فشلت جامعة الدول العربية في تحقيق غايتها منذ تأسيسها في عام 1945. وفي ذلك الوقت وقعت سبع دولٍ على ميثاقٍ في القاهرة، أعلن أن مهمته وضع حدٍ للأزمات الإقليمية، وتنسيق الأهداف السياسية وتعزيز النمو الاقتصادي.
فقد كانت جامعة الدول العربية موحدةً في معارضتها للمشروع الصهيوني في فلسطين. وفي حين لا يزال هذا موقفها الرسمي اليوم، إلا أن الدول الأعضاء لم تتفق قط، تقريباً، حول كيفية معالجة هذا الصراع أو غيره في المنطقة.
وعلى الرغم من ذلك، انضمت 22 دولة ناطقة باللغة العربية إلى الجامعة العربية منذ إنشائها، بما فيها فلسطين، التي تعترف بها المنظمة باعتبارها دولة. ولكن، بدلاً من أن تتنازل كلٌ منها عن جزءٍ من سيادتها لحقيق غرضٍ جماعي، بات التحالف لا يختلف كثيراً عن كونه مجرد نادي أخوية للديكتاتوريين.
تجلت أحد أبرز نقاط القصور خلال الغزو العراقي للكويت عام 1990. فقد أراد صدام حسين، الرئيس العراقي آنذاك، معاقبة الكويت لزيادة إنتاجها للنفط، الأمر الذي أدى إلى تدهور أسعار النفط في السوق وبات من الصعب على العراق بيع نفطه بسعر يناسب احتياجاته الاقتصادية.
كما رفضت الكويت أيضاً شطب ديون الحرب العراقية، ذلك أنه في الثمانينات، مولت الكويت جيش صدام في صراعه الذي استمر ما يقرب من عقدٍ من الزمان مع إيران. وفي هذا السياق، حاولت الجامعة العربية، إلا أنها فشلت، في التوصل إلى اتفاقٍ من شأنه معالجة المخاوف العراقية. وعندما دخلت قوات صدام الأراضي الكويتية في 2 أغسطس 1990، أعاقت الانقسامات الداخلية الجامعة من اتخاذ إجراءاتٍ حاسمة.
وبالتالي لجأت المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لحماية المملكة من غزوٍ عراقي محتمل. وعليه، شنت الولايات المتحدة، بموافقةٍ سعودية، حملة قصفٍ ضد القوات العراقية.
فالعالم العربي لا يزال تحت رحمة القوى الإقليمية والعالمية، مما يدفع بالعديد من المراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت جامعة الدول العربية قد حققت أي غرضٍ في الأساس.
ويبدو أن هشام يوسف، الذي شغل منصب مدير مكتب الأمين العام للجامعة العربية لمدة ثماني سنوات، ثم مستشاراً للأمين العام لمدة ثلاث سنوات أخرى حتى عام 2013، يعتقد ذلك. فقد قال إن الجامعة العربية تواجه نفس المشكلة الاساسية تماماً كحال غيرها من الكتل مثل الاتحاد الاوروبي والاتحاد الافريقي.
وقال لفَنَك عبر الهاتف “إن أي مؤسسة من هذا النوع تعكس الإرادة السياسية للدول الأعضاء.” وأضاف “لذلك، لطالما كان السؤال المطروح هو ما مدى استعداد الدول الأعضاء للعمل معاً وحل [الأزمات] التي تعصف بهذه البلدان”.
الإجابة باختصار هي أن القادة العرب غير متحمسين للعمل يداً بيد. فقد كان الربيع العربي، على سبيل المثال، نقطة خلافٍ رئيسية. وبحسب يوسف، دعمت تونس الانتفاضات الشعبية التي افتتحت عصر الديمقراطية على أرضها، في حين فضلت السعودية وحلفاؤها الوضع الراهن. وأضاف أن العديد من القادة لم يملكوا سيطرةً على بلدانهم عندما اجتاحت الثورات العالم العربي ذلك أن العديد من الحكومات استحوذت عليها شعوبها. وقال “[ في ذلك الوقت] لم يكن هناك توافق واضح في الآراء [من جامعة الدول العربية] فيما يتعلق بموقفنا من الاضطرابات.”
كما منعت التحالفات المتقلبة الجامعة من التوصل إلى توافقٍ في الآراء فيما يخص جميع القضايا المطروحة تقريباً. ومع ذلك، قال معين رباني، المحلل الإقليمي والمحرر المشارك في المجلة الإلكترونية جدليّة، وهي منصة إلكترونية تغطي قضايا الشرق الأوسط، لفَنَك، أن المشكلة الأكبر تكمن في أن الجامعة العربية تُجبر غالباً على تبني السياسة الخارجية للدول الأعضاء الأقوى. ففي عام 2018، مثلاً، المملكة العربية السعودية هي المسيطرة. هذا يُفسر سبب تعليق عضوية سوريا من الجامعة لترويعها شعبها، حتى وإن لم يتم اتخاذ أي إجراءٍ رمزي فيما يتعلق بالصراع في اليمن الذي يقصفه السعوديون بشكلٍ عشوائي.
ويقول رباني “لا تستطيع جامعة الدول العربية التصرف بما يعكس إرادتها الجماعية. وبدلاً من ذلك، تعكس قراراتها السياسات الخارجية الفردية لأقوى دولها الأعضاء.” وتابع “تشبه جامعة الدول العربية مجلس الأمن الدولي إلا أن دولةً واحدة فقط تتمتع بسلطة حق النقض (الفيتو).”
لربما كان هذا بالفعل واقع الحال، إلا أنه يمكن القول أن المبادىء التأسيسية للجامعة تتحمل بشكلٍ أكبر مسؤولية زوالها. فعلى الرغم من أنها تعمد إلى احترام سيادة أعضائها، إلا أنها تدعي أيضاً تمثيلها للصياغة المطلقة للقومية العربية. بيد أن الركزية الأولى منعت الدول العربية من التعاضد معاً لوضع حدٍ للمذابح والحروب الأهلية التي تفرضها الدول في المنطقة.
في الواقع، فشلت الجامعة العربية في العمل معاً عند كل منعطفٍ حرج تقريباً في تاريخها. وحتى بعد فترة وجيزة من تأسيسها، لم تتمكن الدول الأعضاء من حشد هجومٍ عسكري منسق ضد إسرائيل، التي أعلنت قيام دولتها في عام 1948 بعد طرد الفلسطينيين من ديارهم.
وقال خيرالله خيرالله، وهو كاتب رأي عربي مخضرم من لبنان، لصحيفة الإيكونوميست، “الجامعة العربية عفا عليها الزمن.” وأضاف “تم تأسيسها للرد على أحداث الأربعينيات، وها نحن اليوم في القرن الواحد والعشرين. فكرة القومية العربية ماتت.”
إنه محق في ذلك. بل يُقال أيضاً أن اسرائيل، العدو الرسمي لجامعة الدول العربية، تتعامل مع دول الخليج خلف الكواليس. بل أكثر من ذلك، فقد حظيت حملة مقاطعة إسرائيل لاحتلالها الأراضي الفلسطينية بدعمٍ أكبر في أوروبا مما هو الحال عليه في العالم العربي. وبطبيعة الحال، يُعامل الفلسطينيون إما باعتبارهم عبئاً أو تهديداً أمنياً في معظم الدول العربية التي تستضيفهم. كما لم تنجح جامعة الدول العربية في إقامة منطقةٍ اقتصادية مشتركة، حيث تتم أقل من 10% من تجارة العالم العربي بين الدول العربية.
وبالنظر إلى جميع أوجه القصور هذه، يرى رباني أن الوقت قد حان لتخضع الجامعة لتغييرٍ جذري. ويذكر كمثالٍ بارز افريقيا، التي كانت دولها يوماً ما جزءاً من منظمة الوحدة الافريقية. وكحال جامعة الدول العربية، فشلت منظمة الوحدة الافريقية في إنهاء الصراعات التي طال أمدها أو حتى حل الأزمات السياسية. تغير هذا برمته عندما حلت الدول الإفريقية منظمة الوحدة الافريقية وأنشأت عوضاً عنه في عام 2002 الاتحاد الإفريقي.
وبالرغم من أوجه القصور التي يعانيها الاتحاد الإفريقي، إلا أنه كان أكثر استباقية في التدخل في الأزمات وتخفيفها في المنطقة، كما ذكر مايكل برونينغ في فورين بوليسي. وبينما لا يزال الأمن في القارة هشاً، إلا أن الإتحاد الإفريقي طبق على الأقل العمل الجماعي قدر المستطاع. وعلاوة على ذلك، يبدو أن الاتحاد الإفريقي يتمتع ببصيرة أخلاقية أوضح من جامعة الدول العربية، ففي عام 2013، علق الاتحاد الإفريقي عضوية مصر، في حين حاولت جامعة الدول العربية إقناع العالم بدعم النظام العسكري لعبد الفتاح السيسي.
كما أشار رباني أيضاً إلى أن إفريقيا، بكل ما تحمله من تنوعٍ اقتصادي وسياسي وعرقي، واجهت مهمةً أصعب بكثير، مما تواجهه الجامعة العربية اليوم، بإجراء تغييرٍ جذري من تلقاء نفسها. ومع ذلك، إذا ما كانت الجامعة ستخضع لتغييرٍ نحو الأفضل، فلن يتم هذا سوى في ظل شرطين. فقد قال إن على الجامعة العربية أن تعمل بشكلٍ جماعي لتجاوز نفوذ أعضائها المهيمنين فضلاً عن مقاومة الضغوط الخارجية.