استعرضت روسيا نفوذها المتزايد في الشرق الأوسط عندما قام الرئيس فلاديمير بوتين بزيارة إلى المملكة العربية السعودية في 14 أكتوبر 2019، وهي الأولى له منذ أكثر من عشر سنوات، قبل أن يتوجه إلى الإمارات العربية المتحدة. في الوقت نفسه، نشرت موسكو قواتها في شمال سوريا، لتملأ الفراغ الذي خلفته القوات الأمريكية بعد انسحابها.
تمتعت روسيا في السابق بعلاقاتٍ قوية مع إيران، حليفة الرئيس السوري بشار الأسد الذي يخوض حرباً أهلية ضد خصومه منذ عام 2011. فقد أرسلت روسيا قواتٍ إلى المنطقة في عام 2015، بينما دعمت المملكة العربية السعودية المتمردين السوريين.
ويتم حالياً تعزيز العلاقات الروسية مع المملكة الخليجية بتوقيع الدولتين على عددٍ من الاتفاقيات حول التعاون في مجال الطاقة، ليظهر تحالفٌ جديد.
فمع انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، مما أعطى الضوء الأخضر لهجومٍ تركي عبر الحدود وتخليها عن حلفائها الأكراد، انتقلت القوات المدعومة من روسيا إلى الأراضي الكردية. وفي هذا السياق، يقول المسؤولون إن دوافع روسيا تتمثل في الفصل بين قوات الحكومة التركية والسورية.
وعليه، سيتم إعادة نشر حوالي ألف جندي أمريكي تم سحبهم من سوريا في العراق والكويت وربما الأردن. ووفقاً لمسؤول أمريكي، يمكن تنفيذ عملياتٍ ضد تنظيم الدولة الإسلامية عبر الحدود من العراق.
وعلى الرغم من تداعياته المتوقعة، أدانت واشنطن التوغل التركي، وسمح الفراغ الأمني الذي خلفه انسحاب القوات الأمريكية لقوات الحكومة السورية بملء الفراغ والاستيلاء على عدد من البلدات التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
فقد تعاونت قوات سوريا الديمقراطية مع الولايات المتحدة في مواقع مثل تل تمر، حيث يوجد مجتمع مسيحي آشوري كبير، وفي الطبقة، التي تضم سداً كبيراً لإنتاج الطاقة الكهرومائية على نهر الفرات، وعين عيسى، حيث كانت القوات الأمريكية تتمركز مؤخراً.
وقعت المعارك في عددٍ من البلدات الحدودية السورية، وكانت كل من القوات الحكومية التركية والسورية في طريقها إلى منبج حيث تتواجد القوات الأمريكية في المواقع الأمامية منذ عام 2017.
وافقت تركيا، التي زعمت أن هجومها يهدف إلى تأمين حدودها وإنشاء “منطقة آمنة” داخل سوريا- على الرغم من أن البعض يرى فيه محاولةً لتدمير الحكم الذاتي الكردي في المنطقة- على وقف إطلاقٍ للنار لمدة 120 ساعة لتتمكن قوات سوريا الديمقراطية من الإنسحاب من المنطقة الآمنة مقابل رفع الولايات المتحدة العقوبات التي فرضتها على أنقرة.
وبالفعل، قتل 154 من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، إلى جانب 128 مقاتلاً من الفصائل السورية التي تدعمها تركيا. وفي الوقت نفسه، تم تهجير الآلاف من المدنيين.
في تحولٍ آخر غير متوقع في التحالفات، أبرمت سوريا صفقة مع القوات الكردية للسيطرة على الحدود الشمالية حيث لا يزال الأكراد عرضةً للخطر وغير قادرين على تجنب الهجوم التركي.
وفي حين تم نشر القوات المدعومة من روسيا للفصل بين القوات السورية والتركية، التقى بوتين مع العاهل السعودي الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي، بحسب بوتين، تجمعه به علاقاتٍ ودية. وادعى الحكام أن العلاقات الثنائية مهمة للأمن والاستقرار الإقليميين واتفقا على أن التعاون في مجال الطاقة سيحقق ذلك.
فسوق النفط الروسي ينافس على نحوٍ تقليدي منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، إلا أن تحالفها مع الدولة النفطية الخليجية شكل أوبك+، التي تعهدت بدعم أسعار النفط الخام من خلال تقييد الإنتاج.
بالإضافة إلى ذلك، تطوع بوتين بتقديم أنظمة الدفاع الروسية إلى المملكة العربية السعودية في أعقاب الهجوم على منشأة نفطية كبيرة هناك في سبتمبر وتعهد بدورٍ في التوسط مع إيران. ومن المحتمل أن يثير هذا غضب واشنطن، التي رتبت نقل 3 آلاف من قواتها للمساعدة في الأمن، بالإضافة إلى منح المملكة أنظمة دفاع جوي إضافية.
ومع ذلك، وفقاً لما ذكره عادل الجبير، المسؤول البارز بوزارة الخارجية السعودية، لا يوجد تناقض في وجود علاقات وثيقة مع روسيا ولن يكون لها “أي تأثير سلبي على علاقتنا مع الولايات المتحدة.”
وبالإضافة إلى أكثر من عشرة مذكرات تفاهم موقعة بين الدولتين، قد يكون هناك المزيد من التعاون في مجال الغاز الطبيعي. فقد أعلن صندوق الاستثمار الروسي المباشر عن صفقة لشراء 30% من شركة النفط السعودية أرامكو، مع استحواذ السعوديون على حصة 30% في نوفوميت، المورد الروسي لمعدات النفط، و600 مليون دولار للاستثمار في شركة لتأجير الطائرات الروسية.
فقد تم بالفعل إحراز بعض التقدم بالنسبة لروسيا للوصول إلى الأسواق السعودية وأسواق الشرق الأوسط بعد أن وافقت المملكة في أغسطس على تخفيف قوانين واردات القمح. كما زار بوتين الإمارات العربية المتحدة لإبرام صفقاتٍ تتجاوز قيمتها الـ1.3 مليار دولار والتي تغطي مجالات الطاقة والتكنولوجيا المتقدمة والصحة.
ومن غير الواضح ما إذا كانت واشنطن قلقة بشأن هذه التحالفات الروسية الخليجية الجديدة، ولكن رداً على تحرك روسيا لتعزيز موقعها كوسيط سلطة في سوريا، قالت كيلي كرافت، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، إن واشنطن “تشعر بقلق عميق.”
بينما قال مبعوث موسكو إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، “لا أحد مهتم” بالقتال بين قوات الحكومة السورية والقوات التركية وأن روسيا “لن تسمح بذلك.”
إن توغل روسيا المتزايد لا يرى فحسب في إطار تحالفها مع الأسد والإيرانيين على أحد جوانب الفجوة الجيوسياسية، بل أيضاً مع المملكة العربية السعودية من ناحيةٍ أخرى. فتاريخ إيران والمملكة العربية السعودية يزخر بالتوترات، فضلاً عن مشاركتهما في عددٍ من الحروب بالوكالة في الآونة الأخيرة. فقد وصلت التوترات إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بعد أن ألقت المملكة العربية السعودية باللوم على إيران بتورطها في الهجوم بالطائرة المسيّرة والهجوم الصاروخي على منشآتها النفطية في سبتمبر الماضي.
وبحسب ما قاله هادي عمر، الدبلوماسي السابق في إدارة أوباما والزميل الزائر في السياسة الخارجية في معهد بروكينجز: “ترى روسيا أن هناك مصلحة استراتيجية في المشاركة بعمق في [مناطق الخطر] في الشرق الأوسط.” وأضاف “نحن أكثر من سعداء بالتدخل وهذا النفوذ لأنه أمر مفيد، ليس فقط على المدى القريب ولكن على المدى الطويل أيضاً.”
فيما يتعلق بما إذا كان بإمكان روسيا أن تلعب دور الوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران، قال عمر: “لطالما كان هناك نوع من الهيمنة التي [حاولت منع] اندلاع صراع في الخليج… منذ الحرب العالمية الثانية، كان هؤلاء هم الأمريكيون.”
وأضاف: “المنطقة بحاجة بائسة لقوة عالمية كبرى للحفاظ على السلام بطريقةٍ ما. ربما تكون روسيا هي المرشحة. ولماذا لا يكون من المفيد لروسيا أن تكون كل من إيران والسعودية مدينة لها بالفضل إلى حد ما؟”.
بالنسبة لروسيا، قد يكون مد يدها عوناً للمنطقة مفيداً بالفعل؛ وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، يبدو القرار أكثر براغماتية ذلك أن الولايات المتحدة وأوروبا حلفاؤها السابقين في مجال التعاون الاقتصادي. ومع ذلك، يمتلك السعوديون عدة أسبابٍ لعدم الثقة في الغرب والسعي للحصول على الدعم في أي مكانٍ آخر.
ففي عام 2011، أدارت الدول الغربية ظهرها للرئيس المصري حسني مبارك، الحليف منذ زمنٍ طويل في مصر، وفي عام 2015، وقعت على الاتفاق النووي الإيراني، ناهيك عن الإدانة الواسعة للسياسات السعودية وسط المزاعم المحيطة بمقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018 والحرب المستمرة في اليمن.
وعلى حد تعبير عمر، وبحسب تصرفات الإدارة الحالية، فقد “أثبت الرئيس ترمب أن الولايات المتحدة تحت إدارته ليست حليفاً.”
إذ قال، “لقد تراجعنا عن الصفقة النووية مع إيران، وانسحبنا من اتفاقية باريس للمناخ في غمضة عين و[أعلنا الانسحاب من شمال سوريا]. ماذا يفعل الناس عندما تدرك [الجهات الفاعلة المحلية] أن شركائهم غير جديرين بالثقة تماماً؟ يبحثون عن شركاء آخرين.”
مع إعادة تنظيم التحالفات التقليدية في الشرق الأوسط، قد يكون هناك نفوذٌ متزايد من قِبل موسكو، بيد أن هذا لا يمنع الجهات الفاعلة الأخرى من متابعة المصالح التجارية، وقد يُشاهد مندوبون صينيون قريباً في الرياض أيضاً. في الوقت الحالي، لا تزال الولايات المتحدة جزءاً من الدائرة الداخلية للمملكة العربية السعودية