وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التعليم يتعرض للهجوم في ظل الحرب الليبية

Specials- Benghazi University
طلاب من قسم الهندسة الكيميائية بجامعة بنغازي يرمون أرواب التخرج في الهواء احتفالاً بتخرجهم في 24 أكتوبر 2016، أمام مبنى الجامعة الذي تم تدميره بسبب القتال. Photo AFP

كان الكتاب الأخضر الركن الأساسي للتعليم في ليبيا لعقودٍ من الزمان تحت حكم الديكتاتور السابق معمر القذافي. يمزج الكتاب، الذي ألّفه القذافي، بين النظرية الماركسية والفوضوية التقليدية، بينما يعرض في بعض الأحيان انعكاساتٍ غير منطقية عن الاختلافات بين الرجل والمرأة.

ومنذ سن الثامنة، يبدأ تلقين أطفال المدارس تعاليم الكتاب الأخضر لساعتين في الأسبوع. فقد تعلموا كيف يحبون “الأخ القائد”- وهو لقبٌ أطلقه القذافي على نفسه- بالإضافة إلى آرائه حول الرضاعة الطبيعية والرياضة، وكراهيته للديمقراطية على النمط الغربي.

ولكن، بعد وقتٍ قصيرٍ من أسر القذافي واغتياله في 20 أكتوبر 2011، أصبح الكتاب طي الأدراج، ليجتمع بعد ذلك فريقٌ مكون من 160 خبيراً لتطهير جميع المناهج الدراسية من تأثير القذافي، الذين تعهدوا باستبداله بمنهاجٍ دراسي يشجع على التفكير النقدي.

وبينما لا يزال التعليم مجانياً في ليبيا، إلا أن انعدام الأمن يؤدي إلى إعاقة وصول آلاف الطلاب إلى المدارس. فقد عطل العنف المستمر للميليشيات الحصص المدرسية، كما يخشى العديد من التلاميذ على حياتهم.

ففي فبراير 2014، أصابت قنبلةٌ يدوية مدرسةً خاصة في بنغازي، مما أسفر عن إصابة 12 طفلاً. وبحلول ذلك الصيف، كانت البلاد تنحدر بشكل أكبر إلى حالةٍ من الفوضى. ومع غرقها في حربٍ أهلية عنيفة، انهارت معظم مؤسسات الدولة، كما تحالفت الحكومات المتنافسة – واحدة في الشرق والأخرى في الغرب- مع ميليشياتٍ متنافسة في صراعٍ على الشرعية.

أجبرت الحرب الأهلية مئات المدارس والجامعات على إغلاق أبوابها، فخلال معركة بنغازي، أصدر مسؤولو التعليم تقريراً كشف أن الصراع منع 63 ألف طفل و8,500 معلم من ارتياد مدارسهم.

وفي سبتمبر 2014، استولى تحالف مجموعة ميليشيات إسلامية معروفة باسم فجر ليبيا على مقصف مدرسة في مدينة الزاوية وجعلوا منه مطبخاً لهم. وعليه، حاول مدراء المدرسة إلحاق الطلاب في صفوف مسائية في أماكن أخرى إلا أنهم فشلوا في ذلك.

كما كتب مصطفى الفيتوري، وهو صحفي وأكاديمي ليبي، أن 250 مدرسة في سرت، مسقط رأس القذافي، باتت مهجورةً في أعقاب حملةٍ لتغيير مسار تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بعيداً عن المدينة في عام 2016.

ومع ذلك، لا يزال الوصول إلى التعليم محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للأطفال الليبيين بعد مرور أربع سنوات. فقد كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن 489 مدرسة قد تأثرت بالعنف في الأشهر السبعة الأولى من عام 2018. وقد واجه 260 ألف طالبٍ على الأقل عقباتٍ في الوصول إلى التعليم نتيجة لذلك.

وعلى الرغم من الصراع، لا تزال معدلات معرفة القراءة والكتابة مرتفعة في ليبيا، حيث بلغت حوالي 91% اعتباراً من عام 2015. ومع ذلك، قد لا يكون هذا الرقم دقيقاً بسبب صعوبة إجراء إحصاءٍ وطني.

وقال عثمان عبد الجليل، وزير التعليم بحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، لصحيفة أراب ويكلي في مارس 2018 إن النقص العام في التمويل وتدريب المعلمين يعوّق أيضاً تقدم التعليم. واعترف أن تصاعد العنف هو الشاغل الرئيسي، لا سيما في الجنوب والشرق.

إذ قال، “الظروف في المدارس والجامعات في جنوب ليبيا والمدن الشرقية أسوأ بكثير من تلك الموجودة في المناطق الغربية من البلاد.” وأضاف “إن تزايد العنف في تلك المناطق يجعل استمرار العملية التعليمية مستحيلاً. بل إن ذهاب المعلمين إلى العمل وحضور الطلاب للصفوف المدرسية يعد مهمةً بطولية.”

على الرغم من الحرب، والتحديات الهائلة التي تواجه قطاع التعليم، احتفل عبد الجليل بتحقيق توحيد المناهج في شرق وغرب وجنوب ليبيا. وشدد على أن جميع الجامعات في البلاد ينبغي أن تعمل في إطار المناهج الدراسية على الصعيد الوطني، حتى لو كان البلد لا يزال منقسماً.

وقال إن أضرار البنية التحتية ليست قضيةً كبيرة بالمقارنة مع الآثار النفسية التي تحدثها الحرب على التلاميذ الصغار، إذ يخشى أن يعاني الشباب الليبيون من صدمةٍ طويلة، مما سيؤثر على الجيل القادم.

ظروف العمل السيئة والخطيرة للمدرسين هي أيضاً من القضايا الرئيسية، ففي أكتوبر 2017، أجلت نقابة المعلمين في بنغازي السنة الدراسية إلى أجلٍ غير مسمى إلى أن وافقت الوزارة على قائمةٍ من المطالب.

طالبت النقابة بمضاعفة رواتب المعلمين وتزويدهم بالتأمين الصحي الكامل. كما طالبت بتوفير الأمن الكافي لمنع اندلاع الصراعات بالقرب من المدارس. وافق عبد الجليل على منح المعلمين التأمين الصحي، إلا أنه رفض مضاعفة رواتبهم، وهي تسويةٌ رفضتها نقابة المعلمين. وقال طالبٌ جامعي من بنغازي أن المواجهة استمرت إلى أن قرر المعلمون أخيراً فتح المدارس الابتدائية في أواخر نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، عمل عبد الجليل مع مجموعات الإغاثة لمنح بعض الأطفال بصيص أمل. فقد أفادت اليونيسف أن أكثر من 370 ألف عائلة ليبية نازحة عادوا إلى ديارهم في مايو ويونيو 2018. وأشارت معظم العائلات إلى أن الحصول على التعليم أحد الأسباب الرئيسية لعودتهم.

فقد أتاحت العودة إلى المدارس للأطفال الذين تم إجبارهم في السابق على ترك مدارسهم بيئة أكثر أمناً في البلد الذي مزقته الحرب. وتعتبر أمينة الزنتاني، البالغة 12 عاماً من مدينة أوباري الجنوبية، مثالاً على ذلك، حيث عادت مؤخراً إلى مدرستها التي تم إصلاحها، مما سمح لها باستئناف الدراسة وجمع شملها بأصدقائها. وقالت أمينة لمنظمة Theirworld، “إنه شعورٌ رائع أن أعود إلى أصدقائي مجدداً. الناس وهذا المكان يعنيان لي الكثير.”

وبالطبع، لا يزال آلاف الأطفال يبحثون عن مظهرٍ من مظاهر الحياة الطبيعية التي توفرها المدرسة. كما قال المدير الإقليمي لليونيسيف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خيرت كابالاري لمنظمة Theirworld أن 26 ألف طالب أجبروا على تغيير مدارسهم في الأجزاء الجنوبية والشرقية من البلاد بسبب تصاعد العنف.

وفي الوقت نفسه، يعتبر التعليم أقل من المستوى في المدن التي لا زال الطلاب فيها يرتادون المدارس. فالغرف الصفية مكتظة في العاصمة طرابلس، حيث يبلغ متوسط عدد الطلاب فيها أربعون، ولم يحصل أي منهم على كتبٍ مدرسية. وتعتبر هذه المشكلة بسيطة مقارنةً بالظروف الصحية السيئة في المدارس، فبعض المدارس لا تحتوي على دورات مياه، بينما تعاني مدارس أخرى من تلوث المياه.

من الواضح أن الحرب وسوء الخدمات لهما تأثيرٌ خطير على بيئة تعليم الأطفال الليبيين، ويبدو أن وقف العنف وإنهاء الشلل السياسي هو السبيل الوحيد لمعالجة المشكلة من جذورها، وعندئذ فقط يمكن لوزارة التعليم توفير الأمن والاستثمار اللازمين لحماية الجيل القادم.