By: Ali Bilgic
نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على المفاوضات التي قد تقوم بين إيران وإدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن. ويقوم صاحب المقالة علي بلجيك، وهو خبيرٌ مختص في الأمن والعلاقات الدولية لدى جامعة لوفبرا، بمناقشة توقعات المفاوضات المقبلة بين الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن وإيران. ويرى بلجيك أن تغير العديد من معطيات الواقع حالياً سيجعل إيران في موقع أقوى في المفاوضات.
وقال بلجيك إنه في الوقت الذي ألقى فيه جو بايدن اليمين الدستوري كي يصبح الرئيس السادس والأربعين في تاريخ الولايات المتحدة، انتشرت التكهنات بأن أول شيء ستفعله إدارته هو معاودة الانضمام إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي انسحب منه سلفه في البيت الأبيض.
وتعتبر اتفاقية العمل الشاملة المشتركة، التي وقعت عليها إيران في عام ٢٠١٥ إلى جانب الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا والاتحاد الأوروبي تحت اسم “اتفاقية إيران النووية”، إنجازاً دبلوماسياً لافتاً. ووافقت إيران على الحد من مصادر اليورانيوم المخصب مقابل إعفائها من العقوبات المالية والاقتصادية، التي فرضتها عليها الأمم المتحدة.
لكن في 2018، وفي تصريح حمل سخر من أهمية هذا الإنجاز الدبلوماسي المشترك، كتب الرئيس الأمريكي حينها، دونالد ترامب، تغريدةً يعلن فيها انسحاب بلاده من الاتفاقية. وورد في نص التغريدة: “أعتقد أن هذه واحدة من أكثر الصفقات، التي رأيتها في حياتي، المصاغة بطريقة تفتقر للكفاءة.. لم نحصل على أي شيء”. وزعم ترامب أن إيران تستغل المساعدات المالية، بما في ذلك أموال صادرات النفط، لدعم المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط.
وكانت السعودية الحجر الرئيسي في سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط، إذ لعبت دور الند الجيوسياسي لإيران في المنطقة. وكانت المملكة وسيطاً في مفاوضات خطة سلام الشرق الأوسط، التي تمت برعاية جاريد كوشنر. ووقع ترامب صفقة أسلحة قيمتها 110 مليار دولار مع السعوديين في أول زيارة رسمية له في الرياض في مايو 2017.
وخلال نفس الزيارة، نجح السعوديون في جمع عدد من ممثلي الدول لحضور خطاب ترامب، الذي أعلن فيه أن إيران تمثل الخطر الرئيسي في المنطقة. وأدى مقتل القائد العسكري الإيراني قاسم السليماني على يد الولايات المتحدة في يناير 2020، إلى تخلص ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من عدو رئيسي له في الشرق الأوسط.
ويوضح امتناع ترامب عن اتخاذ أية خطوات انتقامية، بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، دعمه الراسخ لولي العهد السعودي، الحاكم الفعلي للمملكة. وأظهر ترامب امتناعاً مماثلاً بشأن تورط السعودية في الحرب الأهلية اليمنية – وهي خطوةٌ أخرى أقدم عليها محمد بن سلمان في مارس 2015 لمنافسة النفوذ الإيراني في سوريا.
كانت أولى رسائل بايدن للسعودية أنها لا ينبغي أن تعتمد، بعد الآن، على الدعم الأمريكي غير المشروط. ويعد تصريح المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض جين بساكي في 16 فبراير الماضي عن “إعادة ضبط” العلاقات السعودية – الأمريكية إشارةً لولي العهد السعودي بأن إدارة بايدن لن تتهاون مع تصرفاته المتهورة.
ما الذي نتوقعه من المفاوضات
سيكون موقف إيران أكثر قوة في أي مفاوضات مرتقبة مقارنة بالوضع قبل إبرام الصفقة الأخيرة. فخلال المفاوضات الأولى، كانت الحرب الأهلية السورية لا تزال في بدايتها وكان مصير الأسد غير معلوماً. وكانت احتمالية أن يأتي نظامٌ جديد في سوريا، وخاصةً إذا كان مدعوماً وممولاً من السعودية، تعني خسارة طهران لحليف مهم، وإعاقة الدعم الإيراني لحزب الله في لبنان.
وكان فيلق الحرس الثوري الإيراني والميلشيات الشيعية تقاتل تنظيم “الدولة الإسلامية”، بالتزامن مع الاستفادة بصورة غير مباشرة من الضربات الجوية الأمريكية الداعمة للجيش العراقي. وبعد الإعلان عن الاتفاق النووي في يوليو 2015، تغيرت طبيعة الحرب: إذ تدخلت روسيا في سبتمبر 2015 للوقوف بجانب نظام الأسد وتسارعت وتيرة اشتراك الحرس الثوري الإيراني في الحرب عبر تدريب حوال 100 ألف مقاتل سوري لضمهم إلى قوات الأسد. ووفرّت هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” وقرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا في أكتوبر 2019 فرصةً أمام النظام السوري لتوسيع وتعزيز نفوذه – بالإضافة إلى النفوذ الإيراني.
وفوق كل هذا، قامت إيران، منذ انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة، بتخصيب الوقود النووي بنسب تتجاوز الحدود المتفق عليها في اتفاقية 2015. كما أنها أوقفت عمليات التفتيش الدولي على مواقعها النووي. في 10 فبراير الماضي، أخبرت وكالة الطاقة الدولية أعضائها بأن “إيران تنتج معدن اليورانيوم، وهي مادة أساسية في تصنيع الأسلحة النووية”. وبكلماتٍ أخرى، فإن إيران، بحسب ما يراه بلجيك، تقترب من امتلاك قنبلة ذرية بسبب تسريع وتيرة برنامجها النووي عقب قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي.
إن التقدم الذي أحرزته إيران في قدراتها النووية ووضعها الأكثر استقراراً في سوريا يعزز موقفها على طاولة المفاوضات. ومع وقوف روسيا إلى جانبها، قد تقاوم إيران رغبة الولايات المتحدة في توسيع الاتفاق ليشمل شروطاً أخرى مثل إنهاء وجودها العسكري في سوريا، وليبيا، والعراق.
وهناك مشكلةٌ أخرى محتملة تتعلق بالسياسات المحلية في إيران. ويشارك في صناعة السياسة الخارجية الإيرانية كل من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، ورئيس الدولة، ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، ورئيس مجلس خبراء القيادة. وفي الوقت الذي تتركز فيه السلطة التنفيذية في يد رئيس الدولة، إلا أنه لا بد وأن يوافق المرشد الأعلى على ما يتم طرحه من سياسات خارجية.
في 2015، وافق المرشد الأعلى المتشدد آية الله علي خامنئي، على مضض، على سياسة الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني بخصوص الصفقة النووية. رغم أنه من المستحيل معرفة ما كان يدور في ذهن خامنئي حينها، فإن الاقتصاد الإيراني المتضرر بشدة تحت وطأة العقوبات، وغموض المناخ الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، من الأسباب المحتملة التي دفعته للموافقة. لكن منذ ذلك الحين، والمتشددون باتوا أكثر جرأة، ويعود السبب في ذلك بصورةٍ جزئية إلى العقوبات الجديدة التي فرضتها الأمم المتحدة في سبتمبر 2019، ومقتل سليماني.
وبحسب بلجيك، فإن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر عقدها في يونيو 2021 ستكون ساحة قتال بين المعتدلين والمتشددين. وانتقد حسين دهقان، أحد المرشحين وهو مستشار عسكري لخامنئي، موقف روحاني المعتدل.
ويختم بلجيك مقالته بالتالي: “إن صفقة إيران النووية نتاج مجهود مشترك للعديد من الدول. وفي الوقت الذي لم يتسبب فيه قرار ترامب بالانسحاب في إنهاء الاتفاق، فإنه أضعفه. ويريد بايدن، مثل ترامب، أن تكون الصفقة جزءاً رئيسياً من رؤية إدارته تجاه الشرق الأوسط – لكن هذه المهمة قد تكون أصعب مما يعتقده”.
ملاحظة
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.
* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com في 22 فبراير 2021.