أهمية كبيرة تماماً كحال دلهي وبكين، من حيث المدن التي تعمل على تنمية تعاونها الأكاديمي الدولي في بعض المجالات. فالبحوث المتعلقة بالطاقة، على سبيل المثال، لها أثر استشهاد بالرأي مرجح ميدانياً يقترب من ما نسبة 50% فوق المتوسط العالمي. وهناك العديد من العوامل الاجتماعية- الثقافية التي يمكن أن تفسر جزئياً هذه الإنجازات، ولكن في الوقت نفسه من الإنصاف أن نفترض أن هذا النمو العلمي السريع لا يمكن أن يحدث دون وجود بُنية تحتية تعليمية كافية. بالنتيجة، تتطلب مثل هذه القفزة التعليمية تنميةً أفقية ورأسية.
ووفقاً لإحصاءات اليونسكو التي نشرها البنك الدولي، أنفقت إيران ما نسبته 2,95% من ناتجها المحلي الإجمالي على التعليم على جميع المستويات في عام 2014. ويمثل هذا الرقم ما نسبته 19,7% من إجمالي الإنفاق الحكومي، وهي نسبة أعلى من معظم البلدان النامية. وعلى الصعيد العالمي، أنفقت الحكومات ما متوسطه 14,25% من إجمالي الإنفاق على التعليم. فمعدلات الإلمام بالقراءة والكتابة في إيران مرتفعة حسب معايير الشرق الأوسط، فقد بلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين البالغين 84,6% في عام 2013، مقارنةً بنسبة 78% في الدول العربية المجاورة. كما أن معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الذين تتراوح أعمارهم بين 15-25 عاماً أعلى من ذلك وبنسبة 98%.
ففي إيران، التعليم الأساسي إلزامي ويستمر لتسع سنوات. وقبل إقرار قانون إصلاح التعليم لعام 2012، كان التعليم الأساسي يستمر لثماني سنوات، ويُقسّم إلى تعليم ابتدائي مدته خمس سنوات، وثلاث سنوات للتعليم الثانوي الأدنى (الإعدادية). مددت الإصلاحات المرحلة الابتدائية إلى ست سنوات، مما أدى إلى توسيع نطاق التعليم الأساسي إلى ما مجموعه تسع سنوات.
وفي المدرسة الابتدائية، يلتحق التلاميذ بـ24 ساعة من الدروس في الأسبوع. ويغطي المنهج مواضيع مثل الرياضيات والعلوم والدراسات الإسلامية والقراءة باللغة الفارسية والكتابة والفهم والدراسات الاجتماعية.
وفي المدرسة الإعدادية، يتم إدخال مواد دراسية أخرى مثل التاريخ والدراسات المهنية واللغتين العربية والإنجليزية، ويحضر الطلاب ساعات أكثر من الدروس كل أسبوع. المنهج الدراسي على هذا المستوى وطني ومتماثل في جميع المدارس.
أما التعليم الثانوي فليس إلزامياً ولكنه مجاني ويستمر لثلاث سنوات. على هذا المستوى، يمكن للطلاب الاختيار من بين واحدة من المسارات المتاحة مثل الأكاديمية (النظري)، والتقنية (الفني الحرفي)، والمهنية/ المهارات. ويعتبر المسار الأكاديمي تقليدياً الأكثر شعبية.
وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، شهد قطاع التعليم العالي توسعاً سريعاً. ففي عام 1977، لم يكن في إيران سوى 16 جامعة، حيث بلغ عدد الطلبة فيها 154,315 طالباً. وفي عام 2008، كان في إيران أكثر من 3,5 مليون طالب مسجلين في الجامعات، حيث أن الغالبية العظمى من الطلاب مسجلون في القطاع الخاص. إن أكثر من ثلث الطلاب ملتحقون بجامعة ازاد الإسلامية شبه الخاصة (IAU)، أكبر جامعة في إيران وواحدة من أكبر الجامعات الكبرى في العالم، بوجود 1,7 مليون طالب. وفي عام 2013، تم قبول 57,9% من الطلاب البالغ عددهم 921,386 طالباً والذين اجتازوا امتحان القبول الموحد (الكونكور) في الجامعات العامة. وتعتبر امتحانات الكونكور تنافسية للغاية وتُقام مرة واحدة فقط في السنة، وهو اختبار متعدد الخيارات مدته 4 ساعات ونصف ويغطي جميع المواد التي تُدّرس في المدرسة الثانوية. وفي السنوات الأخيرة، تم سن تشريعات لإلغاء الكونكور واستبدالها بنظامٍ مختلف.
هذا وتشرف وزارة الصحة والعلاج والتعليم الطبي على الجامعات الطبية، إلا أنّ جميع المؤسسات الأخرى تخضع لسيطرة وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا. وعلى الرغم من التوسع السريع في قطاع التعليم العالي، تواجه إيران نقصاً في الفرص التعليمية على مستوى الدراسات العليا، لأن معظم البرامج في الجامعات الخاصة على المستوى الجامعي. ولم يحصل سوى ما نسبته 6% فقط من أصل حوالي 900 ألف طلب من المتقدمين للحصول على درجة الماجستير و4% من المتقدمين للدكتوراه البالغ عددهم 127 ألف طالب على مكانٍ في عام 2011.
ويتمثل التحدي الرئيسي الآخر الذي يواجه مؤسسات التعليم العالي بالتحدي السياسي المرتبط بالطابع الأيديولوجي للنظام الحاكم. فحتى قبل الثورة في عام 1979، كانت الجامعات تعتبر مركزاً للنشاط السياسي. في الواقع، لعب طلاب الجامعات دوراً حيوياً في الإطاحة بالشاه. وبعد الثورة وإقامة الجمهورية الإسلامية، تكثف النشاط السياسي في الجامعات الإيرانية، حيث أدى ذلك إلى الإغلاق المؤقت لجميع الجامعات والكليات في جميع أنحاء البلاد في عام 1980، وهو حدثٌ شهد بداية الثورة الثقافية. تم تطهير الآلاف من الطلاب والعلماء وأعيد تأليف الكتب المدرسية وفقاً للمذهب الأيديولوجي للجمهورية الإسلامية.
وعلى الرغم من إعادة فتح الجامعات بعد ثلاث سنوات، حافظت الدولة على رقابةٍ صارمة على التعليم العالي. وخلال رئاسة محمد خاتمي (1997-2005)، الإصلاحي، أعيد تجديد التعليم العالي بشكلٍ كبير من حيث الموارد والحريات الطلابية على حد سواء. ولكن في عام 1999، وقع اشتباكٌ كبير بين الطلاب وقوات الأمن المتصلة بالمتشددين، مما أدى إلى إندلاع أعمال العنف والدمار في حرم الجامعة في طهران وما حولها. وفي ظل حكم محمود أحمدي نجاد (2005-2013)، اتخذ المتشددون تدابير صارمة لـ”إضفاء الطابع الإسلامي” على التعليم العالي مرةً أخرى وممارسة المزيد من الضغط على العلماء والطلاب. وفي السنوات الأخيرة، حذر المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، من الجامعات والموضوعات “غير الإسلامية” وروج للمطابقة الأيديولوجية.
واليوم، يوفر نظام التعليم الإيراني فرصاً وتحديات. ومن الواضح أن النظام، سيما التعليم العالي، يواجه تحديات على الصعيدين الخارجي والداخلي. فعلى الصعيد الداخلي، ترى الفصائل المتشددة في نظام التعليم العالي أداةً أيديولوجية؛ وخارجياً، تزيد العقوبات التي يفرضها الغرب صعوبة العمليات اليومية للجامعات. وعلى الرغم من الاتفاق النووي لعام 2015 الذي شهد رفع بعض العقوبات، ما زال الحظر المفرط يُلقي بظلاله على الحياة في البلاد.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يبدو أن نظام التعليم في إيران مفعم بالحيوية، سيما في المجالات العلمية والهندسية، حيث تعتبر إيران اليوم رائدةً في غرب آسيا وتستمر في إخراج باحثين من الطراز العالمي مثل مريم ميرزاخاني (أول فائزة بميدالية فيلدز، وهي جائزة مرموقة في الرياضيات) التي تقدم مساهماتٍ غاية في الأهمية للمعرفة البشرية. وعلى الرغم من تمتع نظام التعليم الإيراني بالقدرة على تحقيق إنجازاتٍ أكبر بكثير، إلا أن مستقبله يعتمد على الصراع الجاري على السلطة بين المتشددين والإصلاحيين في البلاد.