أعلن الإتحاد الأوروبي، في 20 يونيو 2019، عن بدء آلية “إينستكس،” وهي آلية مالية لمساعدة الكيانات على التعامل التجاري مع إيران بالرغم من العقوبات الأمريكية. تهدف هذه الخطوة، التي حثت على اتخاذها كل من المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، إلى تحفيز إيران على الإلتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة الموقعة عام 2015، والمعروفة باسم الإتفاق النووي.
فقد أوضح وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، لإذاعة صوت ألمانيا (دويتشه فيله)، أن إمكانية إجراء تعاملاتٍ تجارية مع إيران كان شرطاً مُسبقاً لشركاء خطة العمل الشاملة المشتركة لـ”الوفاء بالالتزامات التي تعهدنا بها من أجل مطالبة إيران بعدم بدء تخصيب اليورانيوم عسكرياً.”
ومنذ ذلك الحين، أعربت روسيا عن اهتمامها بالتنسيق مع الكتلة حول آلية إينستكس رغم تدهور العلاقات بين بروكسل وموسكو.
إذاً، ما هي إينستكس؟ إينستكس (INSTEX)- هي اختصار لـ(Instrument in Support of Trade Exchanges) أي أداة دعم الأنشطة التجارية- وهي في جورها خط إعتماد بملايين اليورو سيسمح للشركات بالتعامل التجاري مع إيران. ومع ذلك، هناك عدة مستويات لهذا الأمر.
أولاً، ستكون إينستكس بمثابة “درعٍ دبلوماسي” لتبادل السلع ذلك أن النظام معتمدٌ من قبل حكومات الاتحاد الأوروبي: الحكومات الراعية الثلاث هم لاعبون أساسيون ومسؤولون رفيعو المستوى – وكيل وزارة الخارجية البريطانية الدائم للشؤون الخارجية سايمون ماكدونالد، ورئيس الدائرة الاقتصادية في وزارة الخارجية الألمانية ميغيل بيرغر، والأمين العام لوزارة الخارجية الفرنسية والشؤون الخارجية موريس غوردو مونتاني – هم أعضاء مجلس الإدارة، مما يجعل من الصعب دبلوماسياً، من الناحية النظرية، على الولايات المتحدة الضغط على الشركات من هذه البلدان لأن النظام مدعوم من قبل حكوماتهم.
بالإضافة إلى ذلك، ستعمل الآلية برئاسة المصرفي الألماني بير فيشر المدير السابق لكومرتس بنك، بينما سترأس المملكة المتحدة المجلس الإشرافي.
ثانياً، لن تحدث التحويلات مباشرة بين الشركات الأوروبية والإيرانية. تقوم إينستكس بتنسيق المدفوعات بحيث يتم دفع اليورو المقصود به شراء سلع من إيران إلى شركة أخرى التي من المقرر أن تستلمها مقابل البضائع التي تبيعها إلى إيران. تفعل الشركات الإيرانية ذاته بعملتها من خلال معهد التجارة والتمويل الخاص (STFI)، الذي يكرر نظام إينستكس، وبالتالي لا يحتاج الريال الإيراني إلى دخول الاتحاد الأوروبي ولا يحتاج اليورو إلى العبور إلى إيران. يتم استخدام دفتر حسابات افتراضي لإدارة الأرصدة.
توجد حماية إضافية، ألا وهي أن إينستكس ستركز مبدئياً فحسب على السلع الإنسانية مثل المنتجات الصيدلانية والأجهزة الطبية والمواد الغذائية التي تقع خارج نطاق العقوبات.
فقد كان الإتفاق النووي غير مستقرٍ منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب العام الماضي من الإتفاق، وأعاد فرض عقوباتٍ على قطاع تصدير النفط الإيراني وهدد الشركات بعقوباتٍ صارمة في حال تعاملت مع الجمهورية الإسلامية.
وبينما قالت أوروبا والوكالة الدولية للطاقة الذرية إن الإتفاق يقلل فعلياً من قدرات إيران النووية، إلا أن الولايات المتحدة عارضت ذلك. في الواقع، في الأول من يوليو، تجاوزت طهران الحد البالغ 300 كيلوجرام من مخزونها من اليورانيوم المخصب كما هو منصوص عليه في الاتفاق. جادلت إيران بأنها لم تخرق الإتفاق، حيث يحق لها اتخاذ خطواتٍ رداً على تراجع الولايات المتحدة.
وعليه، سعى الزعماء الأوروبيون إلى إيجاد سبلٌ للحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة دون تدخل الولايات المتحدة على الرغم من هدف الإتفاق المتمثل في تقليل العقوبات على البلاد. ظهرت الفكرة وراء إينستكس لأول مرة في يناير 2019، عندما تم توجيه أصابع الإتهام لنظام سويفت للمدفوعات الدولية، ومقره بروكسل، باعتباره وسيلةً محتملة للإلتفاف على العقوبات في التجارة الدولية بين الدول الأخرى وإيران. كان من الممكن أن يكون لإجراءات الولايات المتحدة ضد نظام سويفت آثارٌ على المدفوعات العالمية، مما دفع سويفت إلى الامتثال للعقوبات وتعليق التعامل مع بعض البنوك الإيرانية. وبسبب عدم وجود أداة لتسهيل المدفوعات إلى إيران، ولدت فكرة إينستكس.
وعلى الرغم من وجود عددٍ قليل نسبياً من البضائع في الوقت الحالي ضمن نظام إينستكس، إلا أن فيديريكا موغريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، كانت قد أوضحت أن نطاق وعضوية الآلية يمكن أن تتوسع في المستقبل ويمكن أن تشمل روسيا. وفي الوقت الحالي، هناك عشر دولٍ من دول الاتحاد الأوروبي من بين الأعضاء ويمتد خط الاعتماد ليشمل عدة ملايين يورو فقط، في حين بلغت قيمة التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران 20 مليار يورو سنوياً. لذلك، هناك بعض الشكوك في أن الآلية ستكون حلاً مناسباً للمشقة التي تُكبدها العقوبات.
علاوةً على ذلك، قد تظهر مشاكل أخرى في حال كان هناك اختلالاتٌ في حسابات إينستكس ما بين الواردات والصادرات، إذ أن هذا قد يعني أنه ينبغي على الشركات انتظار المدفوعات.
بيد أن الحقيقة الواضحة هي أن قطاع النفط هو المتضرر الأكبر في عالم التجارة الإيرانية، وتحتاج إيران إلى عائدات مبيعات النفط لاستخدام هذه الآلية. فيما يتعلق بهذه النقطة بالذات قد يكون انخراط كلٍ من روسيا وربما الصين أمراُ مثيراً للاهتمام لأنهما ترغبان في الحصول على نفط إيران.
ومع ذلك، بالنسبة للشركات التي تستخدم في تعاملاتها التجارية نظام إينستكس، يصر دبلوماسيون أوروبيون على أن المخاطر أقل. ورداً على ذلك، قالت الولايات المتحدة إنها تتابع “عن كثب” التقارير المتعلقة بآلية التداول ولن تستبعد إمكانية وجود “عواقب وخيمة” على الأنشطة التي تتحايل على العقوبات الأمريكية، بما في ذلك عدم القدرة على الوصول إلى النظام المالي الأمريكي والقدرة على إجراء تعاملاتٍ تجارية مع الولايات المتحدة أو الشركات الأمريكية.
ومع ذلك، أوضحت واشنطن أنها لا تعتقد أنه سيكون هناك طلبٌ كبير على الآلية. وقال براين هوك، الممثل الخاص للولايات المتحدة لإيران: “إذا ما تم منح أي شركة خيار ممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة أو في إيران، ستختار الولايات المتحدة في كل مرة.”
يجادل محللون آخرون بأن الآلية قد تجبر الولايات المتحدة على إعادة تقييم موقفها من خطة العمل الشاملة المشتركة، بالنظر إلى أن أكبر ثلاث اقتصادات في أوروبا تشارك في هذا المخطط.
وبحسب ما قاله نايسان رافاتي، المحلل الإيراني في مجموعة الأزمات الدولية، لفَنَك، “لن تكون حلاً سحرياً للمشاكل الاقتصادية في إيران، لكن السؤال المطروح هو ما إذا من الممكن إدماجها في قناةٍ مهمة بدرجة كافية، مالياً ودبلوماسياً، للحفاظ على الإتفاق من نشوب نزاعٍ أكبر.”
باعتبارها خطوة تم المضي بها قدماً بالرغم من العقوبات، فإن زيادة انضمام الأعضاء من خارج الإتحاد الأوروبي قد يزيد من عزلة الولايات المتحدة ويشكك في نفوذها العالمي.
ومع ذلك، لاحظ المجلس الأطلسي أن إينستكس، على الرغم من كونها برئاسة دبلوماسيين رفيعي المستوى، لا يبدو أنها تضم خبراء ماليين ذوي صلة، مما يثير تساؤلاتٍ حول ما إذا كانت الآلية حلاً سياسياً عوضاً عن كونها حلاً اقتصادياً، الأمر الذي قد تفهمه إيران بأن الاتحاد الأوروبي لا يأخذ التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة على محمل الجد.
في الوقت نفسه، ينتمي جميع أعضاء معهد التجارة والتمويل الخاص المعينين إلى القطاع المصرفي الإيراني، بيد أن لا أحد منهم من كبار المسؤولين كحال نظرائهم الأوروبيين. وقد يشير ذلك أيضاً إلى افتقار إيران بالثقة في الآلية كحلٍ اقتصادي شرعي.
وعلى صعيدٍ متصل، استولى فيلق الحرس الثوري الإيراني على الناقلة البريطانية ستينا إمبيرو وأفراد طاقمها البالغ عددهم 23 شخصاً في الخليج في 19 يوليو، وذلك رداً على استفزاز المملكة المتحدة باحتجازها ناقلة نفطٍ إيرانية قبالة جبل طارق لمنعها من نقل النفط إلى سوريا، التي تشير بعض التقارير إلى خضوعها لضغوطٍ من الولايات المتحدة. حافظ الاتحاد الأوروبي على صمته إلى حدٍ ما بشأن هذه القضية، كما أن بريطانيا تخوض صراعاً آخر لخروجها من الاتحاد الأوروبي دون اتفاقٍ في ظل رئيس الوزراء البريطاني المعيّن حديثاً بوريس جونسون. في حين تظل هذه القضايا في منأى عن إينستكس، إلا أن تطبيق الآلية وعضويتها ونطاقها وبقائها يمكن أن يكون حقل ألغامٍ دبلوماسي في البيئة الجغرافية السياسية الحالية.