وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الرحلة الطويلة للاعتراف باللغة الأمازيغية في المغرب

Specials- Amazigh
تلميذة ترفع لوحاً خلال حصة تعلّم اللغة الأمازيغية في الرباط. Photo AFP

وافقت اللجنة البرلمانية المغربية للتعليم والثقافة والاتصال مؤخراً على قانونٍ جديد يخلق تحولاً كبيراً في سياسة التعليم في البلاد. لن يمكّن الإطار القانوني الجديد من تدريس المواد التقنية في المدرسة بلغاتٍ أجنبية فحسب، بل سيتطلب أيضاً تعليم اللغة الأمازيغية البربرية لجميع الطلاب المغاربة. جاء هذا الإعلان بعد تطورٍ كبير آخر حازه المتحدثون باللغة الأمازيغية: في يونيو 2019، وافق المشرعون بالإجماع على مشروع قانونٍ يؤكد الاعتراف الرسمي باللغة، إلى جانب اللغة العربية. ومع ذلك، جاء التصويت بعد ثماني سنوات من الاعتراف باللغة في دستورٍ جديد في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، إذ لم يتحقق هذا الاعتراف الأولي إلا بعد عقودٍ من الدعوة له.

الأمازيغية هي اللغة التي يتحدث بها السكان الأمازيغ أو البربر، وبحسب إحصاءٍ أجري عام 2004، يوجد ثمانية ملايين شخص في المغرب يتحدثون إحدى لهجات البربر الرئيسية الثلاث يومياً، ويقدر أن هناك من 25 إلى 30 مليون ناطق باللهجات البربرية في شمال إفريقيا.

تاريخياً، شهد إضفاء الطابع المؤسسي على اللغة إعاقاتٍ لعدم الاعتراف الرسمي بها، على الرغم من أن أعداداً كبيرة يتحدثون اللغة في المملكة.

في الحقيقة، ظل منح الأطفال أسماءً أمازيغية محظوراً لسنواتٍ عديدة في المغرب، وغالباً ما يرفض المسؤولون إدخال هذه الأسماء في السجلات المدنية. كان تأثير هذا الحظر هو استبعاد أولئك الذين يتحدثون اللغة – عادة الأشخاص من المناطق الريفية الفقيرة في البلاد – من المشاركة في مختلف جوانب الحياة العامة. وتتضمن الأسباب الأخرى لمعارضة إدراج اللغة البربرية بالرغبة في تفادي إضافة عبءٍ لمزيج اللغة المعقد بالفعل في المدارس، بينما هناك آخرون ملتزمون بالتعريب في المغرب.

وفي الوقت الحاضر، يكتسب إدراج اللغة قبولاً سياسياً واجتماعياً أكبر بكثير، رغم أن الرحلة لم تكن سهلة. فبعد تاريخٍ من المقاومة ونضال الحركة الثقافية للأمازيغية لتحظى بالقبول ضمن الهوية المغربية المعترف بها من قبل الدولة خلال القرن العشرين، دعم الملك الحسن الثاني في عام 1994، تدريس الأمازيغية في المدارس وأنشئت المفوضية العليا للأمازيغية للإشراف على هذه العملية. ولأول مرة في تاريخها، اعترف دستور البلاد المنقح لعام 1996 بالثقافة الأمازيغية باعتبارها “مكوناً أساسياً لهويتها،” وفقاً لبول سيلفرشتاين في فصل كتابه من مطبعة جامعة أكسفورد عن الحركة، والذي حمل عنوان “التيارات الاجتماعية في شمال افريقيا.” تم اتخاذ خطواتٍ إضافية نحو العمل على هذا الاعتراف في عام 2001، عندما شكل الملك محمد السادس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بموجب مرسومٍ ملكي، مما عمل على إذكاء الوعي بالمجتمع الأمازيغي في المغرب واستمرار توحيد اللغة باستخدام أبجدية تيفيناغ، وبالتالي العمل على دمج اللغة في المدارس ووسائل الإعلام. وفي عام 2011، وبمساعدة الربيع العربي، عمل الأمازيغ والإسلاميون جنباً إلى جنب للدعوة إلى زيادة الحرية في المغرب، مما أدى في النهاية إلى اعتماد دستورٍ جديد في عام 2011، الذي تم بموجبه الاعترف بالأمازيغية كلغةٍ رسمية في البلاد. ورغم أن الأمازيغية بدأت تُدّرس في المدارس، إلا أنه في عام 2019 فقط ، أدخل هذا التشريع حيز التنفيذ.

وبحسب ما قاله أمين غوليدي، الباحث في جامعة كينجز كوليدج لندن، لنا في فَنَك فإن سبب تأخر تطبيق هذا الأمر يرجع جزئياً إلى اعتراف الزعماء السياسيين بأن هذه مسألة معقدة للغاية وتحمل في طياتها تداعياتٍ اجتماعية وسياسية خطيرة، إذ قال “تعد اللغة عنصراً أساسياً للهوية وتحتاج إلى إدارتها بعناية. ينبغي أن يتجاوز الاعتراف باللغة [الأمازيغية] المظاهر التجميلية مثل اللافتات في الشوارع وأغلفة الكتب.”

طوال الوقت، واصل النشطاء ومؤيدو الاعتراف الرسمي بالأمازيغية الضغط. ومع ذلك، فإن اللغة ليست المجال الوحيد الذي تتوق الهوية الأمازيغية إلى إدراجه، فقد شملت النضالات الأخرى الاعتراف بالعام الأمازيغي الجديد، المعروف باسم يناير، باعتباره عطلةً وطنية في 12 يناير من كل عام. فقد قامت الجزائر باعتباره عطلةً وطنية في العام الماضي، ويود النشطاء أن يفعل المغرب الشيء ذاته.

وبعد تقديم عريضةٍ على شبكة الإنترنت لشركة جوجل لإدراج اللغة الأمازيغية في موقع ترجمة جوجل، تم أيضاً الاعتراف باللغة من قِبل عملاق الإنترنت في مارس.

ومع ذلك، في أجزاء أخرى من العالم، مثل الجزائر، لا يزال الأمازيغ يكافحون من أجل الحصول على مكانةٍ متساوية. ففي يوليو 2019، قمعت السلطات الجزائرية المتظاهرين الذين كانوا يحملون العلم الأمازيغي أثناء المظاهرات.

Specials- Berber morocco
تلميذ يقرأ نصاً باللغة الأمازيغية في الرباط. Photo AFP

من جهته، قال وزير الثقافة المغربي محمد لعرج، الذي تحدث بعد تصويت يونيو، إن القانون الجديد “سيعمل على تفعيل الوضع الرسمي للأمازيغية (…) للحفاظ على اللغة وحماية التراث الثقافي.”

وفي حين أن هناك بعض الأصوات التي تنتقد القانون، إلا أنه لا يزال يضم بعض الثغرات، منها على سبيل المثال الإصرار على استخدام اللغة في المدارس ووسائل الإعلام، بيد أنه لربما يُنظر إلى الإطار القانوني الجديد للأمازيغية باعتباره خطوةً في الإتجاه الصحيح لملء هذه الثغرات. بينما يتمثل الهدف من إطار التعليم في زيادة الوصول إلى التعليم في المغرب.

وبالفعل، وفقاً لرئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، فإن الأرقام من عام 2018 تظهر أن عدد الطلاب في المدارس الابتدائية الذين يتعلمون اللغة الأمازيغية قد ارتفع من 500 ألف في العام السابق إلى 600 ألف طالب في 4200 مدرسة ابتدائية. إن التركيز بشكلٍ أفضل على تدريس اللغة يمكن أن يساعد في الحد من أعداد فشل الأطفال في المدرسة لأن لغتهم الأم هي الأمازيغية وليس العربية. ويُقال أيضاً أن إدماج اللغة الأمازيغية يهدف إلى مساعدة الناطقين بها على تعلم المزيد من اللغات المعترف بها دولياً مثل الفرنسية والإنجليزية والعربية، على الرغم من أن أساس القضية هو مسألة الإدماج الاجتماعي. من الناحية النظرية، يجب أن يؤدي إضفاء الطابع المؤسسي إلى التكافؤ في المجتمع المغربي.

ومع ذلك، لا يزال بول سيلفرشتاين، أستاذ الأنثروبولوجيا في كلية ريد بولاية أوريغون بالولايات المتحدة، يشكك في مشروع القانون الجديد الذي يعترف بالأمازيغية كلغةٍ رسمية. في النهاية، حسب اعتقاده، يعتمد هذا كله على كيفية تنفيذه، وفيما إذا كان سيحقق ما طالب به النشطاء. ومن الجدير بالذكر أن الإجراءات المغربية التي تحركها الدولة لم يكن لها سوى تأثيرٌ رمزي، على الأقل في الماضي.

وبحسب ما قاله سيلفرشتاين لفَنَك: “التأثير الرمزي غاية في الأهمية،” وأضاف “هذا بالضبط هو نوع المؤشر الذي كان المتحدثون بالأمازيغية يبحثون عنه، فقد كان هناك مطالبة بالاعتراف بها لفترة طويلة. إن هذا تغيير كبير في المغرب… إذا ما عدنا إلى التسعينيات، أو حتى أوائل العقد الأول من القرن العشرين، كان المرء يخاطر بشيءٍ ما عند التعبير عن نفسه علناً.” لكن السؤال المطروح الآن هو كيف يترجم ذلك إلى مساواةٍ فعلية، “أعتقد أنه لا يزال أمامنا طريقٌ طويل.”

هناك أيضاً حقيقة أن نسخة اللغة الأمازيغية التي يتم دمجها في نظام التعليم هي شكلٌ موحد للعديد من لهجات البربر. علاوةً على ذلك، فهي اليوم مصحوبة بأبجدية تيفيناغ، التي لا يزال العديد من المتحدثين باللغة الأمازيغية لا يألفونها، حيث اعتادوا على كتابة اللغة بالأبجدية العربية أو اللاتينية. لذلك، ستصبح لغةً أخرى يجب على الطلاب تعلمها.

باختصار، على الرغم من عقودٍ من النشاط من أجل دمج اللغة الأمازيغية كلغةٍ رسمية، إلا أنه لا زال يتعين علينا رؤية ما إذا كانت التطورات التشريعية الجديدة ستحقق ما يعتبره النشطاء الأمازيغ التطبيق العادل للغات الأمازيغية والعربية. كما تبذل جهودٌ سياسية لضمان الحصول على ما هو أكثر من مجرد رمزيةٍ تجميلية. ومع ذلك، هناك الكثير من الإعاقات، مما يعني أن الهدف النهائي قد يستغرق بعض الوقت للوصول إليه.