وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

علاقات استراتيجية تبسط النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط

specials-international-affairs-russian-role-in-the-middle-east-putin-visits-egypt-fanack-hh-1024px
الرئيس فلادمير بوتين يقوم بزيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وذلك بعد الإتفاق الذي تم التوصل اليه لبناء محطة للطاقة النووية في منطقة الضبعة، في القاهرة- مصر، 10 فبراير 2015. Photo Pan_Chaoyue Xinhua / eyevine

قطع الاتحاد الروسي، الوريث السياسي (وليس الأيديولوجي) للاتحاد السوفيتي، شوطاً طويلاً منذ الأيام المتزعزعة للرئيس الراحل بوريس يلتسين في تسعينيات القرن الماضي. ومنذ إعادة انتخاب فلاديمير بوتين رئيساً في عام 2012، وهذه المرة لمدة ست سنوات، تمكنت روسيا من استعادة بعضٍ من قوتها السابقة وإعادة التأكيد على مركزها في الساحة العالمية.

وفي الشرق الأوسط، حيث خسرت روسيا الكثير من نفوذها، توضح كلٌ من سوريا وتركيا ومصر هذه النقطة. ففي عام 2011، تم الترحيب بدعوة الولايات المتحدة لحسني مبارك التنحيّ عن عرش مصر، فيما عُرف فيما بعد بالربيع العربي، من قِبل الكثيرين باعتبارها علامةً على الدعم الأمريكي للحرية والديمقراطية. ومع ذلك، بعد خروج عشرات الملايين من المصريين في مظاهراتٍ عمّت البلاد بأسرها ضد حكومة الإخوان المسلمين الجديدة بقيادة محمد مرسي عام 2012، ومماطلة الولايات المتحدة وترددها بالاعتراف بالحكومة الجديدة بعد الانقلاب العسكري بقيادة اللواء عبد الفتاح السيسي عام 2013، بدأت الفجوة المتسعة بين واشنطن والقاهرة بالظهور.

استغلت سياسة موسكو الواقعية علاقة واشنطن الجدلية مع إدارة السيسي، على أكمل وجه. ومن خلال سلسلة من الزيارات على أعلى المستويات بين روسيا ومصر، عُزز بشكلٍ كبير التعاون الاقتصادي والعسكري والسياسي بين البلدين. وفي عام 2014، بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 5,5 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 86% مقارنةً بعام 2013. وفي نفس العام، زودت روسيا مصر بأربعة ملايين طن من الحبوب، و30% من احتياجات البلاد السنوية من الحبوب.

ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام، وقعت روسيا اتفاقيةً لبيع مصر 12 طائرة من طراز سوخوي سوبرجت 100، و46 مقاتلة من طراز ميخ- 29 متعددة المهام، و46 طائرة مروحية هجومية من طراز كاموف كا -50. وبالإضافة إلى ذلك، في نوفمبر 2015، وافق الرئيس السيسي على إنشاء أول محطة نووية في بلاده، والتي ستقوم روسيا ببناءها وتمويلها بقرضٍ قيمته 25 مليار دولار من موسكو. وتُشير الزيارات الرسمية الثلاث التي قام بها السيسي إلى روسيا منذ انتخابه عام 2014، إلى الأهمية التي توليها مصر لعلاقاتها مع روسيا.

أما تركيا، العضو المسلم الوحيد في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تسعى أيضاً إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا. فقد عادت العلاقات بين أنقرة وموسكو، التي أصابها البرود بعد إسقاط تركيا مقاتلةً روسية في نوفمبر2015، إلى الانتعاش مجدداً بعد محاولة الانقلاب الفاشل للإطلاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه، حزب العدالة والتنمية، من السُلطة في يونيو 2016. ووسط تقارير يشوبها الغموض، اكتسبت شائعات تحذير المخابرات الروسية لأردوغان حول المؤامرة التي تحاك ضده زخماً، ويرجع ذلك جزئياً إلى زيارة الزعيم التركي الخاطفة للكرملين في أعقاب الانقلاب العسكري الفاشل.

تعكس مغازلة أنقرة لموسكو، إلى حدٍ ما، درجة الانزعاج التركي من رفض الولايات المتحدة حتى الآن، تسليم فتح الله غولن، رجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يُلام على محاولة الإنقلاب، إلى السُلطات التركية؛ إذ ينفي غولن هذه الاتهامات جملةً وتفصيلاً. ومع ذلك، لم تكن هذه المرة الأولى التي تُعيد فيها أنقرة دفء علاقاتها مع موسكو، ففي أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي، اتسمت علاقات تركيا بالاتحاد السوفياتي بالتقارب الشديد إلى الحد الذي سهلّت فيه غزوها لقبرص عام 1974. وبالرغم من ذلك، وبالنظر إلى استمرار مشكلتها مع الأكراد، ناهيك عن تضارب أهدافها مع روسيا وإيران في سوريا فيما يتعلق بمعارضة نظام الأسد، فضلاً عن الاعتماد العسكري على التكنولوجيا الأمريكية، ستحافظ أنقرة على التزامها مع حلف شمال الأطلسي ولن تغامر في أرضٍ مجهولة في المستقبل المنظور.

فقد كشفت الأزمة السورية، أكثر من أي وقتٍ مضى، الحالة الراهنة للاضطراب
الدولي. في واقع الأمر، هذه المأساة وقراراتها، أياً كانت نتائجها، قد تساعد في تشكيل وتوضيح الأدوار والقواعد الناشئة في سياسة غرب آسيا وما وراء ذلك. ولكن، هناك أمرٌ واحدٌ مؤكد: عادت روسيا مجدداً إلى اللعبة كلاعبٍ أساسي. وعلى الرغم من أن روسيا كانت تعتبر دائماً في منطقة النفوذ السوفييتي (الروسي اليوم)، إلا أن نشر روسيا لمنظومة صواريخ أرض – جو متطورة من طراز إس – 400، وهي أكثر منظومة متطورة مضادة للطائرات يمكن امتلاكها، في قاعدة حميميم قرب مدينة اللاذقية، أدخل بشكلٍ فعّال عاملاً جديداً ضمن دائرة الاستراتيجيات العسكرية للقوى المتنافسة في سوريا وشرقي البحر الأبيض المتوسط.

كما أن الوجود العسكري الروسي المتزايد في غرب سوريا منذ عام 2015، قد يحدّ أيضاً من حرية تنقل الأشخاص والبضائع والأسلحة عبر الحدود إلى حزب الله في لبنان؛ الأمر الذي لن يسّر الحكومة الإيرانية إلا أنه كان موضع ترحيبٍ من قِبل الإسرائيليين. واليوم، تمتلك كل من طهران وتل أبيب سبباً وجيهاً لضمان الحصول على رضى موسكو.

فقد أعلن في أغسطس 2016، وللمرة الأولى على الإطلاق، استخدام روسيا لقاعدة جوية إيرانية، قاعدة نوجي بالقرب من مدينة همدان غربي إيران، لقصفها أهدافاً في سوريا. فقد

استخدمت طائرات توبوليف تي يو -22 إم بعيدة المدى، ومقاتلات سوخوي 34، القاعدة العسكرية الإيرانية لزيادة كفاءة غاراتها الجوية على البلاد التي مزقتها الحرب. يمكن أن تكون الآثار المترتبة على هذه الخطوة ذات دلالة كبيرة، حيث يُقال أن بعض تلك الرحلات تتطلب مراقبة الكترونية تحضيرية للمناطق المحيطة بها، على بُعد عشرات الكيلومترات خارج نقاط إقلاعها ومواقع هبوطها. ويمكن أن يُترجم هذا إلى رخصةٍ للاستخبارات الإلكترونية في منطقة استراتيجية للغاية. ويمكن أن يُفهم مثل هذا التنازل من قِبل المؤسسة الإيرانية لصالح روسيا على نحوٍ أفضل في ضوء اعتماد إيران على الجيش الروسي في سهولة الوصول إلى حزب الله غرب سوريا. ومع ذلك، فإن كلاً من إيران وروسيا قد أعلنتا اليوم تعليق استخدام القاعدة الجوية الايرانية من قبل سلاح الجو الروسي في الوقت الراهن.

وعموماً، قد يشعر الرئيس الروسي بوتين بالرضى عن الابتسامة التي تعلو وجهه عند الحديث عن انجازات سياسته الخارجية في غرب آسيا. فقد باتت مصر اليوم أقرب إلى روسيا، فضلاً عن استعدادها تعزيز علاقاتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية مع موسكو أكثر فأكثر. في حين يبدو أن تركيا، عضو حلف شمال الأطلسي، تشعر بإمكانية الاستفادة من تحسّن علاقاتها مع الكرملين. أما بالنسبة لسوريا، أياً كان شكل ونوع الحل الذي يمكن اتخاذه لحل الصراع، منحت روسيا وجوداً عسكرياً مباشراً، وموطىء قدمٍ ثابت، في منطقة شرق البحر المتوسط.

Advertisement
Fanack Water Palestine