وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أسباب تنامي وصعود تنظيم الدولة في العراق

حكومة المالكي(Photo by KARIM SAHIB / AFP)

ي عام 2003، غزت الولايات المتحدة الأمريكية العراق رداً على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011. آنذاك، اعتبر تزايد التهديد العراقي باحتمالية حيازته أسلحة الدمار الشامل، إلى جانب المحاولات المزعومة لايجاد حلقة وصل بين الرئيس العراقي صدام حسين وإرهابيّ القاعدة، والتي تعدّ مزاعم أبعد ما تكون عن الحقيقة، الشرارة التي أباحت الغزو الأمريكي. في حين يعدّ قرار بول برايمر- حاكم سلطة الائتلاف المؤقتة، أحد أهم أسباب صعود أسهم “تنظيم الدولة” في الوقت الحالي، الذي اقتضى توزيع المناصب الحكومية وفقاً لقوة مختلف الطوائف. شكّل الشيعة السواد الأعظم بنسبة 60% وبالتالي حصلوا على نسبة 60% من الحكومة إلى جانب العديد من المناصب الهامة. وفي هذا السياق، استخدم الشيعة سلطتهم الجديدة لتهميش الأقلية السُنية التي هيمنت على العراق في عهد صدام حسين.

بدايات تنظيم القاعدة في العراق وأصول الدولة الإسلامية

تتلمذ زعيم “تنظيم الدولة” أبو بكر البغدادي، على يدّ الأردني أبو مصعب الزرقاوي، الإسم الحركي لأحمد فاضل نزال الخلايلة. سافر الزرقاوي إلى أفغانستان للإنضمام إلى صفوف المقاتلين في حربهم ضد غزو الاتحاد السوفياتي عام 1989، ولكن السوفيات كانوا قد غادروا بالفعل وقت وصوله. عاد بعدها إلى الأردن، حيث أعتقل ووجهت له تهمة التآمر لقلب نظام الحكم الملكي. تأثر في السجن بأفكار السفلي المتطرف، أبو محمد المقدسي. في صيف 2003، انتقل للعيش في المناطق السُنية في العراق، حيث أسس خلية جهادية في الفلوجة. أصبح الزرقاوي، الذي ذاع سيطه، زعيم تنظيم القاعدة في العراق، الذي أصبح فيما بعد “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق”. كان مسؤولاً عن عدة عمليات خطف وقطعٍ للرؤوس، وأعلن “حرباً شاملة” على الشيعة في العراق، مخالفاً بذلك رغبات زعيم القاعدة أسامة بن لادن. كان الزرقاوي مسؤولاً عن العديد من الهجمات الدموية على الشيعة وغيرها من الأهداف، إلى أنّ أعلنّ عن مقتله على يدّ القوات الأمريكية في 7 يونيو 2006. تمردت القبائل السُنية في العراق في أواخر العام ذاته، ضد تنظيم القاعدة في عقر داره، محافظة الأنبار، وبمساندة قوات الاحتلال الأمريكي، بدأت “مليشيات الصحوة” بتقويض ومحاربة نفوذ القاعدة في المنطقة. ومع ذلك، لم يُمنى متطرفوا القاعدة بالهزيمة، وتواصلت الهجمات ولكن على نطاقٍ أضيق. وفي عام 2010، تولى القائد الحالي “للدولة الإسلامية” أبو بكر البغدادي، زعامة تنظيم القاعدة في العراق، أو كما كان يُعرف آنذاك “الدولة الإسلامية في العراق”.

تهميش السنة

نصحت السلطات الأمريكية الحكومة العراقية، التي يُسيطر عليها الشيعة بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي، الاستمرار في دفع الأموال لآلآف أفرد “مليشيات الصحوة” بعد قمعهم تنظيم القاعدة، أو دمجهم في الجيش أو الشرطة، إلا أّنّ المالكي أعلن رفضه القاطع لذلك. لم يكن نظامه يُلقي أي بالٍ سوى لجمهوره من الغالبية الشيعية، حيث كانت أفضل الوظائف تُمنح للمواطنين الشيعة، في حين ارتفعت نسب العاطلين عن العمل بين السُنة. فضلاً عن ذلك، تعاظمت أحكام الإعدام بحق المواطنين السُنة، فيما اعتبرته المنظمات الدولية لحقوق الإنسان أحكاماً جماعية جائرة بمحاكمات غير عادلة، عقاباً على الهجمات الإرهابية التي عادت لتنتشر كالنار في الهشيم مجدداً. وصف السنة بأنهم إرهابيون وشعروا بالتهميش من قِبل الشيعة، وبدأ يُنظر إليهم بصفتهم مضطهدين. شكّل هذا التطور أهمية كبيرة بالنسبة لجماعات المتطرفين السُنية، مثل “الدولة الإسلامية في العراق”. ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز “يكمن جانب كبير من نجاح تنظيم داعش في السيطرة على المناطق السنية في التلاعب الماهر بالديناميات القبلية. فقد صور التنظيم نفسه مدافعاً عن أهل السنة الذين، ولسنوات طويلة، تعرضوا لسوء معاملة ممنهج من جانب الحكومة ذات الغالبية الشيعية. كما جاء التنظيم بالأموال والسلاح إلى زعماء العشائر وللمقاتلين، بل أعطاهم مساحة من الحكم الذاتي طالما ظلوا على ولائهم للتنظيم”.

ومن الجدير بالذكر أيضاً انسياق آلاف العراقيين إلى أرخبيل السجون الأمريكية أو العراقية بسبب جرائم حقيقية أو من محض الخيال، حيث لقي القبض على آلاف الأفراد الذين احتجزوا دون محاكمة، ومن بينهم أبو بكر البغدادي. ووفقاً لصحيفة بوسطن غلوب، تصفهم بعض المصادر في السجون “بالجامعات الجهادية”.

وفي تقريرٍ لصحيفة واشنطن بوست، يمثل معتقل بوكا على سبيل المثال، الذي كان يضم حتى رحيل الجيش الأمريكي عام 2011، مائة ألف معتقل، الفصل الأول في تاريخ الدولة الإسلامية: “العديد من قادة التنظيم، بمن فيهم أبو بكر البغدادي سجنوا هناك وربما أيضاً التقوا ببعضهم هناك. ووفقاً لمسؤولين سابقين في السجن ومحللين وجنود، استطاع معتقل بوكا توفير بيئة فريدة تتيح تواطؤ السجناء مع بعضهم البعض وتحولهم نحو التطرف، ويعدّ بوكا حجر الأساس لتطور أكثر القوى الجهادية الحالية قوةً”.

شجّع تمرّد السُنة، إذا صح التعبير، في سوريا ضد بشار الأسد، الرئيس العلوي (إحدى الطوائف الشيعية)، الذي انطلقت شرارته في عام 2011، السُنة في العراق على الإنتفاض. وفي ضوء ذلك، قرر البغدادي توسيع نفوذ “الدولة الإسلامية” لتشمل سوريا. وفي أبريل 2013، أعلن عن تشكيل “الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام” أو “داعش”، وبلاد الشام هي سوريا الكبرى أو بلاد المشرق، والتي تضم أيضاً الأردن ولبنان واسرائيل وفلسطين. وبالتالي سيّطر تنظيم “داعش” على مساحات شاسعة من شمال وشرق سوريا.

في يناير 2014، استفاد البغدادي و”داعش” من الغضب المتزايد لأهل السنة في العراق بسبب استمرار تهميشهم في ظل حكومة المالكي، مما أسفر عن بسط سيطرة التنظيم على كلٍ من الفلوجة والرمادي في محافظة الأنبار، في حين لم يتمتع الجيش العراقي بالقدرة على إقصائه. وفي يونيو 2014، تمكنت “داعش” من السيطرة على الموصل، إحدى المدن التي تقع شمال العراق وتضم حوال مليوني نسمة. شهدّ ذلك هروب أفراد الجيش العراقي، فضلاً عن ذبح أي فرد يقع في أيدي مسلحيّ “داعش”. وأصبحت صور الفيديو لعمليات قطع الرؤوس والإعدامات الجماعية، بروباغندا دعائية بإمتياز، استخدمها التنظيم كسلاح ذو حدين لتخويف الأعداء من جهة، ولتجنيد المزيد من الجهاديين من جميع أنحاء العالم من جهةٍ أخرى. تم تغيير اسم التنظيم من “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إلى “الدولة الإسلامية” ونصبّ البغدادي نفسه خليفةً للمسلمين حيث بات يُعرف اليوم بأمير المؤمنين إبراهيم الخليفة.

Advertisement
Fanack Water Palestine